بنيتا اللوحة: الشيئية والسردية تواشج وانقطاع معا / خالد خضير الصالحي


بنيتا اللوحة: الشيئية والسردية تواشج وانقطاع معا


 كتب التشكيلي والكاتب محمد بوكرش مقالا مهما تناول فيها بعض المفاهيم التي طرحتها في حوار اجراه معي الكاتب سعدون هليل ونشره موقع النور وطرحته كذلك في جلسة حوارية اجريتها في التجمع الثقافي العراقي في محافظة البصرة في الجنوب العراقي، وانا اذ اشكر الاخ الاستاذ بو كرش على افتتاحه حوارا ارجو ان يكون بادئة لحوار اتمنى ان يطول ويتسع ويشارك فيه تشكيليون وكتاب ونقاد اخرون لنكسر رتابة الثقافة العربية التي نشات شفوية كلامية ولكنها كمفارقة انتهت الان الى الصمت المطبق ليحل محلها ايديولوجيات تعتبر حرية الحوار من الد الاليات المهددة لوجودها..
وانا اولا، اوافق الاخ بو كرش بان اخذ نموذج الموسيقى اقرب الى الفنون التشكيلية من اللغة، وهذا صحيح ولكن الموسيقى براينا حقلا لا يدخله الا الاندر الاندر حتى من المثقفين لذلك كنت اعتقد انه نموذج ممتاز كمقترح من الكاتب العزيز ولكني كنت استبعده للاسباب التي ذكرتها هنا، ولا باس ان يتم ادخال هذا النمط الابداعي كواحدة من ثمار النقاش هنا، واول الاضافات التي انتجها مفتتح لحوار..
ثانيا، نحن حقيقة نعتقد "يقول الناقد والفنان خضير الصالحي:(ان العمل الفني واقعة تتألف من مستويين بنائيين مستقلين: مستوى تحتي مادي شيئي ينتمي الى جوهر العمل الفني المادي (البصري او اللمسي)، ومستوى دلالي فوقي ينشأ كهامش سردي على الواقعة الشيئية، وهو، أي المستوى الفوقي، وان كان موجودا ضمن جوهر العمل الفني فإنه لا ينتمي إلى البنية المادية للعمل الفني) ولكننا نؤيد ونقصد بقولنا هذا ان هذين المستويين يشابهان البنيتين التحتية والفوقية التي اقترح ماركس انهما يشكلان المجتمع، بنيتان متواشجتان، متصلتان ومنفصلتان في الوقت ذاته، وهما معا يشكلان العمل الفني: بنية تحتية مادية هي الالوان والاضافات المادية والتقنيات وقوانين المنظور وقوانين التشريح وغيرها، وهي متصلة مع البنية الفوقية السردية الدلالية، وهاتان البنيتان متصلتان لانهما يشكلان العمل الفني معا، ومنفصلتان من ناحية طبيعتهما المختلفة: البنية الشيئية المادية الملموسة التي نعتقدها جوهر العمل الفني وبنية ناتجة منها هي لغوية وسردية واحيانا منطقية وعلمية وما الى ذلك من سمات الموضوع، اي اننا لا نقول بعدم وجود الموضوع ولا نقول بانه مكون من الدرجة الثانية ولكننا نقول ان جوهر اللوحة مادي وبالتالي تنتمي اليه كافة المكونات اللمسية والمادية والحسية للوحة او للعمل الفني، بينما لا تنتمي البنية الفوقية الفكرية السردية التاملية اللغوية الى الجوهر المادي للوحة لانها ليست من طبيعة مادية ولكن ذل وأن وجودهما معا يشكل وجود العمل الفني ك لا يعني الانتقاص من اهميتها ولا تصنيفها بانها مكون من الدرجة الثانية، لذلك فان استقلال كلا البيتين مماثل لاستقلال بنيتي المجتمع التحتية والفوقية في الفكر الماركسي تقريبا، استقلال وتواشج معا حتى ان اي فصل ليس الا لاغراض دراسية ليس الا.. لذلك نحن منذ البدء والانا كثر من ذي قبل نؤيد ما جاء به صديقنا بو كرش بأن المستوى الدلالي الفوقي والمستوى الشيئي التحتي "متلازمان والبناء واحد ثنائي الحدث، حدث تحتي شيئي وآخر دلالي فوقي...." ولكننا نعتقد باستقلالهما الذي يعني ان ليس بالضرورة وجود احدهما توفر شروط وجود الثاني، فنعتقد ان الموضوعات (الكبيرة) لا تشفع لتقنية ضعيفة، والعكس بالعكس؛ لان الوجود لا يعني بالضرورة اتخاذ نفس الدرجة من الفاعلية..
اما التساؤل المهم الذي طرحه الاستاذ العزيز بو كرش بقوله :"أين يضع الاستاذ الفنان والناقد خضير صالحي ما دار أو يدور بذهن الفنان ويخص البناء ثنائي حدث ما هو شيئي تحتي وما هو حدث دلالي فوقي؟ وهو القائل أنهما مستويين بنائيين مستقلين." فاننا نقول ان ما دار في ذهن الفنان كامن في اللوحة ولكن ليس في ذهن الفنان، فان الفنان ما ان انهى اللوحة فانه قد وضع كل ما لديه فيها وانه اصبح شخصا خارجا عنها وهو متلق كاي متلق اخر؛ لان العمل الفني براينا ليس بحثا عن معنى خبأه منتج العمل وبالتالي فهو الوحيد الذي موثوق له ان يصرح به، بل نعتقد ان العمل الفني ميدانا لتخليق المعاني او الدلالات.. اما كيف يتلقى المتلقي ما كان في ذهن الفنان وانطوى الان ضمن نسيج اللوحة فانه يجب ان يتلقاه عبر مادية اللوحة وشيئيتها: الالوان والخطوط والاشكال والقوانين الاخرى كالمنظور والتشريح والضوء والظل والكتلة والفراغ وغيرها من قوانين الفنون التشكيلية ولا يتلقاه من تفوهات الفنان وادعاءاته..
اشكر اخي الاستاذ الكاتب والتشكيلي بو كرش واتمنى ان يتسع الحوار ويمتد ليساهم فيه الجميع..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح