شاعر جزائري: الإنسان العربي لم يُولد بعد.. ولا خلاص إلا بالفن / محمد ياسين رحمة
شاعر جزائري: الإنسان العربي لم يُولد بعد.. ولا خلاص إلا بالفن*
حاوره: محمد ياسين رحمة
الطيب لسلوس: يخرج من جناح الشاعر الآن الكثير من الكائنات الضرورية للشأن العام كانت تحيا على لسانه وتتكلم لغته.
تحت تصفيقات سيف الدولة اختنقت آلاف الأصوات ليعلو صوت المتنبي
الطّيب لسلوس كون شعريّ جزائري متفرّد، يتمدّد على أرقى بساط للشعر، متوسّدا أوفر مخدّة للفكر.. يُمارس وجوده بوعي مستشرف ورؤى تنطلق من عمق القرون متجاوزة حاضرها بكل تنويعاته.. "نحن لا نفكر أبدا في الفقد وما نفقد ولكننا دوما نفكّر في ما سنملك، مع أن ما سنملك هو بديل ساذج في كثير من الأحيان لما يُطلب منا أن نفقد."، و"فماذا جنينا من العقل، هذا الرجل الأبيض الأعمى الخصي"، و"الإنسان العربي لم يولد بعد كبُعد سياسي ومدني ومن ثم ثقافي وحضاري" وأفكار أخرى، ندعو القارئ أن يستغرقها في هذا الحوار.
* لو حدثتك أن العقل ساق العالم إلى الجنون وأغرق الطهر الإنساني "في مستنقعات الأكاذيب والزيف والأقنعة، فماذا تحدثنا عن الجنون؟
ـ يوم كامل نلبسه كربطة عنق وعند النوم سوف يظل ما يبعث فينا الرضا هو ذلك الفعل المجاني الذي مر هكذا دون حساب فعل من قبيل صباح الخير،حقا نحن نحتاج إلى سلام كبير مع ذواتنا لننعم بالسلام مع الوجود، وهذا الكلام يخصنا نحن الجزائريون بالذات، لا أقصد السلام مقابل الحرب، إنني أتكلم عن سلام بسيط وعميق كطلوع شمس، حين يصبح هذا الكلام عتبة لما يلحّ علينا من أسئلة حتما سيكون الجنون أبسط ما نطلبه كلما فتحنا أعيينا على صباح عاقل صباح يأخذ الإنسان إلى مساء أخير وابدي يأخذه من بيته الذي خلق ليناديه إلى بيت يحفره بأظافره كل يوم، أليست الحضارة هي المشي إلى المجهول مقابل نسيان ملكاتنا، أليست التكنولوجيات هي مجرد اختزال لطبائع كان حريا بنا الحفاظ عليها، نحن لا نفكر أبدا في الفقد وما نفقد ولكننا دوما نفكر في ما سنملك، مع أن ما سنملك هو بديل ساذج في كثير من الأحيان لما يُطلب منا أن نفقد.
نحن نصل إلى حد لا يطاق من صناعة الرغبة ومن ثم الحاجة، لم نعد قادرين على التوقف، لست أدري ما علاقة الوصول بالسرعة، لماذا الوصول بسرعة إذا كان الوصول حتمي، الأزمة الاقتصادية في أمريكا وأوروبا الآن هي خير دليل، الوصول حتمي ولكنهم يطلبون السرعة (السرعة تعني المزيد من التكنولوجيا التي تعني المزيد من الثروات والتي تعني بالضرورة المزيد من الحروب)، هاهم لقد وصلوا وبسرعة، إلى مساء الكارثة، مساء مفروش بملايين الجثث وملايير االخسارات لملاكات الحب والتسامح والجوار الحسن، فماذا جنينا من العقل هذا الرجل الأبيض الأعمى الخصي.
