الباحث سعيد جاب الخير لموقع « إسلاميون نت » : صراع الجزائر والمغرب حول التجانية سياسي ودعم التصوف مرتبط ببقاء بوتفليقة في السلطة / حاوره الإعلامي المغربي : حسن الأشرف
الباحث سعيد جاب الخير لموقع « إسلاميون نت » : صراع الجزائر والمغرب حول التجانية سياسي ودعم التصوف مرتبط ببقاء بوتفليقة في السلطة
إسلاميون نت : بصفتك باحثا متخصصا في التصوف بالجزائر.. كيف يمكنك تقييم تأثير الصوفية داخل المجتمع
الجزائري في الوقت الراهن؟
سعيد جاب الخير : عُرفت الجزائر منذ الفتح الإسلامي بأنها « دارُ الهجرة ومُستقر الإيمان »، وذلك بعد أن هاجر إليها وإلى المنطقة المغاربية، الأشرافُ من أبناء الدوحة النبوية الشريفة (أبناء علي وفاطمة رضي الله عنهما) والذين يُعرفون في الثقافة الشعبية الجزائرية باسم « المرابطين ». فالمرابط في التعبير الشعبي وحتى الأكاديمي الجزائري، هو كل من ينتمي إلى النسب العلوي الشريف. هؤلاء الأشراف « المرابطين » الذين هاجروا إلى الجزائر والمنطقة المغاربية هربا من القمع الأموي ومن بعده العباسي، ارتبط الشعب الجزائري والمغاربي بمظلوميتهم وعلومهم وبركاتهم، والتف حولهم متبنيا لقضيتهم ومدافعا عنهم، كما ارتبطت بهم مفردات الثقافة الدينية المرابطية (الروحانية) وأسُس المرجعية الدينية الصوفية في الجزائر، وكانوا بذلك من وراء التعليم الديني الفقهي والصوفي، ومن وراء جميع الطرق الصوفية التي ظهرت بعد ذلك في الجزائر والمنطقة المغاربية. ولا شك أن الأشراف الجزائريين والثقافة المرابطية والطرق الصوفية وأتباعها، كانوا من وراء جميع حركات المقاومة العسكرية لمختلف الأنظمة الظالمة والاحتلالات التي طرأت على الجزائر، حيث قاوموا النظام الأموي والعباسي وأسسوا الدولة الفاطمية في الجزائر والتي امتدت إلى المشرق العربي بعد حركة سرية وحرب ثورية طويلة الأمد. كما قاوموا النظام العثماني بعد جنوحه إلى الظلم والفساد في مراحله الأخيرة، مع العلم أنهم (أي الصوفية) هم الذين منحوا الشرعية للوجود العثماني في الجزائر، ولولاهم لما بايعهم الشعبُ عندما جاء القائدان الأخوان المجاهدان خير الدين بربروس، وبابا عروج بجيشهما من تركيا إلى الجزائر لمقاومة وطرد الاحتلال الإسباني والبرتغالي.
كما قاومت الطرق الصوفية الاحتلال الفرنسي الذي أشعلت ضده عدة ثورات، كانت أولاها المقاومة البطولية التي قادها أبناء الطريقة الرحمانية على أسوار الجزائر المحروسة (العاصمة) ضد جنود الاحتلال الفرنسي، حيث استشهد 17000 سبعة عشر ألف مجاهد، كلهم جاءوا براياتهم وأسلحتهم من منطقة القبائل ليدافعوا عن الجزائر، ومن بعد ذلك جاءت ثورة الأمير عبد القادر وهو من الطريقة القادرية، ثم جاءت عشرات الثورات والانتفاضات الأخرى التي قادها الصوفية، من بينها ثورة لالة فاطمة نسومر الشريفة ابنة الطريقة الرحمانية، والتي هزمت وحدها سبعة جنرالات فرنسيين.
