أسئلة الفنان محمد بوكرش / الدكتور عاشور فني

أسئلة الفنان محمد بوكرش / الدكتور عاشور فني 

http://www.alnoor.se/article.asp?id=163388
 http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=28599
 http://www.sidi-aissa.com/ar/?p=98&a=18818

 سبق أن أرسلت هذه الإجابات وأعيد إرسالها مع جزيل الشكر والامتنان للاهتمام، مسجلا إعجابي بحضورك الجميل وطنيا وعربيا ودوليا وبنشاطك الدؤوب من خلال متابعتي لك في أنشطتك الثقافية الفنية الإبداعية الفكرية. دمت للصداقة والإبداع.

 د.عاشور فني 

هل للديمقراطية تعريف إن كان
هل للديمقراطية تعريف إن كانت موجودة أصلا؟
ت موجودة أصلا؟ 

نعم الديمقراطية موجودة في هذا العالم ولا ينبغي التشكيك بوجودها لحظة واحدة. ويكون من الإجحاف التنكر لها فهي نتيجة النضال السياسي لشعوب المعمورة عبر القرون من اجل التحرر والانعتاق والتخلص من الاستبداد. ولم يكن هذا النضال حكرا على شعب من الشعوب أو حقبة من حقب التاريخ الطويل ولكن الإنجازات المعاصرة تعود في أصلها إلى ثورات عديدة أنجزتها الشعوب على غرار ما يجري اليوم في العالم وفي المنطقة العربية. من ذلك ثورة الشعب الإنجليزي في نهاية القرون الوسطى حين كان الاستبداد ضراب أطنباه في العالم حيث تمكن من فرض الحد من سلطات الملك في ميثاق الحريات الكبير (الماغنا كارتا Magna carta ) في العام 1215. فهذا الميثاق وضع حدا لطغيان الملك وسمح للمدن بمعارضة التعسف الملكي وفرض احترام الحرية الفردية ومنع حبس الأفراد بغير قانون وفرض مراقبة استعمال الضرائب وكان ذلك بداية تحديث السلطة في بريطانيا. وقد مثلت الماغنا كارتا بداية الانتقال من دولة الاستبداد المطلق إلى دولة القانون. وعززها قانون الحقوق في العام 1689 الذي كان بمثابة ثورة البرلمان التي قامت على أساس أفكار الفيلسوف جو لوك ولقي ذلك القانون دعما شعبيا حارا وعززته الثورة الأمريكية (1976) التي كرست مبدأ (أن لا ضريبة تفرض على من لا تمثيل لهم في البرلمانNo taxation without representation ) وحققت للشعب الأمريكي طموحه في تحديد مصيره بتحقيق استقلال دولته وبناء المؤسسات التي تضمن له الحرية على أرضه وإن لم يتحقق ذلك للسكان الأصليين ولا للزنوج الذين خاضوا نضالات كبرى- حتى الآن- من اجل نيل حقوقهم. وقد عرف التاريخ ثورات أخرى مثل الثورة الفرنسية (1789) التي أنهت النظام القديم في فرنسا ووضعت حدا للحكم الملكي المطلق وأتت بالملكية الدستوري في المرحلة أولى ثم أنشأت الجمهورية الأولى وأصدرت (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) الذي فرض المساواة بين المواطنين أمام القانون وكرست سيادة الأمة القادرة على حكم نفسها بنفسها عن طريق الممثلين بديلا عن سيادة الملك في النظام القديم. وتبعتها ثورات كبرى أخرى امتزج فيها النضال من اجل الاستقلال مع النضال من أجل الديمقراطية ومثال ذلك الثورة الروسية (1905-1917) والثورة الصينية (1911-1948) والثورة الجزائرية (1954-1962) التي كانت عنوانا لثورات التحرير في أفريقيا خاصة حيث تحقق استلال العديد من الدول الإفريقية وتمت تصفية الاستعمار خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. فتحققت استعادة السيادة للدول المستقلة لكن الشعوب ما تزال في حاجة إلى تحقيق حريتها واستعادة السيادة من دولة الاستقلال إلى المواطن. ذلك هو جوهر التحول الديمقراطي اليوم الذي يجري في سياق انهيار نظام الثنائية القطبية ونهاية نظم الحرب الباردة من جهة وفي ظل أزمة اقتصادية عامة بينت عجز الدول الداعمة للاستبداد عن حماية النظم التي دعمتها عقودا طويلة كما بينت عدوانيتها في التدخل من أجل تحويل مسار التحولات لصالحها عندما يقتضي الأمر ذلك. وتجري اليوم نضالات كبرى في المنطقة العربية من أجل استكمال ثورة التحرير بثورة الحريات: تونس14 يناير 2011 ومصر 25 يناير 2011 وهما الثورتان التي تحققتا وأنجزتا بعض أهدافهما الكبرى في ظرف قصير جدا وأطلقتا بذلك حراكا منقطع النظير في البلدان العربية الأخرى. وفي ضوء هذا الحراك يتم إعادة تشكيل المنظومات السياسية في البلدان العربية وفي المنطقة برمتها. ويتوقف على هذا الحراك مصير نضالات شعوب المنطقة برمتها من أجل التحرر والانعتاق واستكمال تحرير الأرض المحتلة وتقويض نظم السلطة المستبدة والحكم المتخلف الخارج عن عصره والكابح لطموحات شعوبه وتحقيق دولة الحقوق والحريات. 