* لو اتهمتك أنك انقلابي وصعلوك يمزج بين السريالية والتصوف ويسعى إلى نُبوّة تصعد من الأرض إلى السماء كي يعيد رسم العالم وتأثيثه. كيف ترد؟
ـ لن أرد فيما يتعلق بالنبوءة لأنني فعلا كذلك، لكنني لا أمزج بين الصوفية والسريالية، وأجد الآن فرصة (تاريخانية) لرسم مسافة لم يكن بوسع الشاعر العربي والمفكر أدونيس أن يرسمها، إذا لا حاجة للكلام عن "سريالية وتصوف" ما دام الأمر يتعلق بنظرة باطنية تنبع من كل ثقافة ويشرف عليها خطاب ينظم قيمها الجمالية ويبثها في حدود تلك الثقافة في مرحلة محددة، باختصار الشاعر شوقي أبي شقرة ليس لوتريامو عربي ولا أندري برتون أدونيس أوروبا، الكل يخرج من شرنقته الخاصة بثقافة وقيمه الجمالية، ورغم ذلك سيظل البحث عن ما في البجعة من ثعبان مسموحا به ما دام الأمر يتعلق بالمثاقفة وعولمة الفنون لصالح السلام والتقارب بين المختلف.
* كيف تقرأ المشهد الشعري وإيمان الشاعر برسالية الشعر؟
ـ لا يمكنني قراءة المشهد العربي بهذه السرعة والاختزالية لكن مع ذلك أرى من بعيد جمالية تمجّد الفردانية والإنسان في حياته الحميمة جدا، على حساب جمالية باتت عتبة تكاد تكون متجاوزة، هي عتبة الثورات ورسولية الشاعر، يخرج من جناح الشاعر الآن الكثير من الكائنات الضرورية للشأن العام كانت تحيا على لسانه وتتكلم لغته، ليستمر الشاعر أكثر إنصاتا من ذي قبل إلى كائنات في طبقات أكثر ظلاما ليميز صوتها المشروخ والكثيف والواهم على حد السواء. أختصر هذا في أن الشاعر ( الحداثي) أكثر إنصاتا لأصوات الهامش.
دعنا الآن نحمل الفأس ونفكر في الرسالة ، لاحظ أن هناك قسمة بين أرض رسالة وأرض لا رسالة في طرحنا لسؤال الإيمان برسالية الشعر، فهل هذا يعني أن هناك شعر لا رسالي؟، ولكن هل حقا هناك فن لا يحمل رسالة؟، أريد أن أسأل ولكن أشد انتباه هذه المرة، هل الوجود اللا رسالي أي العبثي ممكن ، المسالة جادة، الوجود لا يعبث حتى في أشد الالتباسات التي نعتقد معها أن لا رسالة هنا، فهناك رسالة دائما حتى للفراغ نفسه رسالة، لنعد قليلا إذن من أين يأتي وهم عدم الرسالية لفن ما أو لخطاب ما، لن نذهب بعيد إنها القراءة، فك شفرة النسق الجمالي مهما استعصت الذاتية في الفن، هناك عامل آخر يفعّل الوهم، هو أدوات الفهم الملائمة والقادرة على فك غاية النسق الجمالي، وهذا ما يتعذر في كثير من الأحيان، إي تلك القدرة اللامحدودة على التلقي، إذا ليكون سِؤال رسالية الشعر أو فن ما ممكنة سيكون علينا الإجابة عن سؤال: هل هناك حدود للتلقي؟ لا أبحث عن إجابة محددة، ولكن يمكن أن نقول أن حدود التلقي هي ما يرسم عناصر الرسالة الفنية بوصفها التفسير الأقصى لغاية فن ما، طبعا لم أخض في مسألة رسالية الفن الإصلاحية لأن هذا يأتي في ما بعد، أي بعد تحويل وقولبة الرسالة في خطاب إصلاحي أو تنويري أو تثويري.