ومن المؤسف حقا، أن الدولة الوطنية بعد استقلال الجزائر، تنكرت للطرق الصوفية بعد أن تبنت التوجه الإصلاحي السلفي الوهابي كخطاب رسمي لها، ممثلا في ما تبقى من رموز « جمعية العلماء المسلمين الجزائريين » التي كان خطابها وبشهادة نصوصها وأرشيفها، أقرب إلى المهادنة والاندماج مع المحتل الفرنسي، منه إلى الوطنية والمقاومة والثورة. وفي هذا الإطار، تمت مصادرة أملاك الزوايا والطرق الصوفية بعد الاستقلال، ومنع نشاطها بل وسجن بعض شيوخها مثل الشيخ المهدي بن تونس والد الشيخ خالد بن تونس، الشيخ الحالي للطريقة العلاوية في الجزائر. لكن بعد رحيل الرئيس هواري بومدين زالت بعض الضغوط التي كانت مفروضة على الطرق الصوفية، ومع مجيء الرئيس بوتفليقة إلى الحكم، انفتح المجال أمامهم حيث أصبحت لهم حرية العمل مثل غيرهم من الجمعيات الثقافية في إطار القوانين السارية في البلد. وفي الجانب الشعبي، نلاحظ أن التصوف يمثل جوهر الثقافة الشعبية بل جوهر الحياة الشعبية بجميع مفرداتها في الجزائر (الغناء بجميع لهجاته وطبوعه، ومنه النوبة الأندلسية، الشعر الشعبي العربي والأمازيغي، المديح الصوفي، الأمثال الشعبية، العادات والتقاليد،…إلخ) وأتصور أنه مع فشل الخطابات والمشاريع الأصولية بعد العشرية الدموية التي عاشتها الجزائر وما تزال تعيش بعض مضاعفاتها، أصبح الشعب الجزائري اليوم، أكثر التفافا حول الثقافة الدينية الصوفية التي تتميز بالفطرية والبساطة والانفتاح على جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية، بل وحتى على الآخر المختلف الذي لا ينتمي بالضرورة إلى دائرتنا الحضارية.
يتم الحديث في الجزائر، كما في المغرب، عن استخدام ودعم الطرق الصوفية لمحاربة الحركات الإسلامية وخاصة السلفية منها.. إلى أي حد ترى هذه المعادلة حاضرة في الجزائر؟
ج : التوجه السلفي الوهابي بفرعيه « الجهادي التكفيري » و »العلمي »، أتصور أنه لم يعد يحتاج إلى محاربة، على الأقل في الجزائر، لأنه حارب نفسه بنفسه، وأسقط نفسه بنفسه من خلال مئات الآلاف التي أزهقها من أرواح الجزائريين الطاهرة عندما أفتى قادته وأفتى معهم أعوانهم من شيوخ وأبواق السلفية والوهابية في المشرق، بوجوب أن يقاتل الجزائري أخاه الجزائري، وبالتالي فهم مسؤولون عن الأرواح التي أزهقت بشكل أو بآخر مهما اختلفت التحاليل والقراءات والرؤى حول خلفيات وأسباب الأزمة التي مرت بها الجزائر. ومع ذلك أقول إنه ما يزال يوجد الكثير من التساهل من طرف النظام الجزائري في محاربة هذا الخطاب السلفي الوهابي التكفيري العدمي، الذي يدعي الوثوقية وامتلاك الحقيقة المطلقة واحتكار صكوك الجنة من خلال مقولة « الفرقة الناجية » وتكفير الآخرين.. فأنا مثلا لا أفهم، بعد العشرية الدموية التي شهدتها الجزائر وراح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، كيف أنه ما تزال في العاصمة عشرات المكتبات التي لا تبيع سوى الكتب التي تروج للخطاب السلفي الوهابي الجهادي التكفيري ؟ ومن الذي يمنح التراخيص لتلك المكتبات التي تتكاثر مثل الفطر ؟ كما إنني لا أفهم لماذا تخاف السلطة في الجزائر من فتح نقاش واسع وصريح على مستوى وسائل الإعلام كلها حول جذور ومفردات هذا الفكر العدمي المتخلف ؟ كما لا أفهم أيضا لماذا يُراد لأكبر الصحف في الجزائر أن تسير على هذا النهج السلفي الذي لا تخفى مفرداته على القارئ الواعي؟ ومن هو صاحب المصلحة في ذلك كله ؟ ثم إن الخطاب السلفي عند النقاش العلمي الحر، فاقدٌ لكل مصداقية دينية شرعية، فضلا عن المصداقية السياسية.
