الإبداع الرومانسي في شعرية محمد الأمين سعيدي / قراءة نموذجية في * ماء لهذا القلق الرملي* / رفيق جلول
الإبداع الرومانسي في شعرية محمد الأمين سعيدي / قراءة نموذجية في * ماء لهذا القلق الرملي
*
*
رفيق جلول
يدل المفهوم اللغوي للرومانسية على المغامرة واقتحام الأخطار ومجاوزة الواقع المعاش وانطبع هذا على الأدب إذ أصبح الشاعر أو الأديب لا يكتفي بتصوير ما يراه بل يتعداه إلى عالم آخر يصنعه ويشكله بنفسه ، وظهرت الرومانسية لتكون تعبيرا صادقا عن الذاتية والوجدان والشخصية المستقلة ، ورفضها للنهج التقليدي السائد في مدرسة الأحياء الكلاسيكية ..
وتظهر الرومانسية بتوفر ملامح تؤدي لها في النص الإبداعي ، وكثير من المبدعين الجزائريين اتصلوا بهذه المدرسة في نصوصهم الشعرية والأدبية ومن بينهم الشاعر الشاب محمد الأمين سعيدي والذي تناولت مجموعته الشعرية الموسومة بـ : * ماء لهذا القلق الرّملي * التي تتجلّى فيها ملامح الإبداع الرومانسي ..
ففي قصيدته * أول المغارة * تظهر الرومانسية في المقطع التالي :
حتى لايراني النور
أو يحسبني الراءون عين الليل
إنّي أوّل القول
فلا يلتفت المعنى اتجاهي
أنا سطح غائم الوجه
وصحراء المتاه
هذا المقطع الذي يحتوي على الطبيعة والتي هي أحد أهم ملامح الإبداع الرومانسي ، فالشاعر هنا لجأ إلى الطبيعة هروبا من الواقع وناجاها وتفاعل معها بقوة ، إذ وردت في المقطع كلمة * الليل * ، * الغيم * ، و*صحراء * إذ هنا تتراءى للقارئ مدى الطبيعة التي يعيشها الشاعر في ذاته .
وحتى يكون للطبيعة نموذجا آخر نقرأ المقطع التالي من قصيدته الموسومة بـــ * ترنيمة للعطش الجنوبي * :
1/
ما ء لهذا القلق الرّملي
لا يرعد
لا يسقي فتى مثلي جنوبيّ الملامح
لا يغادر
لا يجيء
ماء ..
فهل مثلي المسيء
لكي أرى بحر الكآبة
مرسلا أمواجه نحوي
وهل مثلي سوى قمر تكسّر كالمرايا
حتّى يرى العالم في شظايا جرحه أملا يضيء
وهنا يكون وضوح كبير في الطبيعة حيث : الماء / الرمل / الرعد / البحر / القمر ... تطغى على النص لتعطي قالبا رومانطيقيا قويا ..
ومن ملامح الرومانسية في شعرية محمد الأمين سعيدي الذي يمتاز بالأصالة والتجديد والتحليق في عالم الفلسفة والعمق الوجداني حيث يظهر هذا المقطع من القصيدة السابقة
2/
من يحمل الشّمس ؟ هل سيزيف ؟ أم جسدي ؟
من يسرق النار ؟ لا نار سوى كبدي
من يستفيق وفي أعماقه وجع
تقتات منه نسور الأرض للأبد ؟
حيث استعمل الشاعر النظرية الشمسية التي رمز إليها الفلاسفة والمؤرخون بسيزيف الذي اعتبر تجسيما وتشخيصا للأمواج الهائجة ارتفاعا وانخفاضا أو لقرص الشمس الذي يطلع كل صباح من الشرق ويهوى غاربا مع بداية المساء ، أو كما اعتقد الفيلسوف الأبيقوري لوكريتوس أنه تجسيم للساسة الذين يطمحون ويسعون باستماتة إلى الكرسي والمنصب السياسي وأنهم مهزومون مغلوبون في مسعاهم بصفة دائمة مستمرة.
كما تظهر الرومانسية أيضا لظهور ذاتية الشاعر في المقطع التالي من نفس القصيدة * ترنيمة للعطش الجنوبي * :
هكذا صار قلبي جنوبا
وصرت أنا عطشا
لا يحنّ إلى ماء ذاك الشمال البعيد
هكذا أتداعى
لأولد في داخلي عطشا من جديد
وتتأكد الرومانسية أيضا حيث يمتاز تعبير الشاعر بالظلال والايحاء ولفظه حيه نابضه فيها رقة وعذوبة ومن خلال هذا المقطع :
قد ألبس الحزن
أو أمشي على الوجع
أو أستحيل هوى في أعين الدّلع
أو أصبح الشمس
أو ليلا يطول به
وقت الجوى سمر من شدّة الولع
وأخيرا أقول أن الشاعر محمد الأمين سعيدي اعتمد على الوحدة العضوية في معظم قصائده ، حيث تسوده وحدة المقاطع الشعرية لاوحدة البيت ووحدة الجو النفسي للنص كلها متناسقة مع عدة مواقف .
رفيق جلول
يوم 05/01/2012
تعليقات
إرسال تعليق