أربعون مليون سؤال! / الأديب الحبيب السائح
أربعون مليون سؤال!
جريدة صوت الأحرار: 04 أفريل 2013
الحبيب السائح
لا أدعي أي استشراف أو أزعم أنه كان لي أي سبق في تصور ما يئول إليه بلدنا، وسط هذه المعمعة الكونية المنذرة بسيناريوهات كارثية قد تصيب البشرية جمعاء؛ بفعل هذا الشره الذي يغذي أطماع الإمبرياليات الجديدة. ذلك أني في 2008، كنت كتبت ما يلي:
المؤرق للذهن حقا أن لا نعلم، نحن الجزائريين، جميعا ما يتقرر بخصوص تسيير مصيرنا؛ برغم النوايا المعلن عنها من مرحلة سياسية إلى أخرى وعبر هذه المؤسسة الرسمية أو تلك.
إننا نحس كأننا أصبحنا فجأة بلا غايات؛ ندور حول أنفسنا، نتلهى على لعبة شد الحبل بيننا وبين السلطة ـ سلطة كأنها ليست نابعة من إرادتنا ـ حول مشكلتين هما من بين مجموع تحديات مجتمعنا الأخرى: السكن والتشغيل.
مشكلتان صارتا مزمنتين ومنفلتتين. وبفعل تراكم مسبباتهما، تحولتا مصدرا لممارسة العنف ودافعا لاستهداف مصالح الدولة وعلة في القطيعة مع الرموز؛ إذ لا يعقل أن تكون هناك دولة بلا رموز.
بل، إن المشكلتين، نظرا إلى حدة تأثيرهما المباشر على أوسع شريحة اجتماعية في الجزائر، زحزحتا إلى درجة دنيا من النقاش مشكلات أخرى أكثر إلحاحا، مثل: ممارسة حق المواطنة وتأدية واجبها، والأمن الغذائي والمائي، والبناء الثقافي، وتحصين وحدة الجزائر الوطنية، وإيجاد ميكانيزمات لتوطين المجموعات البشرية الجزائرية في النقاط الحدودية الجنوبية الإستراتيجية لمواجهة الزحف المحتمل.
فالرهان، إذا، لن يكون فقط على أن نحل مشكلاتنا الاجتماعية الملحة، وننسى، لأنانيتنا، أن أبناءنا، أبناءنا جميعا، سيكونون مضطرين بعد أقل من نصف قرن إلى هدم ما بنيناه من عمران، لأنه لم يأخذ في التصور ضرورات زمانهم؛ بسبب التسرع تحت ضغط الشارع، ولكن أيضا على أن نؤسس لفلسفة في الإنشاء ينبغي لها أن تستجيب لحاجات الجيل الذي يطرق أبواب حاضرنا.
جيل، ها هو يطل علينا بطموحاته بأحلامه، على أرض بلده، تحت سماء وطنه. كيف نتجاهله، إلى أين نهرب منه؟ ولما ذا نخافه؟
لا مفر من أن نتعلم كيف نكتسب الشجاعة التي تجعلنا نتزحزح عن طريقه إلى مستقبله، الذي من المفروض أن نكون وضعنا له إشاراته.
جيل، من واجبنا التاريخي أن نفسح إليه كي يتخللنا، أن نتطعم به؛ فهو الذي يرفدنا إلى نهاية مأموريتنا المحددة بخطة الطريق التي يرسمها الزمن للبشرية بشكل تعاقبي وتداولي.
جيل يتولى شؤون مصيره بالتنويعات التي يدخلها على الثوابت فيغذي جذورها بما يضفيه عليها من اجتهاده وجهده واستفاداته من الموروثات الإنسانية ليكون في صميم العصر؛ بما يفرضه من تأهيل وذكاء ومبادرة وكفاءة في إدارة الحوار وفك شيفرات المحاور لصيانة السيادة؛ لأن مطامع المحاورين معنا، من مركز القوة، لم تعد تحدها أي ضوابط أخلاقية.
من حق الأمهات والآباء الجزائريين أن يخافوا على مصير أبنائهم، أن يقلقوا على أمن بلدهم، أن لا يثقوا تماما في شرائح واسعة ممن يتولون تسيير مقدراتهم؛ ما داموا منقطعين جذريا عن انشغالاتهم.
بتعبير أدبي: إننا مرتبكون؛ حالنا شبيهة بواقع أمة خرافية تخرج من كابوس أسطوري تتلمس اهتداءها إلى الشمس من حيث تشرق!
فحوالي أربعين مليونا من الجزائريين يحملون سؤال وجودهم على أكتافهم، بكامل العناء النفسي والشرخ الوجداني! أربعون مليون سؤال؟ أي قدرات عقلية يجب أن تتوافر، وكيف، لاختزالها إلى سؤال واحد جوهري تطرحه أمة واحدة على نفسها: كيف نثبت وجودنا كجزائريين مواطنين، بهذه الصفة الشاملة لتركيبتنا التاريخية والثقافية؟
تعليقات
إرسال تعليق