عبد الجبار النفري العراقي: الحرف.... من كتاب ( رايت الله ) للدكتور الراحل مصطفى محمود / مراسلة الفنان التشكيلي جمال طالبي
من منجزات الفنان التشكيلي محمد الأمين غانمي
عبد الجبار النفري العراقي:الحرف.... من كتاب ( رايت الله ) للدكتور الراحل مصطفى محمود / مراسلة الفنان التشكيلي جمال طالبي
الحرف... القول يصرف الى الوجد و الوجد
بالقول يصرف الى المواجيد بالمقولات و المواجيد بالمقولات كفر على حكم التعريف. حكم
الاقوال هو حكم الجدال و البلبال و حكم الجدال و البلبال هو حكم المحال و الزلزال.
الاسماء و الصفات و الافعال حجب عن الذات الالهية لان الذات الالهية لا تقبل التحديد...الذات
الالهية في صرافة العلو و التجريد والاسماء و الصفات و الافعال تنزلات. الاسماء لا
فعل لها بذاتها و هي تفعل بذات الله..و انما شانها شان الادوات و الالات..و الحروف
في الجنة هي ادوات الملائكة تبني بها القصور و تفجر بها الينابيع و تخلق الماكل و المشارب...و
الحرف هو مقام الملائكة لا تستطيع ان تتجاوزه اما الانسان فيستطيع ان يتجاوزه و يخرج
منه ليصل الى مقام الجوار و الشهود للذات الالهية الخالصة. يقول الله لعبده. الحرف
يعجز ان يخبر عن نفسه فكيف يخبر عني. انا خالق الحرف و المحروف ( ما يخبر عنه الحرف
). جعلت من الحروف....اسماء و لغات و عبارات ليتكلم بها عالم الاكوان و لكني انا المكون
و انا فوق كل ما خلقت و لا حكم للحروف علي و لا مطلع على ذاتي كلمة الحرف بلسان الحرف
فلا اللسان شاهدني و لا الحرف عرفني. من احببته من خلاني و احبائي
كلمته بلا عبارة فخاطبه الحجر و المدر و قال للشئء كن فيكون..و لو اني كلمته بعبارة
لردته العبارة الى نفسه بما عبرت و لاحتجب بارتداده و لما جاءته الحكومة و مقاليد الحكم
و السلطان. يقول الله للعارف. الق عنك كل ما بدا من جوانب الاغراء...اخرج من علمك و
عملك و معرفتك و صفتك و نفسك و اسمك ..اخرج من الحرف و المحروف ...الق العبارة وراء
ظهرك و الق المعنى وراء العبارة و الق الوجد وراء المعنى و ادخل الى وحدك ترني وحدي
( و هو الشهود بالقلب و هو يحتاج الى التجرد الكامل فيخرج السالك من علمه و عمله و
صفته و نفسه و اسمه بمعنى يخرج من الغرورفلا يقول انا فلان الذي عملت كذا ..انا العارف
صاحب المؤلفات..يخرج حتى من سحر اللفظ و العبارة ..يخرج من غرائز شهواته و رغباته..يخرج
من عاداته..و يرد كل ما هو فيه من فضل الى الله ..و يتبرا من جاهه و حوله و طوله
..و هو التجرد الواجب للدخول الى حضرة الله..و درب من المجاهدات الروحية لا يقدر عليها
الا اصحابها ). لو وقفت عند الحروف و استهوتك اسرارها و اشتغلت بطلاسمها لتتسلط على
الناس كتبتك من السحرة الذين لا يفلحون و من عباد الحرف الذين اشركوا بي و عبدوا الحروف
من دوني و طلبوا الاسم من دوني. اطلاعي لك على سر الحروف هو البلاء كل البلاء. تعرف
سر الحروف و انت في بشريتك يختبل عقلك . تعرف سر الاسماء و انت في بشريتك يختبل قلبك.