أما الطرق الصوفية في الجزائر، فإنها اليوم ما تزال بعيدة عن امتلاك وسائل ضمان بقائها وتحريك خطابها وتطويره، ونشر ثقافتها بالمستوى الذي يقتضيه واقع العصر وأدواته، فضلا عن امتلاك وسائل محاربة التيار السلفي، الذي يدعمه البترودولار، والذي تتطلب محاربته وسائل دولة، لا وسائل طريقة صوفية أو مجموعة من الطرق مهما كان حجمها. لذلك أتصور أن للطرق الصوفية، في الجزائر على الأقل، شغلا كثيرا في نفسها وواقعها ومستقبلها، يلهيها عن مجرد التفكير في الحرب ضد أي تيار آخر. هذا إذا افترضنا أنها تقبل بذلك من حيث المبدأ.
وأضيف في هذا الصدد، أن علاقة النظام بالتصوف في الجزائر تختلف عنها في المغرب، لأن التصوف والطرق الصوفية مرتبطة في جوهرها بطبيعة النظام في المغرب، وهو ما لا ينطبق على الواقع الجزائري، بل إن النظام الجزائري منذ الاستقلال وحتى اليوم (على مستوى الوثائق والمؤسسات والإعلام) ما يزال يتبنى الخطاب الإصلاحي السلفي (جمعية العلماء) المضاد للتصوف، بل إن مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وقائد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، الأمير عبد القادر، ما يزال التلاميذ في المدارس لا يعرفون عنه وعن فكره الصوفي الفلسفي، سوى أنه كتب قصيدة بعنوان « البدو والحضر » تدرس لطلبة الثانويات في كتاب الأدب العربي.
ما هي ردود فعل السلفيين وحركات الإسلام السياسي في الجزائر على « تشجيع » الدولة للصوفية من أجل محاصرتهم؟
ج : الخطاب السلفي الوهابي في ما يخص التصوف معروف، وهو أنهم يرون أن الصوفية مبتدعون ومشركون وأنهم ليسوا على الكتاب والسنة وغير ذلك من الاتهامات. مع أن السلفيين محجوجون في ذلك كله بالكتاب والسنة نفسها التي ينطلقون منها لادعاء الوثوقية والمطلقية في أفكارهم وتكفيرهم للأمة وخروجهم عليها، وتفصيل ذلك يطول ولا بد له من حوار خاص. لكن مشكلة السلفيين الحقيقية أنهم يضيقون بالحوار والنقاش الحر، بل يخافون منه، لأن أذهانهم مشحونة بالمسلمات والمطلقات الدينية التي ليست كذلك في الواقع، والتي لا يقبلون النقاش فيها. أما قوتهم الحقيقية فإنها تكمن في أمرين : الأول : سكوت النظام الضمني عنهم، والثاني : الدعم الكبير الذي يتلقونه من الدوائر الوهابية في الخارج. ويكفينا كدليل على ذلك، آلاف المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية التي تروج للخطاب السلفي الوهابي، وفي المقابل
كم يوجد من قناة فضائية أو موقع إلكتروني يروج للتصوف ؟
كيف تفسر التلاقي بين الرؤية الرسمية لدور الصوفية للحد من المد السلفي، مع تقارير دولية من قبيل ما أفاد به منذ فترة تقرير مؤسسة « راند » والذي شدد على أن الصوفية هي السبيل الممكن لتجسيد ودعم ما يسمى بـ « الإسلام المعتدل »؟
ج : يعرف المراقبون للشأن العربي والإسلامي، أن المؤسسات الاستخبارية الغربية عموما، والأمريكية منها على الخصوص، ومنها مؤسسة « راند »، هي التي روجت للخطاب السياسي السلفي الوهابي في ثمانينات القرن الماضي، عندما أذنت لما أطلقت عليه « الجهاد في أفغانستان » باسم الأفكار نفسها التي أصبحت اليوم تدعي محاربتها وتدعي أن الصوفية هم أحسن حليف لها في تلك الحرب. فأمريكا هي التي « جاهدت » في أفغانستان بدماء الشباب المسلم. هذا الكلام لم أقله أنا، ولم يقله صوفي ولا سلفي، بل قاله مفكرٌ ومحللٌ قوميٌ ناصريٌ معترفٌ به في الدوائر الأكاديمية العربية والغربية على السواء، هو محمد حسنين هيكل. لهذا أتصور أن الغرب وأمريكا على