الشخصية والبطل فرق أم فرع*؟ / عبد الحفيظ بن جلولي
الشخصية والبطل فرق أم فرع؟
عبد الحفيظ بن جلولي
يدلي الدكتور الحبيب مونسي بدلوه في ما يتعلق بالشأن الثقافي، إيمانا منه بواجب المساهمة في ترقية الذوق العام عن طريق الإنتقال من التسطيح الذي يشمل كافة المجالات إلى الرؤية، الغائب الوحيد على أفق الحركة الثقافية. وفي هذا الإطار جاءت مداخلته حول التفريق بين الشخصية والبطل، كمساهمة لتحريك راكد الحركة الثقافية. لكن ليسمحلي أستاذي أن أختلف معه قليلا في هذه الجزئية،على أساس أن البطل فرع من الشخصية كما أكد هو الآخر في بداية مقاله، ذلك أن الرؤية التقنية تكشف عن مصطلح الفاعل السردي الذي حسب رأيي يفك الإشكال القائم.
تعتبر الرّواية منتج المخيال الذي يعمل على نقل الواقع إلى فضاءات الحدث المتخيّل عن طريق إوالية الفن، وبالمحصلة يتأسس عالم الواقع الواحد في مقابل عالم المتخيل المتعدد، والذي يشتمل على عناصر منها الشخصية والحدث والمكان والزمان، والتفاعل بين هذه العناصر ينتج عالم الحركة الروائي.
يفتتح الدكتور حبيب مونسي كلامه عن الفرق بين الشخصية والبطل بما يلي:
"..والناظر اليوم إلى كافة الدراسات النقدية يجد هذين المصطلحين يتبادلان المواقع من غير تحقيق ولا تدقيق. وكأن الشخصية هي البطل، وأن البطل هو الشخصية في الوقت ذاته".
إن الدراسات النقدية حينما تتجه إلى إبدال المواقع بين الشخصية والبطل، لا تقوم في ذلك بغير تحقيق ولا تدقيق، إنما تفعل ذلك اعتبارا بأن البطل فرع من الشخصية، أي خاص من عام، حيث إنها تتعامل مع عالم المتخيل الذي هو الرواية، والذي تحكمه قوانين تنتجها التجربة ويقننها الدرس النقدي، وعلى أساس أن البطل روائيا غيره في الواقع، ليس في اختلاق الشخصية وترتيب المسار المختلف، ولكن في طبيعة البطل الروائي الذي هو ورقي بامتياز قد ينفلت للناص في لحظة من اللحظات ويرسم مساره الخاص، فتبطل بذلك مقاييس العالم الواقعي التي نريد إسقاطها عليه، حيث في عالم الواقغ قد نفرّق بين الشخصية كحالة عادية وبين البطل كحالة استثنائية، لهذا نكرر مقولة لسنا في حاجة إلى شخصية عادية ولكننا في حاجة إلى بطل، ولعل غياب مثل هذه الرؤى مرده إلى تقاعس الروائي العربي على منح نفسه استراحة الكاتب ليدلي بدلوه في ترتيب عناصر تجربته وتقديمها للمتلقي كثقافة من جهة، وحتى يستضيء بها النقد من جهة أخرى، كما فعل الرّوائي التشيكي ميلان كونديرا في ثلاثيته حول الرّواية: "فن الرواية، الوصايا المغدورة والستار"، حيث يقدم تنظيرات من داخل العملية الإبداعية، متكئا على مقولات فلسفية وتاريخية.
إن الشخصية في الرواية تعتمد اعتمادا كليا على الدور الذي تلعبه أثناء تداعيات الحدث واشتغال المتغيرات الطارئة، التي لا يمكن أن يحيط بها الروائي، فتداهمه منشئة مسارها الخاص، فلا يمكن التخطيط لكافة التفاصيل كما يرى الروائي المغربي بهاء الطود، ومن هذه الجزئية يتفرع الحدث الذي هو منجز الشخصية ومدار وظيفتها في العمل الروائي، حيث تختلف الأدوار والوظائف وبالتالي تختلف طبيعة الشخوص وتتوزع داخل العمل الروائي، ومن ثم تظهر صورة البطل.
فهل هناك اختلاف بين البطل والشخصية؟
يقول الدكتور حبيب مونسي:
"..بل قد تتسع الشخصية لتشمل الحيوان والجماد في بعض الأعمال، ولكن "البطل" "مهمة" وليس "دورا" لذلك يصح لنا الآن أن نعتبر الشخصية مصطلح يغطي "الأدوار" التي تكون في القصة والفيلم والمسرحية. سواء اتجه الدور اتجاها إيجابيا فوافق الأعراف والقيم، أو سلبيا فخالفها وانتهك حرمتها. وليس للبطل في الدور إلا أن يتجه الوجهة التي ترتضيها القيم ويحتفل بها العرف وتزكيها الأخلاق. ".
يذهب الدكتور حبيب مونسي إلى الرأي القائل بالتفرقة بين البطل والشخصية، معتمدا في ذلك على التفرقة بين المهمة والدور، ويفهم من السياق أفضلية المهمة التي هي من خصائص البطل على الدور الذي هو من خصائص الشخصية، لكنه يحيل البطل على الدور، "وليس للبطل في الدور.."، حين يحدد مجال حركته. وتحديد الخصائص على هذه الشاكلة يتناقض مع العالم الروائي المتخيّل، الذي ينفلت من التّحديد، لسعة الخيال، فقد يبنى الكاتب للشخصية دورا، ما يلبث أن يتغير كلية وذلك لتعدد مسارات الرواية وتشعب مناطق الحدث، إلا أن الشخصية على العموم تتحدد بثلاثة أبعاد، البعد الخارجي والبعد الداخلي والبعد الإجتماعي، وتحدّد هذه الأبعاد معيارية إنتاج الشخصية حسب الخصوصيات الوجودية والثقافية التي تشكل شخصية الناص.
نتكلم تقنيا داخل العمل الروائي الذي هو منتج تخييلي على الوحدات السردية، التي تعتبر محمول الوظائف المتعلقة بأعمال أو وظائف الشخصيات، والعلامات أو الحالات (نفسية)، فالوظائف السردية تنبثق داخل الرواية عن حركة الفاعل أو العامل السردي، الذي يمثل الشخصية من حيث طبيعته، والشخصية من حيث وظيفتها تنقسم إلى الشخصية الرئيسة والشخصية الموازية أو الثانوية.
والبطل بموقعه البارز والمتقدم في العمل الروائي يُعرّف في مجال الفاعل الرئيس، لكنّه يبقى شخصية من شخوص الرّواية، حيث لا يتوفر المعيار الذي نميز به البطل عن الشخصية، كون البطل شخصية بالطبيعة، والتحليل البنيوي لا يعرّف الشخصية باعتبارها جوهرا نفسيا أو كائنا بل باعتبارها مشارك participant، أو عون agent، وهنا مكمن التماسك في الشخصية، حيث تمنحنا البنيوية ذلك الأفق الذي نحدد من خلاله طبيعة الشخصية من حيث كونها مشاركة أو ما اصطلحنا عليه سابقا بالرئيسة، أو كونها مساعدة أي ثانوية، ولا تؤسس البنيوية خارج الشخصية فتعزلها عن البطل، لأنّ التمييز يخضع لمعيار الطبيعة الذي تتحدد به صورة البطل داخل بنية الشخصية.
فيما يتعلق بما ذهب إليه الدكتور حبيب مونسي من فرق بين المهمة والدور، فإن ذلك من وجهة نظري لا يتفق وعملية التفريق بين الشخصية والبطل، بقدر ما يتعلق بعملية التفريق بين العمل والنشاط، فالمهمة لا تحدد عمل البطل في مقابل دور الشخصية، ولكن المهمة أضيق في المعنى من حيث إنها تتعلق بجزء محدّد من العمل المحدّد، فهي تدخل ضمن إطار العمل، لذلك نقول مهمة عمل، أي إنها محددة بمضمونها وعناصرها، وهو ما قد يتوافق مع حركة الشخصية الثانوية، بينما الدور يتعلق بالنشاط الذي هو أوسع وأعم مفهوما من العمل، وبالتالي فهو يتعدد بحسب المسارات التي تتشعب بالرواية وتصب في الدور المنوط بالشخصية، لذلك فمجال حركة البطل أوسع في العمل الروائي أو القصصي، ويظهر جليا في السينما لأنه يرتبط بالمستوى البصري أو الصورة، وعليه قد أقلب معادلة الدكتور حبيب مونسي وأعلق المهمة على الشخصية الثانوية والدور على البطل.
وللتدليل على هذه القراءة في الشخصية، في ما يتعلق بالبطل، فشخصية روبن هود تتأسس كبطل في السرد الغربي، لكنها تضطر إلى أن تنتزع مال الأغنياء ورده إلى الفقراء، لترسُّخ الإعتقاد بأن المسلوب يجب أن يرد إلى من سلب منه، وعملية الإنتزاع تتوافق ونشاط البطل داخل المتن الروائي الذي يوسع من دوره ليكثف فضاء حركته، فالرواية مجال التفاصيل، فيصبح الإنتزاع مهمة نبيلة فرعية، لاسترجاع الحق ورد المسلوب إلى من سلب منه، ومفهوم المهمة بطبيعته ضيقا كما بينا سابقا يتوافق اندراجه داخل مفهوم الدور الواسع.
وكذلك في التاريخ العربي، حينما نحوّل حياة عروة بن الورد إلى عمل روائي أو سينمائي، فعروة شاعر لكنّه صعلوك، وهو ما لا يتوافق ومعيارية البطل حسب الرؤية التي تحدد سلفا مجال حركته، لأن صعلوكية عروة تندرج في إطار المهمة التي تؤدَّى ضمن الدور الواسع المتعلق باسترداد حق المحرومين ممن سلبوه منهم، وعليه فتشعب الحدث قد يلحق بشخصية البطل مهمات تتناقض ومفهوم البطل الحقيقي لكنها تتمة لجوهرية الدور المنوط بالشخوص في تحريك مسار السرد.
أرجو من الدكتور حبيب أن يتقبل مني هذه المشاكسة، مع ما نكنه له من تقدير واحترام
ــــــــــــــــ.
http://mohamed-boukerch.blogspot.com/2012/01/blog-post_25.html
تعليقات
إرسال تعليق