يا عبد لا اذن لك ثم لا اذن لك ثم سبعون مرة لا اذن لك ان تبوح بما استودعتك من اسرار
حروف اسمائي..و لا كيف تدخل الى خزانتي و لا كيف تقتبس من الحروف حرفا بعزتي و جبروتي...و
لا كيف تراني.
•
•
هذا النص من كتاب " المواقف و المخاطبات
" للعارف بالله " عبد الجبار النفري " رحمه الله وقد جمعه الدكتور مصطفى
محمود رحمه الله في كتاب اخر بعنوان " رايت الله ".
كتاب "رأيت الله"
د. مصطفى محمود
فى بداية الكتاب تناول الدكتور / مصطفى
محمود قصة رائعة نرى فيها عن حق عظمة الله عز و جل , و هى قصة الأسد سلطان الذى اغتال
مدربه ” محمد الحلو ” , و قد قتله غدرا أثناء عرض السيرك بالقاهرة , حيث هجم علي كتفيه
من الخلف و أنشب مخالبه فى ظهره و مات المدرب بعد ذلك بأيام .
و لكن العجيب فى القصة أن الأسد أصيب بأكتئاب
و تم نقله إلى حديقة الحيوان لأنه أصبح شرس , و أضرب عن الطعام و انتابه الجنون و أخذ
يعض فى جسده و ذراعه الذى اغتال به مدربه و ظل يأكل من حتى نزف و مات
.
فكيف لحيوان أن يشعر بالذنب و الوفاء تجاه
مدربه , و حكام آخرين يشربون دماء شعوبهم كما يشربون الماء ؟!
و تناول بعد ذلك الدكتور / مصطفى محمود
عرض لبعض المخطوطات القديمة للنفرى , و هو من كبار الصوفية و من أشهر كتبه ” المواقف
و المخاطبات ” , و كان النفرى من فرط تواضعه لا يكتب ما يقول , إنما كان يؤلف كتابه
شفهياً لمريديه .
و لقد تناول تفسير النفرى لاسم الله ” العزيز
” :
يقول الله لعبده : ما أنا معيون للعيون
و ما أنا معلوم للعلوم , و ما أنا معرف للمعارف , أنا العزيز الذى لا ينال
.
أنا الملك الظاهر بالكرم المحتجب بالعزة
, أنا الظاهر و لا ترانى العيون , و أنا الباطن و لا تطيف بى الظنون
.
و قد تطرق النفرى إلى تفسير بعض الآيات
القرآنية ” إن إلى ربك المنتهى ” :
فيقول الله لعبده : ياعبد حصلت على كل شىء
فأين غناك ؟!
فاتك كل شىء , فأين فقرك ؟!
أعذتك من النار , فأين سكينتك ؟!
إنما أنا سكنك و عندى مقرك و بين يدى موقفك
… لو علمت …. أنا المنتهى و ليس دون المنتهى راحة .
فله تفسير رائع لمعنى كلمة ” الأنا
” :
فيقول لا يقولها إلا كل صاحب غفلة و كل
من كان محجوبا عن الحقيقة .
و الكتاب يحتوى على مخطوطة قديمة للنفرى
يتكلم فيها عن الوسوسة و يقول قال لى ر بى :
إذا جاءتك الوسوسة جاءتك بكيف و هو لسانها
, و هو سؤالها لتردك إلى العلم , فإذا دخلت إلى العلم وقفت بين إقبال العقل و إدباره
…..
فقل للوسوسة : به عرفت صفته لا بصفته عرفته
و به علمت العلم لا بالعلم علمته و به عرفت المعرفه لا بالمعرفه عرفته
.
و عن النفرى يقول الدكتور مصطفى محمود
:
إنه لا ينفرد بمذهب خاص للمعرفة الإلهيه
, و لكنه ينفرد بقدره مذهلة على التعبير و لغة ملتهبه فهو يكتب من نبع صاف , فنور كلماته
تخترق بنا المعانى و و تضىء الغيوم .