الخصوص، ليست مقياسا أو لا ينبغي أن تكون مقياسا في ما نقبل أو نرفض من فكر أو رؤى، لأن أمريكا تحبذ من الأفكار والتوجهات ما يخدم مصالحها الاستراتيجية في كل مرحلة، وهذا ما يقتضيه المنطق البراغماتي الذي هو منطلقهم النظري والعملي. فالمنطق الأمريكي يقول لك : إذا كانت مصلحتي مع الفكرة الفلانية فلا بد لي أن أعتقد بتلك الفكرة ولو في الظاهر، وحتى يتسنى لي الإقناع بتلك الفكرة لا بد لي من البحث عن الحجج المناسبة والمقنعة وإيجادها ولو من العدم. ولهذا بعد أن أغرقتهم السلفية الجهادية في المستنقعين العراقي والأفغاني، أصبحوا يبحثون عن بديل لتحقيق نوع من التوازن في الطبخة التي أعدتها مخابرهم، فوجدوا ضالتهم في التصوف، لهذا يحاولون اليوم احتواءه. لكنني أتصور أنه ليس من مصلحة الصوفية أن يتورطوا في المستنقع الأمريكي كما فعل السلفيون، لأن أمريكا ستؤذن للتصوف إذا رأت مصلحتها في ذلك كما أذنت للجهاد باسم السلفية، لكن الفاتورة سيدفعها الصوفية في النهاية.
هناك دعوات مشايخ طرق صوفية معروفة بالجزائر إلى « مأسسة » الصوفية بالبلاد، أو إنشاء هيئة أو مشيخة لتوحيد جميع الطرق والزوايا الصوفية..ما رأيك في مثل هذه الدعوات؟ وهل مأسسة التصوف خطوة فعلا نحو توحيد وتطوير شتى الطرق الصوفية بالجزائر؟
ج : أتصور أن هذه الخطوة إن تمت، سيكون لها تأثير إيجابي ومهم جدا على الواقع الديني والاجتماعي في الجزائر، وقد قلت ذلك في ملتقى عقد مؤخرا في مدينة الوادي حول « المرجعية الدينية في الجزائر »، والتي ما تزال مثارا للجدل بين السياسيين والمثقفين عندنا. فجمعية العلماء المسلمين التي تبنت الدولة خطابها بعد الاستقلال وما تزال تتبناه إلى اليوم، حاربت المرجعية الصوفية وعجزت عن تأسيس مرجعية دينية جزائرية، وهذا ما جعل شبابنا يستورد الفتاوى من مصر والسعودية وباكستان وإيران، وهو ما لا يزال مستمرا إلى اليوم. والواقع أنه لا يمكن للطرق الصوفية أن تكون مؤسسة دينية مرجعية في الجزائر بالمعنى الحقيقي والفاعل، إذا لم تنتظم جميع الطرق في هيئة واحدة تنطق باسمها وتكون لها هيئاتها ومؤسساتها، وتلبي الاحتياجات الدينية للشعب الجزائري، وتعبر عن خطابها ومواقفها من مختلف الأحداث داخل وخارج الوطن.
من طرق دعم الدولة في الجزائر للطرق الصوفية الشهيرة، مثل التيجانية والقادرية والرحمانية، أنها منحت لها إشعاعا واهتماما إعلاميا كبيرا، ومَدَّتها بقنوات تلفزية وإذاعية وبتغطية أنشطتها وظهور شيوخ صوفيين على هذه المنابر..في أي سياق تقرأ، برأيك كباحث محايد، هذه الرعاية الإعلامية المكثفة لأنشطة الصوفيين بالجزائر؟.. وهل لا يُخشى عليها أن تزيغ عن الطريق لتؤدي إلى مساوئ وسلبيات ما؟
ج : إذا كانت الدولة الجزائرية اليوم، تدعم الطرق الصوفية إلى حد ما، كما جاء في السؤال، فإن ذلك لا يرجع إلى تغيير جوهري حدث على مستوى طبيعة النظام في تركيبته وخطابه ومؤسساته، بل المسألة في تصوري مرتبطة بوجود الرئيس بوتفليقة على هرم السلطة ليس أكثر. لأنه عُرف عن الرئيس الجزائري الحالي، توجهه الصوفي وارتباطه بالطرق الصوفية منذ شبابه المبكر، وربما منذ طفولته. أما في مرحلة ما بعد بوتفليقة، فأنا شخصيا لا أتصور أن دعم الطرق الصوفية سيستمر بالشكل الحالي. لهذا أقول إن على الصوفية في الجزائر أن يفكروا في وسائل دعم أنفسهم بأنفسهم وأن لا يتكلوا على دعم الدولة. وذلك مثلا من خلال التفكير الجدي في استرجاع الأوقاف التي انتزعت من الزوايا، والعمل على تسييرها بشكل عصري وفعال.