* بحثت عن كميناء السعادة في صيدليات الشعراء فلم أجدها، فماذا عن صيدليتك الشعرية؟
ـ إذا كنت كميائيا بعين الرازي فالشقاء والسعادة قدران يحكمان مصير الإنسان. والبعد والقرب من نبع النور هما وجه لذلك، ولا أقول جديدا إذا قلت لك أن الفن بما فيها الشعر هو أول الدين وآخر الدين ولا خلاص إلا بالفن ومن هذا بالذات تتركب أخلاط كيمياء السعادة حين نمارس كل ما نحياه على كفن، فقط في تلك اللحظة تتفتح مغاليق السعادة ونشف ككائنات ونسمو فوق ظلامنا. تلك هي قيامة الكائن في حيوانه عايا على حياته المظلمة.
* ألا ترى أن الشاعر العربي هو كائن لغوي مستلب وانهزامي ويعاني من قطيعة مع قارئه؟
ـ لحظة سأقطع السؤال إلى مقاطع لأن الأمر يبدو لي كتداخل الشاعر العربي/ كائن لغوي/ مستلب/انهزامي/يعاني/ قطيعة/، المقطع الأول كائن لغوي هل صفة لغوي هنا هي بديل لغير واقعي .. غير اجتماعي.. غير تواصلي. إذا كان هذا هو المقصود فأنا هنا أصر على حذف صفة الشاعر عن هذا الكائن اللغوي لأن المسألة هنا تتعلق بتلك الكتابات غير الفنية والتي ربما تهم الباحث البسكوسيولوجي الباحث عن مشاكل التعبير الجمعية اللاوعية التي ينطق بها الأفراد وهذه مسألة بعيدة كل البعد عن الشعر كفن، الشاعر العربي/كائن لغوي/ نعم الشاعر من أعتق الكائنات اللغوية، لأن الإنسان كائن لغوي تحديدا ويمكن أن تكون التجربة الشعرية تجربة لغوية محضة، ولماذا نعتقد أن الأمر هيّن بل وغير مجدي حين تتجه تجربة ما تحديدا للغة، أليست اللغة هي الوجود بحد ذاته وأنه لا وجود خارج اللغة، بل أكاد أجزم أن من أخطر التجارب هي اللعب على حافة اللغة والتجريب فيها، ذلك أنها هذا التجريب يتعلق بالكائن ووجوده.
* هل العالم العربي بحاجة إلى متنبي أم هو بحاجة إلى خنق الحبال الصوتية الشعرية وتصفية الشعراء؟
ـ سؤال مرعب في الحقيقة ربما كان لمتأمل في أدب ما يحلم بعيدا بسيادة الرايخ الثالث، ببساطة نحن لا نحتاج إلى هذا أو ذاك... فتحت تصفيقات سيف الدولة اختنقت آلاف الأصوات ليعلو صوت المتنبي، وتحت شعار التصفية ظهر لأول مرة شعراء يبكون لأنهم لم يتأهلوا للدور النهائي لدورة شعراء الأمير على الملأ ودموعهم تتساقط فماذا بعد هذا التدجين. ما أردت أن أقول دعوا الشاعر لبراريه ودعوا الشعر للعقول الحرة، لماذا علينا أن نجد إطارا لكل صورة ونعد أبرا وأقفاص زجاج لكل ما يمر حولنا.
* وماذا عن ديوانك الذي صدر حديثا؟
ـ تقصد " الماء يفكر خارج التاريخ" صدر عن دار النهضة العربية بلبنان باقتراح من صاحبة دار النشر الروائية "لينا كرايدية" والتي مازلت أحي فيها هذه اللفتة الجميلة من مثقفة لبنانية لأصوات أدبية من الجزائر أين اختارت مجموعة من الأسماء المميزة كالشاعر ميلود خيزار والشاعر حميد عبد القادر والشاعرة لميس سعيدي، في سابقة من دار النهضة لتسويق الأدب الجزائري في المشرق العربي... وإذن " الماء يفكر خارج التاريخ" هي حالة اعتراف بتخلف الإنسان العربي، اعتراف طويل مفاده أن الإنسان العربي لم يولد بعد كبُعد سياسي ومدني ومن ثم ثقافي وحضاري. هذا الإنسان.. هذا الماء الذي يجري خارج التاريخ هو مركز قلقي هذه المرة.
* الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة الشعرية ...هل تؤمن بهذه المفاهيم؟
ـ المسألة لا تتعلق بالإيمان أو الجحود الحداثة وما بعد الحداثة هما حركة التاريخ من حيث هو معنى مرتبط بالوضع الإنساني، ومن ثم فالأحرى أن نسأل ما الآثار التي تركتها الحداثة وما بعد الحداثة كحركة للتاريخ لها آثار على الوضع الإنساني بعامة، سواء كان مشاركا كفاعل في صناعتها أو مشاركا كمفعول به أو فيه أو منه، في صناعتها، ولا تكفي هنا حيلة النعامة في إعدام الوجود بدفن الرأس في الرمال، تماما مثلما هي العولمة الشعرية أو غيرها. فالعولمة هي أحد ميزات حركة التاريخ والمجتمع. إذن من خصائص التاريخ عولمة القيم في خطاب يسمو على أنقاضه أحيانا ليرفعه حجرا إضافيا في هرم سلطة الجماعات عن الفرد وسلطة الثقافات الأقوى على الأضعف وهكذا.
* تحضر المرأة في الشعر وتغيب الطفولة ويدعي الشعراء أن الطفل هو الذي يطبع شعريّتهم بينما يغلب العاشق في أشعارهم هل هو صراع بين الطفل والعاشق؟
ـ إذا كان الأمر يتعلق بالتجنيس فقط، أظن أن الأمر طبيعي فالرجل يكتب عن حبه لامرأة والعكس صحيح أيضا بالنسبة لامرأة ستكتب حتما عن حبها لرجل. لكن إذا كان القصد رمزي فهذا شيء مختلف تماما وليس له علاقة بالجنسانية، وشخصيا أعتقد أن تصعيد التأنيث رمزيا هو مسألة تتعلق بارتداد اتنروبولوجي ثقافي وميتافيرزيقي لذاكرة الشعري في هذا الموروث أو ذاك، فمن البديهي إذن أن يجتمع الطفل والعاشق في نقطة واحدة هي الحاجة في كل شيء للمحبوب.
* ما هو السؤال الذي تطارد إجابته..أو تطاردك إجابته؟
ـ أنتظر إلى آخر نفس... حقا ..هل حقا...سمعني؟
• نص
ـ طانيس (الاسم القديم لطنجة المغربية)
في طانيس كلام الجنة مهدور حتى الحيوان.
وتفاحها كي لا يشرد قلب إلى عقل، وخيط النور جنوبي، وخيط النور أم تجلس سوداء في قلب الحليب ولبؤة تفتل أشبالها على الصيد.
نعرف أننا أبناء الشتاء الماضي.
ورحلتها إلى الساحل...قطعنا الدم والحليب ولم نلتفت،
من براري الموريين إلى آخر اللوتس في الأرض الصفراء.
هه.... الذكور هنا يشرحون كعادتهم مشقة البداية المقنع بالمكوث في تعميم الكارثة على السواد حتى تقع طفيفا طفيفا حين بنو جدارا لأب طعن الوقت فظل مرفوعا على عمد الخيام.
ـ قرّب النار
رمزا إلى قوس خصرها
هل رأيت إذ أرزق الظل منحصر النيلي في الضفة، كل النحاتين ظنوه ظلام. هذا المكر الأول في خزانة الأب وسيفه يعصر الحمى على القديسة وبناتها. لم يكن اللوتس يسافر ولا النون مشتعلة حتى النقطة في جبين بوذي.
وكنا نعد الوجود على الأصابع.
وأنت
أنت العربيد
قلبك خمارة تميد، ورأسك حقل ينتظر الطيور، وأسباب الخريف،
والجني الأزرق أنت في قلبك ذبابة الخل
ــــــــــــــــــ
http://www.middle-east-online.com/?id=120875
تعليقات
إرسال تعليق