و يقول أيضاً فى نهاية الكتاب أنه ” قد
مضى على خمس سنوات و أنا أقرا النفرى , و ما زالت أخرج منه كل يوم بجديد
” .
النِّفَّري - Al-Niffari
هو محمد بن عبد الجبار بن حسن النفري الملقب
بالنفري، ولد ببلدة نفر في العراق وإليها ينسب. كان من كبار الصوفية وتنقل كثيرا بين
العراق ومصر ومن أشهر كتبه كتاب المواقف والمخاطبات. ومن فرط تواضعه لم يكتب ما كان
يقول، إنما كان يؤلف كتابه شفهيا لمريديه، ويكتفى بذلك. من أشهر ما ذكر عنه أنه قال
"كلما إتسعت الرؤية، ضاقت العبارة.
هذا مقطع اخر من كتاب المواقف و المخاطبات...........................................
الامتحان. ............او حكمة خلق الدنيا
و ابتلاء الانسان بالجسد. .... .................... ان الجسد حقيقة فانية و انه ثوب
ابتلاء خلقه لامتحان الروح.. و الصفة البشرية بما فيها من شهوات و اهواء و رغبات و
نزوات هي الاخرى ابتلاء و امتحان لتوجه الروح. لا وجود للصفة البشرية بالاصالة و انما
هي الاغراء الذي تختبر به الروح و تعرف به رتبتها . هل تدرك الروح نسبتها الى الله
و تتوجه اليه بكل حبها و شوقها ام يجرها الى شهواته. هنا الامتحان. يقول الله في مخاطباته.
انما اظهرت الشهوات سترا و حجابا عليك لامتحان توجهك...و لو انك رايت نفسك كما ترى
السماوات و الارض لرايت الذي يشهدها منك هو انت بلا شهوة فيك و لا رغبة. فلامتحاني
لك ابتليتك بشهوة لا تثبت في حكمك و لا تقوم في مقامك..فصفتك البشرية هي التي تميل
و هي التي تهوى و هي التي تشتهي ...و لكنك انت لا تميل و لا تهوى و لا تشتهي. انت من
وراء ستر الشهوات و من وراء الصفة البشرية روح مبراة عن الشهوة عالية عن الصفة البشرية
لا تميل و لا ترغب. و يقول له في مكان اخر. يا عبد جعت فاكلت ما انت مني و لا انا منك.(
و المعنى المقصود ان مغالبة العبد لطبعه هي الدليل على معرفته لنفسه و ادراكه لشرف
نسبه باعتباره روحا تمت الى الله و ليس جسدا ينتسب الى التراب.) و في القران يقول طالوت
لجنوده " قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍۢ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ
مِنِّى وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّىٓ إِلَّا مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةًۢ
بِيَدِهِۦ ۚ " و الذي اغترف غرفة بيده هو الشارب على قدر الكفاف.. و هنا حكمة
الصوم...فهو اعلان الروح عن نفسها و عن قدرتها على قمع الجسد الذي ابتليت به..و الصائم
برفضه الطعام يكون قد عرف نفسه و رد لها اعتبارها بصفتها روحا لا تاكل و لا تشرب. يقول
الله لعبده. خلقتك لي.. لجواري..لتكون مضع نظري و محل عنايتي . و بنيت لك سدا من كل
جانب غيرة عليك. ثم اردت ان امتحنك ففتحت لك في السد ابوابا بعدد ما خلقت و بعدد ما
ابديت من جواذب الاغراء. و خارج كل باب زرعت لك شجرة و عين ماء باردة.و اضمات و حلفت
بالائي ما انصرفت عني خارجا لتشرب الا ضيعتك فلا الى جواري عدت و لا الارتواء حصلت
...فقد ضللت عني و نسيت اني انا الارتواء الوحيد و السكن
الوحيد لك ...و اني انا الله
خالق كل شئء..مني المدد و بي الحياة كل الحياة..
ــــــــــــــــــــــــ
تعليقات
إرسال تعليق