ميسي‭ ‬يسلم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفيسبوك‭..‬ / عز الدين ميهوبي الشروق

ميسي‭ ‬يسلم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفيسبوك‭..‬
2012.01.04



عزالدين‭ ‬ميهوبي



لم يتردد الرئيس التونسي منصف المرزوقي في دعوة الساسة الفرنسيين إلى التخلّي عن هاجس الخوف من الاسلام، وجعل ذلك ورقة في معاركهم الانتخابية القادمة.. وينطلق المرزوقي في هذا من موقعين، الأول بعد معايشة للواقع الفرنسي أيّام محنة المنفى، والثانية وهو يتعايش مع حركة النهضة ذات التوجه الاسلامي.. وجاء الردّ سريعا من وزير داخلية فرنسا كلود غيان الذي قال بأنّ الإسلام دينٌ متفتح ومتسامح، متجذّر في المجتمع الفرنسي، وأنّه لن يكون مجال للتجاذب السياسي في الحملة المقبلة.. وبهذا تُحفظ ملفات النقاش حول الهوية، والحجاب، والصلاة‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬أرشيف‭ ‬الإليزي‭ ‬إلى‭ ‬حين‭..‬

والسؤال الذي يطرحه الفرنسيون، هو ذاته الذي يُطرح بصيغ مختلفة في الغرب عموما، ويسعى ساسة كلّ بلد إلى التعاطي مع الظاهرة الدينية، وبدرجة أخص، الإسلام بمنهجيات مختلفة أيضا، بعضها يرمى لاحتواء الفيضان الروحي في شوارع تربّت على حريّة لا سقف لها.. وبعضها الآخر، يضعها تحت عدسات لا يغمض لها جفن، وبعضها يقول إنّ ما قالته الكاتبة الإيطالية أوريانا فلاتشي من أنّ أوروبا سيصير اسمها بعد سنوات قليلة إذا استمر المدّ الإسلامي "عُرُوبّا"، أي تكون الغلبة فيها للعرب والمسلمين الذين لن تتوقف عجلة الإنجاب عندهم.. وليس أدلّ على ذلك من أنّ قراءات استشرافية تشير إلى أنّ بلدا مثل بلجيكا سيكون مسلما في حدود عام 2050 .. وهو كلام يثير الحميّة لدى ملايين الشبان المأخوذين بخطاب يمكن تلخيصه في أنّ العالم دخل ألفية جديدة لن يخرج منها إلى ألفية أخرى إلاّ وارتدى جلبابه وأطلق لحيته ويمّم وجهه‭ ‬شطر‭ ‬القبلة‭ ‬المشرّفة‭..‬
ورغم أنّ خطابا مشابها، ينتشر لدى جماعات متطرفة، سواء يهودية أو نصرانية أو بوذية، فكلّ واحدة ترى صِدام الحضارات في انكسار شوكة الإسلام، ونهاية التاريخ في سيطرة الفكر الرأسمالي الحرّ، ولا يحرّك التنين الأصفر شهوة أتباعه ليقولوا إنّ العالم سيركع تحت أقدام كونفوشيوس.. إلاّ أنّ الأمر مختلف بالنسبة للشارع العربي والإسلامي، فهو يتصيّد أيّ خبر يتعلّق باختراق يأتي من هنا أو هناك للإسلام في المجتمع الغربي، خاصة بعد11 سبتمبر2001، والشعور بأنّ هناك مؤامرة كبرى تستهدف محمّدا ودينه وأتباعه، وأنّ حروبا مقدّسة، بدأ الإعداد لها، في صورة رسوم مسيئة، أو تهديد بتفجير الكعبة، أو حرق للقرآن في ساحات عامة، أو عرض لأفلام تصور الإسلام دينا للفتنة، أو منع للآذان وإعلاء للصوامع، أو انتقاد صوم اللاعبين أثناء المباريات، أو البكاء على رشدي الهندي، وتسليمة البنغالية، وسكينة الإيرانية، وعلاّم المصري، وعبد الرحمن الأفغاني، وضياء الهندوسية، وحبيبة الجزائرية.. وهي حالات ينفخ في رمادها الإعلام والسياسة معا لتتحول إلى قضايا أعقد من معضلة الشرق الأوسط، والنووي الإيراني، وأزمة اليورو، والربيع العربي.. فالمسألة أكبر من الحرية، وأعظم من كلّ الأسئلة.‭.‬