في المغرب مثلا هناك اتجاه نحو ترسيخ ما يسميه البعض سياحة « روحية » من خلال الدفع بمواسم ومهرجانات ولقاءات صوفية عالمية، مثل اللقاء الذي يحضره صوفيو العالم بالآلاف من اتباع الطريقة البودشيشية شرق المغرب..سؤالي عن الجزائر، هل هناك تفكير للسلطات في نفس الاتجاه؟ أو بعبارة أخرى، هل تستغل الدولة الطرق الصوفية لإنعاش هذا النوع من السياحة الدينية إن صح التعبير ؟
ج : يؤسفني أن أقول إن ذلك غير موجود حاليا في الجزائر، مع أن العديد من المثقفين والباحثين الجزائريين دعوا إلى ذلك مرارا وتكرارا. أتمنى أن يبلغ هذا النداء مؤسسات الدولة لتتحرك في هذا الاتجاه الإستراتيجي الذي لا يرتبط بالجانب الاقتصادي فحسب، بل أيضا بالهوية الثقافية الجزائرية، وذلك من خلال إعادة الاعتبار للأضرحة والمزارات والمقامات الصوفية المرتبطة بالأولياء والصالحين، وترقيتها إلى مستوى مزارات سياحية حقيقية، وهو الجانب الذي ما يزال محل إهمال من جانب الدولة.
لنعرج أخيرا إلى ما أسماه الكثيرون الصراع بين الجزائر والمغرب حول الطريقة التجانية في السنوات الأخيرة.. ما هي قراءتك لهذا « الصراع »؟ وما خلفياته وآفاق تداعياته على الصوفية في البلدين معا؟
ج : هذا موضوع طويل يرتبط بمفردات السياسة في البلدين الشقيقين. ومن المعروف أن التصوف يفسد إذا دخلت فيه الاعتبارات السياسية، وخاصة إذا تعلق الأمر بطريقة صوفية واحدة يتنازع بلدان شقيقان على زعامتها. فالصوفية لم يكونوا في يوم من الأيام طلاب زعامة أو جاه أو سلطة، رغم معارضتهم الشديدة للظلم ومقاومتهم للاحتلال، وذلك من باب تحريك قيم المرابطة والفتوة والجهاد ليس أكثر. كما أن الصوفية لا يعترفون بالحدود الجغرافية كما يقول المديح الصوفي العيساوي الشهير (يا خوتي ما نيشي غريب، أهلي في كل أوطان) فالصوفي يشعر في كل مكان أنه في بيته وبين أهله. وعندما يتحدث البعض اليوم عن التجانية الجزائرية والتجانية المغربية، تأخذني حالة من اللامعنى، لأنه لا معنى لهذا الكلام عند أهل التصوف. فإذا كان مؤسس الطريقة سيدي أحمد التجاني ولد وعاش في الجزائر، ثم قدر له أن يتوفى ويدفن في المغرب، فهذا ليس من ذنب أحد، ولا ينبغي أن يُتخذ ذريعة لتقسيم أبناء الطريقة وتقاسم النفوذ والسيطرة عليها وعلى المناطق الأفريقية التي تتواجد فيها بكثافة كبيرة. لكن هذا ما هو حاصلٌ في الواقع. وأتصور أن هذه الحال ستستمر كما هي حال ملف الصحراء لأسباب ترتبط بالرؤية الاستراتيجية لكل بلد.
حاوره الإعلامي المغربي : حسن الأشرف.
نشر على موقع « إسلاميون.نت » بتاريخ 07 12 2009
نقله موقع « هسبريس » وهو أول موقع إلكتروني مغربي
ثم نقله موقع « الحوار.نت » وعدة مواقع أخرى على الشبكة.
ولاد سيدي
تعليقات
إرسال تعليق