نحن والفن الغربي / هـدى العمــر

 

نحن والفن الغربي


العرب المسافرون للفنان أوجين ديلاكروا

هـدى العمــر

    عندما نذكر أسماء عملاقة ورائدة في الفنون والأدب بشتى أنواعهما في المجتمعات الغربية نسج تاريخ الفن ذكراها، وجمل بها صفحاته، وزينت شعوب انتمت إليها هذه الأسماء ميادينها، ومتاحفها بأعمالهم، وطرزت شوارعها ومدنها بل وبعض مبانيها بأسمائهم التي أصبحت عنوانا لهذه الشوارع أو تلك المدينة أو هذا المتحف أو ذاك المبنى، فإننا نجد أنفسنا تقف متقطعة الأنفاس تحمل أحاسيس مشتتة مبهمة لما آل إليه الفن العربي في واقعنا المعاصر فحالة الفن العربي بحاجة إلى يقظة مفاجئة تعيد الحياة والحيوية إلى الحركة الفنية في عالمنا الذي هو ليس بحاجه لإثبات هويته وجذوره الأصيلة.
غالباً ما يعزو تاريخ الفن العربي في أسباب تأخره إلى الاحتلال الأجنبي لبلاده فعندما غزا العثمانيون أقدم حضارة عربية عام 1517م واقتلع جذورها الفنية من مصر حيث جمع "الوالي العثماني" خيرة الفنانين والحرفيين المصريين وشحنهم إلى اسطنبول كغنائم حرب، بل وكما ذكر في كتاب محمد بن إياس "بدائع الزهور في وقائع الدهور" بأن الغازي سليم الأول لم يخرج من مصر إلا ومعه ألف جمل محمل بالذهب والفضة والتحف الفنية التي أبدعها الفنانون المصريون. بينما قبل هذا التاريخ أشاد العرب المسلمون التحفة الفنية "قصر الحمراء" بمدينة غرناطة بأسبانيا وحكم العرب أسبانيا لحوالي ثمانمائة عام ولم نجد تحفا تذكر في متاحفنا أو لوحات فنية تمثل هذه الحقبة التاريخية المهمة في التاريخ العربي الإسلامي من صنع فنانين عرب تخليداً لذكرى هذا التاريخ وإن وجدت فلا نعلم شيئا عنها. كما استفاد الفنانون الغرب من غزو بلادهم للبلاد العربية خلال عدة حملات فرنسية وبريطانية استفاد منها الفن الغربي بظهور حركة فنية مهمة في تاريخه هي حركة المستشرقين Orientalism"" فهل لنا أن نتخيل أهمية الفنون عند الغرب بحيث تضمن جيوشها مشاهير الفنانين الغربيين ليس لرسم المعارك الحربية فقط كما كان يحدث في معارك القائد الفرنسي نابليون بونابرت، بل أيضاً لرسم الحياة اليومية، والعادات والتقاليد العربية، والملابس والحلي، والمناظر الطبيعية، والكائنات البرية منها والبحرية وأصبحت هذه اللوحات التي رسمت في عقر دارنا تعد من نفائس مقتنيات المتاحف العالمية الغربية مثال على ذلك حب الفنان الفرنسي أوجين ديلاكروا " Eugene Delacroix" للمغرب العربي الذي عاش به ستة أشهر أنتج خلالها مائة لوحة أغلبها يمثل إعجابه بعلاقة الإنسان العربي بحصانه، وكذا الفنان النمساوي الأصل تشارلز والدر "Charles Wilder " الذي اهتم برسم طابع الحياة المصرية التقليدي.
ولا يفوتنا ذكر الحفل الأسطوري لافتتاح قناة السويس عام 1869م بمدينتي الإسماعيلية وبورسعيد بجمهورية مصر العربية الذي أقامه الخديوي إسماعيل ولم يدع لحضوره فقط ملوك ورؤساء العالم بل اهتم وحرص على دعوة الفنانين لرسم كل ما يتعلق بتسجيل هذا الحدث وكان على رأسهم الفنان والمصور الفرنسي إدوارد ريو "Eduard Riou"، وهكذا لمن هو متذوق ومتابع لتاريخ الفن فلن يتعدى لوحة "المسجد ومراسم صلاة العيد" للفنان الفرنسي المعروف وأحد رواد الاتجاه الانطباعي بيير أوجست رينوار "Pierre-August Renoir" تعدية الكرام في كيفية صياغة وبراعة رينوار الانطباعية في رسم هذا الإحساس الروحاني ببلاغة فائقة وجمال تعبير مع الأخذ بالاعتبار أنه ليس مسلماً ولم يولد في بلد مسلم.

