في قضايا الفن العربي المعاصر "بينالي تونس للفن العربي المعاصر 11 ديسمبر 2013"
في قضايا الفن العربي المعاصر"بينالي تونس للفن العربي المعاصر 11 ديسمبر 2013"
لقد خطت تونس على مستوى قطاع الفنون التشكيلية خطوة هامة في تاريخها, وذلك يوم 11 ديسمبر 2013 باحتضانها تظاهرة أول بيانالي للفن العربي المعاصر, وذلك بالشراكة بين وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين, حيث ضمت العديد من البلدان العربية و هي مصر, الجزائر, اليمن, السودان, الأردن, عمان, سوريا, ليبيا, المغرب, موريطانيا, قطر, السعودية, فلسطين و العراق. بما يقدر بتسعون فنان تونسي وعشرون فناناً من العالم العربي, حيث اختلفت أعمالهم الفنية و الابداعية من نحت ورسم وتنصيبة وخزف و غيرها , وكان ذلك بالمركز الدولي للثقافة و الفنون (قصر العبدلية) بالمرسى و متحف مدينة تونس (قصر خير الدين) بتونس العاصمة من 11 الى 31 ديسمبر.
وقد ضم هذا البيانالي في برنامجه معارض و منابر حوارية, زيارات لبعض المتاحف و غيرها, وذلك في اطار التبادل الثقافي و اتاحة الفرصة لكل فنان عربي أن يقدم لمحة تاريخية عن الفن أو مسيرة تطور الفن في بلده و القضايا التي يمر بها, و لهذا سيكون تركيزي أكثر على المنابر الحوارية و أهم النقاط التي جاءت فيها
"الأفريكا" بحتضن المنابر الحوارية للبينالي..
لقد منح هذا البينالي الفرصة الأولى للمبدعين التشكيليين التونسيين من فنانين وطلبة التعمق أكثر والتعرف على القضايا و التجارب الفنية لمختلف البلدان العربية وكان ذلك من خلال إقامة منابر حوارية بنزل "الأفريكا" ضمت العديد من الفنانين الذين قاموا بعديد من المداخلات للتعريف بقظايا الفن في بلدانهم و ذلك أيام 13 و 14 من شهر ديسمبر, نذكر منهم الشاعر التشكيلي والناقد محمد مهدي حميدة (حول التجربة الاماراتية), الحبيب بيدة من تونس, أمل نصر من مصر, امنة النصيري من اليمن, إسماعيل الرفاعي من سوريا, غازي انعيم من الاردن, مراد عبد اللاوي من الجزائر, وأحمد جريد من المغرب و غيرهم من الفنانين العرب الذين حضروا دون مداخلات نذكر منهم محمد عبدالله العتيبي من السودان, أمنتا سو من مورتانيا, محمود جادالله من فلسطين, علي العبان من لبييا و غيرهم.
وقد طرحت هذه المنابر الحوارية عديد الاشكاليات والمفاهيم التي مازلنا نتسأل حولها والتي تمثل نقاط طرح واختلاف في الساحة الفنية ككل, نذكر من بينها مفهومي الهوية والعالمية و هي من أهم النقاط التي نواجهها في الفنون التشكيلية و التي غالبا ما تطرحها قضايا الفن المعاصر.
هذه التسائلات طرحت و تم الاجابة عنها في عديد من المداخلات و كان أولها مداخلة الفنان التونسي "الحبيب بيدة" الذي تحدث عن التجربة الفنية التونسية من خلال مفهوم الهوية و ذلك منذ الفترة الاستعمارية مع يحيى التركي, عمار فرحات, زبير التركي, عبد العزيز القرجي وصولا الى نجيب بالخوجة و الحبيب شبيل و فوزي الشتيوي, حيث ارتبط مفهوم الهوية في تلك الفترة بنقل مشاهد من الواقع التونسي وكان هذا المفهوم في علاقة بما نشاهده في المدينة التونسية تحولت اثر ذلك إلى التجريد لتصبح في شكل حروف عربية و اصبح مفهوم الهوية لا يقتصر على نقل صورة واقعية فقط انما معناها أصبح أشمل بكثير من ذلك.