هل يمكن تعريف الديمقراطية؟ 

لنتفق على تعريف إجرائي بسيط: حكم الشعب بنفسه. غير أن هذا التعريف البسيط يقتضي آليات حكم محددة تتعلق بمساواة المواطنين أولا وضمان الحقوق والحريات الأساسية لكل مواطن وتتعلق بالتمثيل النيابي لانتخاب المسؤولين لفترة محدودة وبممارستهم الحكم وبمساءلتهم وبكيفية استبدالهم. كما أن للديمقراطية شكلا سياسيا يتجلى في أن الدولة مدنية تحكمها قوانين وضعية وتكون السيادة للشعب لا للحاكم وتقوم على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فإذا غابت هذه الآليات الديمقراطية وجد الناس أنفسهم مضطرين لاستعمال وسائل الثورة السلمية أو المسلحة لإحقاق الحقوق أو لنيل مطالبهم أو للدفاع عن حرياتهم أو لاستبدال الحكام. نحن في قلب الحراك الديمقراطي في الوطن العربي رغم كل المنغصات والمعيقات والتدخلات الرامية إلى إجهاضه أو إلى استغلاله أو استعماله أو تشويهه أو تحريفه عن مساره. 

هل للديمقراطية تجليات في الحياة الفكرية والأدبية والفنية؟ 

 تقوم الديمقراطية على مبدأ اساسي وهو التنوير بالمفهوم الكانطي: أي قدرة الفرد على التفكير بشكل منطقي عقلاني يسمح باستخدام عمومي للعقل: أي فتح النقاش لعموم الناس كي يبدوا آراءهم في القضايا العامة التي تتعلق بحياة الأمة: فكرة الأمة وفكرة الانتماء الثقافي والتاريخي للأمة والقضايا السياسية المتعلقة بحرية الفكر والتعبير وشروط تحقيقها في المجتمع وكيفية تنظيم الفضاء العمومي في مجموعه بما فيها النشر والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى. تتجلى الديمقراطية في الحياة الفكرية في تنوع الآراء وفي قبول الاختلاف وفي تناقض الأفكار والطروحات وذلك ما يسمو بالنقاش ويجعله أكثر ثراء وأقدر على الإبداع وتوليد الأفكار الجديدة. ومن هنا ظهور تيارات فكرية كبرى متناقضة في المجتمعات الديمقراطية التي تضمن حرية الفكر وحرية التعبير وحرية النشر للجميع. أما في الحياة الإبداعية فهي تتجلى في ظهور الصوفي الفردي وفي انبثاق الذاتية المعبرة عن نفسها في الفنون الآداب والمنسجمة مع حرية الذات وانبلاج طموحاتها وأشواقها الذاتية في حالاتها الخاصة والحميمية مجسدة ازدهار الحياة الفردية وانسجام الأفراد بين حياتهم المضمرة والمعلنة. فالصوت الفردي والذاتي هو رديف لحياة حرة غنية ثرة بدلا من طغيان صوت الجماعة في حالات الكبت الجماعي للحريات وتعدد السلط المانعة والكابتة والمشوهة للحياة النفسية للفرد. 

ما الفائدة من الدين أو المعتقد الأقرب للمرجعية الإنسانية ونفوذه في ممارسة الحياة عامة ؟ 

للدين مكانة مهمة في حياة الفرد النفسية وفي توازنه الروحي وفي توجيه حياته وتحديد غاياتها الكبرى. والديمقراطية تتطلب حرية المعتقد وحرية الفكر وحرية الممارسة الدينية وحرية التعبير بعيدا عن الإكراه وعن تحويل التدين على شكل من أشكال الضبط الاجتماعي أو النفاق العام في حالات غياب الحريات الخاصة والعامة. لذلك يتم إبعاد الدين عن الاستعمال السياسي لقهر المؤمنين وإرغامهم على دفع جزية الإيمان بالتصويت في الانتخاب على شخص معين أو برامج سياسية معينة. في النظام الديمقراطي يتم التعامل مع مواطنين أحرار متساوين في الحقوق لا مع مؤمنين أتباع لمذهب معين. تلك هي قوة الدولة المدنية التي تتيح فرصة للناس حسب كفاءاتهم وتسمح بانتخابهم للمسؤوليات حسب برامجهم السياسية وتقييم أداءهم على أساس أفعالهم لا على أساس معتقداتهم أو آرائهم. تلك هي قوة الديمقراطية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح