بمناسبة تكريم فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي وباقي فرنسا للحركى والاقدام السود / السعدي ناصر الدين
السعدي ناصر الدين
بمناسبة تكريم فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي وباقي فرنسا للحركى والاقدام السود
ابقى دائما مؤمنا بأن الثورة حمــل كاذب
مباشرة بعد وقف اطلاق النار في التاسع عشر من مارس 1962 تدفقت على بيتنا وفود كثيرة من المجاهدين.. كان اول وفد وصل بعد يومين من وقف النار يقوده " احمد فضال " ويسمى " سي حميمي " أحد اهم قيادات الولاية الثالثة انهى الثورة برتبة رائد. جاء " سي حميمي " ومعه نحو 15 ضابطا وجنديا ليعزي في استشهاد ابي وعمي واختي وجدي وخالي. وليهنئنا بالاستقلال. اتذكره جيدا كان رجلا معتدل القامة يميل الى السمنة بحيث ضاقت به البذلة العسكرية التي كان يرتديها. تحدث مع والدتي وجدتي و رجال العائلة عن الثورة والتضحيات ومعاني الحرية وذكّر بخصال والدي الذي يعرفه جيدا ويقدره جيدا لانه كان هو قاضي جيش التحرير في المنطقة. وكانا معا في معركة بني يعلى ضد جماعة بلونيس التي انهت وجود مسلحي " الحركة الوطنية ـ المصاليين " في المنطقة. وكان قبلها يتردد على بلدة "ّ كريمة " حين كان بيتنا مركزا للمجاهدين والمنطقة محرمة على قوات الاحتلال الى ان دمرت البيت بالطيران الحربي في مارس 1956. بعده جاء دور الشيخ يوسف يعلاوي الذي وصل الينا في موكب من السيارات ومعه ايضا حرس كبير. التأمت كل العائلة حوله فهو صديق قديم للعائلة لانه درس واخوه سي عبد الحميد مع والدي وعمي وثلاثة من بني عمومتهما في قسنطينة على يد الشيخ عبد الحميد ابن باديس في ثلاثينات القرن الماضي. وعرفه في معركة بني يعلى المذكورة أعلاه. فالشيخ يوسف كان مصاليا و كان مثل عشرات من اتباع " الزعيم " بين ايدي المجاهدين وقد اعدموا عددا كبيرا منهم قبل ان يصل والدي الى المكان ويصدر الحكم بوقف " المجزرة " واخضاع المصاليين للقسم بأن لا يغدروا بالثورة مستقبلا. ومنها التحق عدد كبير منهم بعد القسم بجيش التحرير من بينهم الشيخ يوسف الذي صار بدوره ضابطا برتبة رائد. ثم تتالت الوفود من ضباط جيش التحرير.. الجميع وعدنا بالجنة على الارض. وعدونا بالدراسة والسكن اللائق في المدينة التي نختارها وبالعيش الرغيد.. صدقنا نحن الصغار وصدقت والدتي و افراد عائلة اولاد ناصر الآخرين الذين حضروا كل تلك الجلسات مع ضباط جيش التحرير.. كنا نرى النعيم على الباب .. وان الاستقلال له طعم ورائحة . انا لمست وقتها لاول مرة سلاحا ناريا. فقد اعطاني المجاهدون رشاش "مات 49" مرة وبندقية صيد في ثلاث مناسبات واطلقت النار في الهواء بمساعدتهم طبعا.. وكنت ارى نفسي ضابطا في الجيش. كانت تلك الايام جميلة جمال صبرنا طيلة طيلة سنوات الثورة التي أسقطتنا من اعلى سلم المجتمع حيث الدار الكبيرة والخدم والحشم والأملاك الى الاسفل الى حيث الخبز قليل... افراحنا واحلامنا استمرت من وقف النار الى اعلان نتائج استفتاء تقرير المصير وقيام الجمهورية.. انتهت زيارات الوفود ..الرائد سي حميمي الذي وعدنا بالجنة صار عضوا في المجلس التاسيسي والشيخ يوسف يعلاوي تنقل الى العاصمة وسكن فيلا في الابيار وصار مسؤولا كبيرا. وكل السيل الهائل من الضباط الذين توافدوا وقالوا ان وضعنا سيتغير تبخروا، صاروا إما مسؤولين ذاقوا نعمة الشبع بعد الجوع. او مشاركين في الاقتتال حول المصالح والغنائم... بدأتْ الايام تسود فحتى المحافظ السياسي الذي كان يأتي كل شهر لتسليم والدتي منحة الشهيد ايام الثورة انقطع لان المنحة صارت تصرف مباشرة من مكتب البريد... لم يعد احد يسأل عنا كل ذهب لمصالحه وبقينا نحن في دار اللجوء التي سكنناها منذ خروجنا من بيتنا الذي هدمه طيران الاحتلال قبل ست سنوات. مجاهدو منطقتنا استولوا على سكنات الضباط الفرنسيين داخل الثكنة العسكرية الفر نسية ونقلوا اليها زوجاتهم وابناءهم الذين ترددوا في البداية في السير على البلاط الجميل لانهم لا يعرفونه واشعلوا لاول مرة الكهرباء و ناموا لاول مرة في بيوت سقفها ابيض ناصع وهم كانوا في الاصل يبيتون مع حميرهم و بغالهم وابقارهم في نفس البيت بقراهم المعلقة على السفوح والتلال.. تطاحنوا على تلك البيوت التي كثير من بلاطها جلبه المحتل من دارنا قبل هدمها و الابواب هي ابوابنا ومولد الكهرباء هو محرك طاحونتنا الجديدة التي لم يمض على تشغيلها عام .. كل ما سلبته ادارة الاحتلال من املاكنا صار جنود جيش التحرير الذين عادوا احياء من المعركة ينعمون به.. باعت والدتي وجدتي كل حليهما من الذهب والفضة لنساء كنّ قبل الثورة لا يشبعن الكسرة فما بالك ان يفكرن في الذهب والفضة. و بعنا جزء من ارضنا لمن كانوا يشتغلون بها عندنا.. معليهش .. بذلك تمكنت من الدراسة قبل فوات الاوان ودون أدنى مساعدة من دولة الثورة الجميلة.
هل كل الثورات مثل ثورتنا حمل كاذب؟
هل كل الثورات مثل ثورتنا حمل كاذب؟
تعليقات
إرسال تعليق