أما المداخلة الثانية وهي مع الفنانة المصرية "أمل نصر" التي تحدثت عن التجربة الفنية المصرية وقضيتها, حيث طرحت أمل نصر مسألة الهوية في مداخلتها بطريقة غير مباشرة وذلك بحديثها عن التجربة الفنية المصرية التي تعود أصولها إلى العهد الفرعوني والتي تزخر بمرجعية تاريخية تؤكد وتبرز فيها الهوية المصرية, و ذلك من خلال الاستلهام من الفن المصري القديم و تواصله الى حد الآن, وذلك بإحداث لمسة لها علاقة بالحياة حتى تبرز من خلالها الهوية المصرية, و نجد على سبيل المثال الفنان "راغب عياد" الذي اعتمد التصوير المصري القديم في نفس وطني مستخدما الطابع التأثيري (من المدرسة التأثيرية), حتى يبين و يأكد بذلك الهوية المصرية.
حيث ذكرت "أمل نصر" مسألة الهوية و الأصالة هذه في مراحل و تحدثت عن دورها و ذلك من الفن الفرعوني امتدادا الى 1980 حتى مواكبة مصر للحداثة, و ذلك بخروجهم عن الطابع الكلاسيكي القديم الى التجريد لاثبات أن الهوية و الأصالة لا ترتبط بما هو تاريخي أو موجود فقط, و انما الفن أبعد و أشمل حيث لا يمكن أن نحدده او نعطيه تعريفا, وانما ذاتية الفنان هي التي تصنع الصورة , كما جاءت "أمل نصر" بذكر ثلاث مراحل مهمة في تاريخ فن مصر التي تبحث فيه عن مفهوم الهوية, أولها الروح المصرية و هي مرحلة هامة في الستينات بحث فيها الفنانون عن الهوية المصرية في أعمالهم التشكيلية و من أهمهم ذكرت "صبري منصور" الذي يستفيد في أعماله من الكتابات المصرية القديمة. أما المرحلة الثانية و هي مرحلة القيم الانسانية ومن أهم فاعليها "أحمد نبيل", و المرحلة الثالثة و هي مرحلة التجريد و نجد من أهم فنانيها "أحمد مرسي" و "محمد سالم".
كما تطرقت "أمل نصر" الى مفهوم العولمة و انعكاساتها السلبية على الفن التشكيلي في مصر, و ذلك خلال تعلق الفنون و تأثرها بالاقتصاد و هذا التحول الاقتصادي غلب الطابع الفني مما ساهم في عدم تطوره.
و من الجانب اليمني تحدثت الفنانة "آمنة النصيري" عن التجربة الفنية اليمنية التي يغلب عليها الطابع العولمي وذلك بمدى تأثر الفنون التشكيلية في اليمن بالجانب الاقتصادي حيث أصبح الفن في اليمن يخصص الى السوق, وفي هذا ترى الفنانة آمنة النصيري بعدا اجابيا للتجربة الفنية اليمنية خاصة و أن هذه الأخيرة و على حد قولها "لا تزال تمثل تجربة شابة مقارنة بالفنون التي توهجت في تجارب أخرى, وهي تجربة وجيزة جدا مقارنة بالأخريات", و لكن بفضل العولمة رأت أمل النصيري أن النسق التاريخي للفن في اليمن نشأ بسرعة و شهد انقلابات سريعة في أساليب الفنانين مما ساهمت هذه الأخيرة في انفتاح الفنانين اليمنيين على أنماط و تصورات جديدة للفن, و من هنا فان العولمة ساهمت في تطور الفن التشكيلي اليمني رغم الصعوبات و وجازة التجربة التشكيلية ككل.
و في مداخلة للفنان الجزائري "مراد عبد اللاوي" و الذي يعتبر من الفنانين الثائرين على الكلاسيكية التشكيلية و النمط النخبوي للفن التشكيلي و هو ما نشهده في أعماله ككل فهو دائم البحث عن أنماط و طرق ابداعية جديدة, فهو يرى أن الفن التشكيلي الجزائري صار يتخلص شيء فشيء من النخبوية القاتلة للطاقات و الابداعات المعاصرة لعديد الفنانين من الجيل الجديد, نذكر من بينهم الفنان التشكيلي "عزيز عياشين" الذي شارك بدوره في البيانالي و هم فنانون جزائريون منفتحون على التجديد و المعاصرة يحملون أفكار تناقض التشبث بالهوية و الوقوف عندها و انما الانطلاق منها و الاضافة لها و تطويرها.
