"راسْ بْلا فْريسة"/ ينينة عبد الكريم


عبد الكريم
"راسْ بْلا فْريسة"/ ينينة عبد الكريم
.
كنت صغيرا حين سمعت أول مرة عن "راسْ العام"، وراحت مخيلتي تبحث عن تصور شكل لهذا الرأس، وكيف هو، وتبحث عن تركيب جسم محسوس لفراغ لم أقبض عليه، وكم أرقني ذلك لما أُخبِرت أن المقصود هو اليوم الأول للسنة، لم يشبع مخيلتي هذا التعبير المجازي الذي كان يفوقني، وكبرت ولم أدرك صورة أقبض من خلالها على الرأس الأسطوري للعام.
قرأت قليلا من "رأس المال" لماركس، وقرأت قصيدة "رأس بنادم" للشاعر الشيخ بن مرزوق، وعن "رأس الفتنة" ابن سلول، ورأيت في حياتي نماذج بشرية ممن يسمون "رأس الأفعى" أو "رأس الحربة" كما عايشت فترة كان يحكم الجزائرَ فيها "خمسة رؤوس" وسمعت قصة "الملك سيسبان وسيد علي وراسْ الغول" وعن "راسْ بوتين" حتى وإن كان روسِيًّا واسمه الحقيقي هو (raspoutine) فهو واحد منا، وما قام به من شعوذة يشبه ممارساتنا السياسية والثقافية، وأسلوبه يعتبر "راس الحانوت" في كل طبخة سياسية.
كل حكوماتنا كانت "برأس تقنوقراطي أو سياسي" وباختلاف أهمية رأسها فإنها ظلت يتيمة بموت شعبها، عليه رحمة الله، حكومات دون شعب يحتضن سياساتها، لقد تابعت تصريح "رأس حكومتنا" اليتيمة، بشأن طلبه من "الشعب الميت" شد الحزام، فتأكدت من صدق بعض البرلمانيين وقولهم (إن حكومتنا منبثقة من رحم إرادة هذا الشعب) وتذكرت قصة المراهق صاحب "الرأس الضخم " في الحافلة، إذ نادته عجوز كانت جالسة: أيها اليتيم، تعال فاجلس بجانبي، ولما استوى سألها: كيف عرفتِ أنني يتيم؟ فأجابته بلغة الواثق: إن التي خرج منها هذا "الراس" لا أظنها كانت ستبقى على قيد الحياة.
‎في جريدة الحياة الخميس 06 / 01 / 2015 -------------------------------------------------- "راسْ بْلا فْريسة" . كنت صغيرا حين سمعت أول مرة عن "راسْ العام"، وراحت مخيلتي تبحث عن تصور شكل لهذا الرأس، وكيف هو، وتبحث عن تركيب جسم محسوس لفراغ لم أقبض عليه، وكم أرقني ذلك لما أُخبِرت أن المقصود هو اليوم الأول للسنة، لم يشبع مخيلتي هذا التعبير المجازي الذي كان يفوقني، وكبرت ولم أدرك صورة أقبض من خلالها على الرأس الأسطوري للعام. قرأت قليلا من "رأس المال" لماركس، وقرأت قصيدة "رأس بنادم" للشاعر الشيخ بن مرزوق، وعن "رأس الفتنة" ابن سلول، ورأيت في حياتي نماذج بشرية ممن يسمون "رأس الأفعى" أو "رأس الحربة" كما عايشت فترة كان يحكم الجزائرَ فيها "خمسة رؤوس" وسمعت قصة "الملك سيسبان وسيد علي وراسْ الغول" وعن "راسْ بوتين" حتى وإن كان روسِيًّا واسمه الحقيقي هو (raspoutine) فهو واحد منا، وما قام به من شعوذة يشبه ممارساتنا السياسية والثقافية، وأسلوبه يعتبر "راس الحانوت" في كل طبخة سياسية. كل حكوماتنا كانت "برأس تقنوقراطي أو سياسي" وباختلاف أهمية رأسها فإنها ظلت يتيمة بموت شعبها، عليه رحمة الله، حكومات دون شعب يحتضن سياساتها، لقد تابعت تصريح "رأس حكومتنا" اليتيمة، بشأن طلبه من "الشعب الميت" شد الحزام، فتأكدت من صدق بعض البرلمانيين وقولهم (إن حكومتنا منبثقة من رحم إرادة هذا الشعب) وتذكرت قصة المراهق صاحب "الرأس الضخم " في الحافلة، إذ نادته عجوز كانت جالسة: أيها اليتيم، تعال فاجلس بجانبي، ولما استوى سألها: كيف عرفتِ أنني يتيم؟ فأجابته بلغة الواثق: إن التي خرج منها هذا "الراس" لا أظنها كانت ستبقى على قيد الحياة.‎

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح