ســلم اللـون منقول عن الفنان العراقى شاهين على الظاهر / الفنان محمد طوسون
محمد طوسون:
ســلم اللـون منقول عن الفنان العراقى شاهين على الظاهر
Color Gamut
من أعمال الفنان محمد طوسون
لوحة ( لااله الا الله محمد رسول الله ) مقاس 130 × 80 سم الوان زيت على تيوال .. للفنان محمد طوسون
كثيرا ما نلاحظ بعض الفنانين يشكون من عدم قدرتهم الوصول الى الوان معينة من خلال عملية المزج التقليدية.
وهم غالبا ما يعتقدون ان السبب يتعلق بنقص خبرتهم او غياب الموهبة لديهم مما يولد حالة من الاحباط الذي قد ينعكس على نشاط الفنان اللاحق وربما حتى مستقبله كرسام.
بالرغم من اهمية الخبرة والموهبة في الوصول الى لون معين الا انه هناك عوامل اخرى تقنية و معرفية تكون السبب الرئيسي في عدم قدرته تلك وان معرفته بها وباسبابها ستساعده حتما على توسيع رقعة الوانه وتسهل عليه عملية الوصول الى أي لون من الممكن ان يتخيله او يفكر فيه.
بالرغم من ان الطيف المرئي المحصور بين 400 الى 700 نانومتر يحتوي على ما لا نهاية له من الالوان الا ان عيننا البشرية لاتتمكن من تمييز اكثر من 7 مليون لون على اكثر تقدير.
والمدهش ان عين الانسان تستشعر بثلاثة الوان فقط هي الازرق والاخضر والاحمر وان بقية الالوان ليست الا ناتج عن تداخل تلك الالوان مع بعضها وبنسب مختلفة عند سقوط اكثر من لون من الالوان الثلاثة التي اشرنا اليها على العين وفي وقت واحد، فالعين مثلا لا تتحسس اللون القهوائي بل ان الدماغ هو من يفعل ذلك بعد ان يستقبل نسبا مختلفة من الاحمر والاخضر والازرق ..
بالرغم من قدرة العين على تحسس هذا المدى الواسع من الالوان الا ان الكثير من المواد والنظم اللونية لاتعكس الا مديات محدودة منها ... فبعضها يعكس طيفا ضيقا والاخر يعكس طيفا واسعا ومنها مابين هذا وذاك.
ويسمى طيف الانعكاس اللوني الذي تستطيع المادة ( أو النظام اللوني) عكسه او اصداره بالسلم اللوني لتلك المادة او الصبغة Gamut وهو صفة ملازمة لها.
فشاشة الحاسوب مثلا تستطيع ان تولد سلما لونيا واسعا يزيد عن قدرة صبغات ورق الكتابة الصقيل بعدة مرات .
واكثر باضعاف ذلك من الصبغات الخاصة بورق الجرائد.
كذلك فان الكثير من الالوان التجارية التي يستخدمها الفنانين في الرسم لا تعكس الا سلما قصيرا من الالوان مقارنة بطيف الالوان الذي تتحسسه عين الانسان.
وهناك نوع من الصبغات تمتلك سلما لونيا عريضا بفضل مكوناتها وتركيبها. وهذا ما يجب ان يبحث عنه الفنان عند شرائه لالوان الرسم.
ويجب الاشارة هنا الى عدم وجود أي نظام لوني يستطيع عكس او توليد جميع الالوان التي تتحسسها عين الانسان.
والانسان بفطرته ينسجم مع المشهد واسع الطيف لان ذلك يساعده اكثر على فهم ما يخبئه ذلك المشهد من مدلولات يحتاجها لاتخاذ رد فعل صحيح وسريع ومؤثر.
ولهذا فاننا ننسجم بصريا مع الوان شاشة الحاسوب او التلفزيون اكثر من الاصباغ المطبوعة على ورق الجرائد لان الوان الجمع بشكل عام ( الوان الشاشة منها) تتميز بسلم اعرض من سلم الوان الطرح (الصبغات) كذلك فاننا نسجم مع الالوان تحت الشمس افضل من تلك الواقعة في الظل لان الشمس توسع حدود السلم اللوني لان اشعتها تحتوي كامل الوان الطيف المرئي..
كذلك فان السلم اللوني لصبغات ورق التصوير الفوتوغرافي اوسع بكثير من الصبغات المطبوعة على ورق الكتب.
ففي اللوحة مثلا يتأثر النظام اللوني بنوع الصبغات اللونية ونوع سطح الرسم كان يكون قماش او روق صقيل او غير صقيل لماع او غير لماع .. بالاضافة الى نوع المادة المستخدمة في عملية المزج ونوع الضوء المسلط على اللوحة عند عملية التقييم.
كلها عوامل تساهم في صناعة نظام لوني خاص يساهم في تحديد عرض السلم اللوني للصبغات ومن هنا جاء تعريف هذا المصطلح التشكيلي.
وقد تقوم بعض الشركات المصنعة لتلك الصبغات او الالوان بتثبيت حدود السلم اللوني لمنتجاتها كاحد الميزات المهمة التي يسعى اليها المستفيد. كالالوان الزيتية الجيدة وشاشات الحاسوب والتلفزيونات الفاخرة وورق التصوير الفوتوغرافي وبعض الافلام السالبة.
ومما تجدر الاشارة اليه بان الالوان التي كان يصنعها او يحضرها الفنانين المشهورين على مدى تاريخ الفن كانت تمتاز بسلم لوني واسع مقارنة بالالوان التجارية التي نستخدمها حاليا. وهذا يمثل احد اسرار الزهو والتنوع البصري الكبير لالوانهم بالرغم من مرور مئات السنين على انجازها وخير مثال لنا في ذلك هي اعمال الفنان الكبير فيرمير وفان كوخ وغيرهم.
على سبيل المثال كان الفنانين في عصر النهضة يستخدمون الازرق البروسي المصنوع من حجر اللازورد المستخرج من بعض الصخور الجبلية في افغانستان وهو لون رائع له القابلية على توليد سلم لوني عريض جدا عند مزجه مع بقية الصبغات. هذا النوع من الازرقات توقف انتاجها في القرن العشرين تقريبا لارتفاع ثمنه الذي يناهز سعر الذهب وتم الاستعاضة عنه بازرق صناعي يحضر كيمياويا وبسلم لوني يقل كثيرا عن السلم اللوني لازرق اللازورد.
وكلنا يتذكر لوحة سيدة القانون ( اَلة موسيقية وترية قديمة) لفيرمير (1675 م) ولوحة الفتى الازرق لجينز بورو (1770م) حيث يمثل الازرق البروسي المصنوع من صخور اللازورد الغالية الثمن اللون السائد في بدلة السيدة في الاولى والفتى في الثانية.
اما بيكاسو فقد استخدم الازرق البروسي في رسم لوحته الفتى والغليون (1905م) مستلهما ما بدأه توماس كينز بورو في لوحته التي ذكرناها.
والحقيقة ان مثالنا حول الازرق البروسي ينسحب على بقية الصبغات والاضوية الملونة بضمنها الابيض.
بالاضافة الى اهمية نوع الالوان او مصدرها فان سلم اللون يمكن توسيعه ايضا بالاعتماد على بعض الظواهر البصرية التي يسلكها الضوء الملون المنعكس عن الصبغة والتي قد يعتمدها الفنان في رسم لوحته.. أهمها ظاهرة المزج البصري والتضاد الاني والتي سنعود الى كشف اسرارها وكيفية استغلالها من قبل الكثير من الرسامين على مدى تاريخ الفن الطويل للوصول الى اعمال غاية في الروعة والابداع.
تعليقات
إرسال تعليق