و في تعريفه للهوية يقول "سوف أحدثك عن الهوية بنظرة معمقة ومعاصرة وانت تعمل بجدية سوف تكون لك او يكون لك اسم في الوسط الفني والسبب في ذالك انك ارتقيت الى مرتبة المعرفة بالشيء اي بالنشاط الذي تمارسه ومكتسباتك ترغمه على التعبير بصدق وانت في الأصل أصيل في تعبيرك وهويتك" كما يشير الى أن "العمل الفني اصله لغة عالمية " و لهذا لا يجب أن يقترن الفن التشكيلي بهوية واحدة و نمط كلاسيكي واحد و انما المعاصرة و البحث الدائم و التطوير تجعل من العمل التشكيلي لغة عالمية قابلة لتكون شكل من أشكال التواصل مع أي متلقي في أي مكان من العالم مهما اختلفت اللغات و الثقافات.
و من بين التجارب التي راهنت على العالمية التجربة الاماراتية التي عرفنا بحيثياتها الناقد و الشاعر التشكيلي "محمد مهدي حميدة" في مداخلته التي كانت شيقة و مثرية, فقد انطلق بشرح دعائم المشهد التشكيلي الايماراتي و أسسه التي ساهمت في تنمية و تطوير و اقامة نوع من التفاعل بين هذا المشهد التشكيلي و بين ما يحيط به من مشاهد تشكيلية عربية و عالمية متنوعة على كل الأصعدة, و من بين هذه الأسس ابتدأ بذكر انشاء مجموعة من أبناء الدولة و تهيئتهم لدراسة الفن بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة, من بينهم "عبد الرحيم سالم", "عبيد سرور", "نجاة مكي" و "محمد يوسف", كذلك تعتبر جمعية الايمارات للفنون التشكيلية التي تأسست عام 1980 من بين هذه الأسس حيث ساهمت في اقامة معرض سنوي يضم نتاج الفنانين و الواطنين و المقيمين على أرض الايمارات.
كما تعتبر "مجموعة الخمسة" و هي التي ضمت "حسن الشريف", "حسين الشريف", "عبد الله السعدي", "محمد كاظم" و "محمد أحمد ابراهيم" وهي من بين أهم الأسس التي قامت عليها التجربة التشكيلية الايماراتية, حيث كانت هذه المجموعة قوة حقيقية لارتقاء الفن الايماراتي الى مرحلة بحثية تبتعد عن كل ماهو سائد, كما سعت الى تقديم أعمال على غير المألوف و العادة و هي أعمال لم يعتد عليها الذوق العام, كما أن هذه المجموعة أثرت في العديد من الفنانين اللاحقين الايماراتيين من أجيال تالية ذكر من بينهم الناقد محمد مهدي "خليل عبد الواحد", "ابتسام عبد العزيز", "كريمة الشوملي", "ناصر نصر الله" و غيرهم و الذين عرفوا المستويين المحلي و الدولي.
كما أن تواجد طاقات فنية عربية و أجنبية في الايمارات أثر بشكل ايجابي في دفع الحراك التشكيلي و ذلك عن طريق تبادل الخبرات الفنية و الولوج الى ثقافات أخرى لاكتشافها و لاقامة حوار بصري ثقافي لتأسيس حركة تشكيلية تتجاوز البدايات في الخليج و العالم العربي و ما زاد تدعيم ذلك انطلاق مجموعة من التضاهرات الفنية الشهيرة ومن أهمها ذكر محمد مهدي حميدة بيانالي الشارقة للفنون, دبي آرت, أبو ضبي آرت و غيرهم و افتتاح العديد من قاعات العرض التشكيلية الخاصة و بالتالي توافد المتلقي و متذوقي الفنون على انتقاء الأعمال و هو ما خلق سوق فنية و حالة فنية صحية بامتياز كما قال "محمد مهدي حميدة".
لقد عرفت هذه المنابر الحوارية عديد المداخلات و النقاشات التي و ان كان لها دور فهو تعميم المعرفة و تعريف المسيرات الفنية لمختلف البلدان, فهذه الأخيرة كانت ذو فائدة حيث أضافت للحاضرين و أتاحت الفرصة للحوار المباشر و طرح الأسئلة مباشرة على الفنانين و الدخول معهم في نقاشات.
من هنا فان هذا البيانالي و في سابقة له قد جمع عديد الفنانين العرب من دول مختلفة ليلتقوا في دائرة نقاش حول قضايا في الظاهر تختلف حيثيات طرحها من بلد لآخر و في الباطن تبقى قضايا الفن المعاصر هاجس كل فنان يبحث عن التجديد و المعاصرة.
بقلم الباحث يسري البحريني
مرحلة دكتوراه, علوم الفن و تطبيقاته
تعليقات
إرسال تعليق