الفنان تشارلز والدر

لعل القائمة تطول بأسماء الفنانين الغربيين الذين رسموا لوحات مشهورة مستمدة موضوعاتها وإلهاماتها من بلادنا الشرقية وكيف أيقظت عادات وتقاليد العرب المشاعر الوجدانية لدى الفنانين الغربيين فوضع المحتل الغربي الاستفادة من ثقافات الشعوب العربية التي احتلها محل اهتمام حالها حال أي غنيمة أخرى ممكن أن يستثمرها ويستفيد منها حتى صارت جماليات الشرق إلهاماً لقرائحهم وعبقرياتهم مما ولد الإبهار والدهشة فى نفوس الفنانين العرب لما شاهدوا من مستحدثات جلبها الاستعمار الغربي وفعلت مفعول السحر في جذب أبصارهم وتطلعوا إلى اكتشاف مواهبهم ولو بالتقليد لهذا الفن الغريب الذي اعتبروه سباقاً حضارياً لعالم تفوق عليهم بالغزو باختراعاته، وابتكاراته، واكتشافاته، وفنونه وهكذا كانت بداية "النقل من فنون الغرب" التي مازالت حتى يومنا هذا تبهرنا وتفرض علينا أساليب فنية كلما حاولنا معالجاتها أدار الغرب بوصلة الاتجاه للعرب نحو طريقه لكي نتبعه فنضل الطريق للحفاظ على تراثنا فصار الفن الغربي الوافد علينا بمثابة حجر الأساس لبناء نهضة فنية حديثة بينما كما ذكر استفاد الغربيون من إرثنا الحضاري وزينوا به متاحفهم. لعل البعض منا يستغرب هذا العرض المختصر ويتساءل كيف لنا بأن نخلق هذا المطلب بإنقاذ الفن العربي من التأثر بالفن الغربي؟
نحن نذهب إلى بلاد الغرب لكي ندرس الفنون التي لابد وأن تؤثر أساليبها الحديثة علينا ولكن بدلاً من أن نستفيد من أساليبها لتوظيفها لصالح مواضيع تخدم هويتنا صرنا نقلدها، الغرب يحترم الفن كما ذكرنا ويعد الفنان الأصيل بمثابة ثروة لبلاده فيكرمه ويدعمه كما يحتضن جميع الفنون التي منها الغريبة عليه، ويدفع جمهور المعارض مبالغ مادية ويقف في صفوف تحت الأمطار والعواصف والثلوج لكي يشاهد معرضاً فنياً، وصالات معارضنا مهجورة فيما عدا أيام الافتتاحات التي أغلب جمهورها من الفنانين أنفسهم.
نتمنى أن نستوعب أهمية هذا الفن كأحد أهم الوسائل العلمية والثقافية والأدبية فالفن يواكبها جميعها ويطرحه للعالم كما ذكر في كتابات قاسم أمين والشيخ محمد عبده "الفن ضرب من الشعر يرى ولا يسمع" مما يدل على أن الفن يعد أهم سفير للوطن يسجل ويعرف العالم على إنجازاته في الماضي والحاضر ومراحل تطوره، فنأمل لتحقيق الهوية الفنية العربية الأصيلة أن تتاح الفرص والدعم والوعي الكافي بأهميته كي يعلو شأنه فمعطياتنا الفنية هي أجمل ما يمثل وطننا الغالي وحري بنا أن نعيرها جل اهتمامنا وأن تكون محل دراستنا واجتهادنا.

وجبة الغداء بالقاهرة للفنان جون لويس


المسجد وصلاة العيد للفنان أوجست رينوار


الفنان تيفاني محلات الجزائر
 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.alriyadh.com/2013/10/25/article878254.html

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

حوار الخامات وولادة الأثر، قراءة في تجربة سامي بن عامر / رياض بنالحاج أحمد: باحث جامعي