يبيعُ السَمَكَ في النهار... ويشتري العِلمَ ليلاً / حسين السكافي
يبيعُ السَمَكَ في النهار... ويشتري العِلمَ ليلاً
إنه (الجاحظ) أبو عثمان عمرو بن بحر ( 159 – 255 ).
إنه (الجاحظ) أبو عثمان عمرو بن بحر ( 159 – 255 ).
كان الجاحظ عقلاً يقارع عقولاً، فهو الذي وقف أمام (أرسطو) عقلاً لعقل، يقبل منه ما يقبله عقله، ويرفض منه ما يرفضه عقله، حتى انه كان أحياناً يسخر منه، فهو لم يقف منه موقف التلميذ الخاضع لأستاذه المعجب بكل مقولاته. لقد رفع الجاحظ راية العقل وجعله المرجع في كل شئ، فهو عنده وكيل الله عند الإنسان، وجعل العقل قائماً ومشرفاً على النقل، بل كان يستخف بالنقليين الذين إهتموا بالنقل على حساب العقل، فهو يرى ان أغلب الناس تتعبد بما يُروى ولا تبحث عن صحة المروي، وهذه إلتفاتة واعية من الجاحظ .
وهو الذي إعتمد الملاحظة الدقيقة في عصر لم تتوفر فيه الأدوات المتطورة للملاحظة وألف العديد من الكتب وبدقةٍ، في شتى المجالات... حرر اللغة من قيود الصنعة وسعى لتحرير العقل من الخرافة والتقليد.
لم يبلغ الجاحظ تلك المنزلة العلمية بالتمني، بل كان شديد الحرص على طلب العلم، فكان يبيع الخبز والسمك على نهر البصرة، وفي الليل يستأجر دكاكين الورّاقين يبيت فيها ليقرأ ما تحويه من كتب مؤلفةٍ ومترجمةٍ، حيث اطلع على الثقافة الفارسية واليونانية والهندية وغيرها، اضافة لثقافتة العربية، فكان على اتصال بثقافات عصره.
ان ما يسترعي الإنتباه هو ،ان المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الجاحظ ليست بالقصيرة، إنها ما يقرب من 1200 عام. ماذا سيقول الجاحظ لو حلَّ اليوم ضيفاً بيننا ويقرأ تقرير اليونسكو الذي يقول: ( ان الفرد العربي يقرأ بما لا يزيد عن ست دقائق في السنة ). سيرى نفسه غريباً ، وسيرى العقل الذي رفعه وناضل من أجله ممرغاً بوحل الخرافة وممزقاً بأنياب الأمية والطائفية والتعصب. سيرانا نتقاتل ونموت تحت ظِلال (الروايات المشبوهة) وتُكتب شهادة وفاتنا بقلمٍ وحبرٍ ليس من صِنعنا .
فهل من جاحظ لهذا الزمن ؟
حسين السكافي
تعليقات
إرسال تعليق