إنّ حالة الإبهار في إقبال النجوم الرياضية والفنية والعلمية على الإسلام، تحدث انقلابات لدى الرأي العام غربا وشرقا، وتثير حفيظة البعض وتبعث البهجة في نفوس البعض الآخر، منذ أن تحوّل محمد علي كلاي قبل حوالي نصف قرن إلى رمز وأسطورة، ومنذ رأينا فنان البالي البلجيكي بيجار يقود استعراضات عالمية، بعد أن يؤدي صلواته الخمس، ومنذ أن تحوّل المطرب الإنكليزي كات ستيفنس في ليلة إلى يوسف إسلام مطلقا لحيته ومعلنا توبته من الغناء الماجن على ردهات المسارح، وما أشيع عن إسلام مايكل جاكسون، ومنذ تخلى الملاكم مايك تايسون عن اسمه القديم في السجن إلى مليك تايسون.. ومنذ أن رأى الناس مطربة الرّاب الفرنسية القبرصية، ديامس، تطلّ على جمهورها بحجاب يغطّي شعر رأسها.. أضحى إسلام كل نجم، يشعر الناس أن كل المشاهير سيتخلون عن دياناتهم ويفتحون مساجد لهم في القارات الخمس..
وأذكر أنه أثناء مجيء مارادونا إلى مدينة جدة في عام1987 ليشارك في مباراة اعتزال النجم السعودي أمين دابو سرَتْ إشاعة مفادها أن المدلل الأرجنتيني سينطق بالشهادتين في مكة المكرمة.. ولكنه لعب التسعين دقيقة وحمل أمتعته وكثيرا من الهدايا وعاد إلى بيته دون أن ينبس‭ ‬بشيء،‭ ‬بينما‭ ‬وضع‭ ‬طاقية‭ ‬اليهود‭ ‬عندما‭ ‬زار‭ ‬حائط‭ ‬المبكى‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬فصفقوا‭ ‬له‭ ‬طويلا‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يصفقوا‭ ‬لأيّ‭ ‬لاعب‭ ‬آخر‭.. ‬
وفي السنوات الأخيرة انتشر كلامٌ واسع عن التحاق عدد من نجوم الكرة بفريق المسلمين الجدد، فبعد الليبيري جورج ويّا الذي لا يعرف إن بقي على إسلامه أم ارتدّ؟ وتحوّل المالي كانوتي رمزًا للمسلم المنضبط في الليغا الاسبانية، بعد أن دفع قيمة أرض لبناء مسجد بإشبيلية، جرى حديثُ أرصفة، بعد أن نطق أنيلكا بالشهادتين، عن اهتمام كاكا وتيري هنري بالإسلام، ثم اتجهت الإشاعات إلى ليونيل ميسي الذي نسبت له بعض المواقع قوله في أفريل 2010 أنّ "من الجيد أن يكون المرء مسلما لأن شخصية الإسلام تتجسد في المسلم كما لو أنه ولد ليكون مسلما، وأمر الديانة هو حرية شخصية لا يمكن لأي أحد التدخل فيها".. ورغم إدراكنا أنّ هذا الكلام الجميل يمكن أن يصدر عن لاعب موهوب، غير مستهتر، يمارس طقوسه الدينية أمام مرأى العالم، لكنّ ميسي لم يقل كلاما كهذا.. إنّما هي هالة الإعجاب التي تجعل البعض يُلبِسُون هؤلاء النجوم عباءات الإسلام وهو لا يعدو أن تكون رغبة كامنة.. وكأنهم يستعيرون قول النبي عليه الصلاة والسلام "اللّهم أعزّ الاسلام بأحد العُمرين".. وكأن عُمَريْ هذا العصر إمّا ميسي أو كريستيانو مع الفارق في المقاربة قيمة وقامة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح