" تجول " فعل فني معاصر قوامه الترحال / محمد فارس تونس
" تجول " فعل فني معاصر قوامه الترحال / محمد فارس تونس
تعكس الممارسة الفنية المعاصرة الميل للمغامرة و التجريب، ما يجعلها رحلة استكشافية هي بالأحرى مسار يسلكه الفنان في زمن و فضاء محددين. رحيل و ترحال جمعتهما الفنانة "أحلام محجوب" في عملها الموسوم "تجول" Errance ، تتغير معالمه من مكان لآخر فتحول العمل الفني إلى فعل استكشافي.
تحمل أحلام محجوب صورا فوتوغرافية مطبوعة على ورق لرجل يتأبّط حقيبة، و تتنقل بها من مكان لآخر فتكون قراءات عدة تتوالد باستمرار كلما ألصقتها في الأزقة على الجدران و على أبواب المنازل. فعلها الفني قائم على تجوال و ترحال لصورة جامدة جعلت الفنانة من جسدها امتدادا لها حتى تعانق الفضاءات العامة.
العمل الفني لأحلام محجوب هو تجريب للواقع فيبني وجوده من خلال النسيج الاجتماعي و الاحتكاك بالحياة اليومية فيكون تساؤلا عن الشكل الكلاسيكي للتمثيل في اختيارها للفوتوغرافيا كوسيط تقني بما يعنيه من تمثيل للواقع. و لكنها تغرس هذه الصور الفوتوغرافية في الفضاءات الواقعية لتكسبها حياة جديدة بين المارة في الازقة و الاحياء الشعبية كما فعلت في "المدينة العربي" بالمهدية في 08 مارس 2014، فتربط صورة المرتحل بالفضاء الذي تختاره له سكنا و تبني له علاقات اجتماعية و تنقله من فضاء التمثيل إلى فضاء الحضور، و تحول الفضاء العام إلى فضاء فني تتغير صورته بحضور العمل الفني الذي يسكنه.
العمل الفني هو فعل حميمي ذاتي ربطته أحلام محجوب بما هو جماعي و جعلته في حوار مع ما يحيط به بغية نسج علاقات انسانية مع شخصية تمثيلية انتصبت على الجدران لتعايش حياة المدينة تاركة أثرا في الذاكرة الفردية و الجمعية لمتلقيها .
يحرك المكان الذاكرة و ذاكرة المكان هي ذاكرة أهله و الشخوص التي مرت به، و لكن هناك أمكنة نمر بها مرور العابر الذي ينظر فقط لنهاية طريقه دون تمعن و تدبر لذلك فان هذا المتجول يستوقفنا للمثول أمامه بنظرة جبهية يكون فيها مدبرا حاملا حقيبته فنصطف وراءه لتبدأ الرحلة في أزقة المدينة و الأحياء السكنية.
تمر أحلام محجوب بالفضاءات التي تجمع الناس مستكشفة سبلا جديدة للتدخل الفني،و تضع هذه الفضاءات تحت سلطة تساؤلها و تخميناتها ليكون فعلها الفني نابعا من الحراك الاجتماعي فتربط الذاتي بالجماعي و الحميمي بالعمومي و تنسج حوارا بين العمل الفني و محيطه بانتصاب فنها في مراكز ازدحام المدينة . بذلك تكون الفنانة قد أنزلت الفن من عليائه لتؤكد ان الفن المعاصر هو فن اجتماعي بالأساس.
لم يقتصر الاشتغال الفني لأحلام محجوب على الفضاءات العامة و انما تجاوز ذلك ليزور المتجول الفضاءات الداخلية للمدينة وفي هذه المرة حط الرحال في زاوية "سيدي عبد السلام" وهو مقام لولي يطل على شاطئ المهدية، فنصبت عملها في واجهة القبر. هذا هو الإخراج الفني الذي اختارته للرجل المرتحل، الذي لم يعد في هيأة المدبر وإنما صار في الواجهة منتصبا في وضعيات عدة. تدخل المقام من بابه الرئيسي فتقابلك غرفة الضريح على ثلاث مستويات متلاحقة . يمثل المستوى الأول مدخل الغرفة و قد زين بأقواس ثلاثة زخرفت بأشكال نباتية بارزة و على عتبته مربع أبيض شكلته مادة الملح، أما المستوى الثاني فهو ضريح "سيدي عبد السلام" مغلف برخام أبيض ، و اخيرا المستوى الثالث الذي مثلته ثماني صور فوتوغرافية علقت على الجدار المقابل على مستوى عيني المتلقي . من هذه الصور أربعة في الأعلى علقت في نفس المستوى يظهر فيها "الرجل المتجول" واقفا متأبطا الحقيبة و أربعة صور مربعة الشكل في المستوى السفلي بدا فيها هذا الشخص محصورا في حجم هندسي هو أقرب للمكعب.
مقام "سيدي عبد السلام" بالمهدية هو مكان له ذاكرته الجمعية و قد أكسبه المجتمع هالة قدسية فأقام له طقوسا دينية في زمن ليس ببعيد و لعل فعل أحلام محجوب الفني قد أدخل على هذا الفضاء ما هو غريب و متعارض مع قدسيته و فيه إبطال لمفعول المقدس. مقام "سيدي عبد السلام" هو ابتكار جماعي تميز بالتعالي عن حياة الأفراد الدنيوية و لكن العمل الفني الذي غرسته الفنانة في هذا الفضاء كان بمثابة ردم للهوة بين المقدس و المدنس، فجعلت الفنانة العلاقة بينهما مطاطية قائمة على التواصل بينهما، ليكون الفعل الفني شكلا من أشكال التصوف المرتبط بفكرة الموت و الولادة الجديدة بعده و القائم على المحو الطقوسي للجسد ،كذلك كان فعل أحلام محجوب التي جمدت الجسد وجعلته ثابتا ، حاضرا من خلال تمثيله في صور فوتوغرافية و لكنها أكسبته حياة جديدة و قدسية بوضعه قبالة الضريح لتضعنا أمام تساءل عن المقدس و المدنس بما أن فعلها هو عملية تدنيس و تقديس في آن واحد.
جعلت الفنانة الصور الفوتوغرافية امتدادا للجسد المسجى بالرخام و ربطت الصورة الذهنية للميت بالصورة التمثيلية الفوتوغرافية و بالصورة الواقعية بتواجدنا في ذلك الفضاء ، لنشهد ولادة جديدة في مواجهة الموت . يكون بذلك عملها جامعا لما هو ذاتي تجلى في اخراج فني و ما هو جماعي مرتبط بذاكرة المكان و نزعة فنية نحو مصارعة الزمن و كأنه فعل تحنيط حتى و ان اقتضى الأمر اللجوء إلى الملح كما فعل الفراعنة في تركيزهم على فكرة الخلود ، و على هذا الأساس فقد قام هذا العمل الفني على التجوال بين الصور و بين الفضاءات و ربط الواقعي بالذهني و التمثيلي ليخرج ذلك "المسافر" من جديد و يعانق جو المدينة لاستكمال رحلته متأبّطا حقيبته.
تعكس الممارسة الفنية المعاصرة الميل للمغامرة و التجريب، ما يجعلها رحلة استكشافية هي بالأحرى مسار يسلكه الفنان في زمن و فضاء محددين. رحيل و ترحال جمعتهما الفنانة "أحلام محجوب" في عملها الموسوم "تجول" Errance ، تتغير معالمه من مكان لآخر فتحول العمل الفني إلى فعل استكشافي.
تحمل أحلام محجوب صورا فوتوغرافية مطبوعة على ورق لرجل يتأبّط حقيبة، و تتنقل بها من مكان لآخر فتكون قراءات عدة تتوالد باستمرار كلما ألصقتها في الأزقة على الجدران و على أبواب المنازل. فعلها الفني قائم على تجوال و ترحال لصورة جامدة جعلت الفنانة من جسدها امتدادا لها حتى تعانق الفضاءات العامة.
العمل الفني لأحلام محجوب هو تجريب للواقع فيبني وجوده من خلال النسيج الاجتماعي و الاحتكاك بالحياة اليومية فيكون تساؤلا عن الشكل الكلاسيكي للتمثيل في اختيارها للفوتوغرافيا كوسيط تقني بما يعنيه من تمثيل للواقع. و لكنها تغرس هذه الصور الفوتوغرافية في الفضاءات الواقعية لتكسبها حياة جديدة بين المارة في الازقة و الاحياء الشعبية كما فعلت في "المدينة العربي" بالمهدية في 08 مارس 2014، فتربط صورة المرتحل بالفضاء الذي تختاره له سكنا و تبني له علاقات اجتماعية و تنقله من فضاء التمثيل إلى فضاء الحضور، و تحول الفضاء العام إلى فضاء فني تتغير صورته بحضور العمل الفني الذي يسكنه.
العمل الفني هو فعل حميمي ذاتي ربطته أحلام محجوب بما هو جماعي و جعلته في حوار مع ما يحيط به بغية نسج علاقات انسانية مع شخصية تمثيلية انتصبت على الجدران لتعايش حياة المدينة تاركة أثرا في الذاكرة الفردية و الجمعية لمتلقيها .
يحرك المكان الذاكرة و ذاكرة المكان هي ذاكرة أهله و الشخوص التي مرت به، و لكن هناك أمكنة نمر بها مرور العابر الذي ينظر فقط لنهاية طريقه دون تمعن و تدبر لذلك فان هذا المتجول يستوقفنا للمثول أمامه بنظرة جبهية يكون فيها مدبرا حاملا حقيبته فنصطف وراءه لتبدأ الرحلة في أزقة المدينة و الأحياء السكنية.
تمر أحلام محجوب بالفضاءات التي تجمع الناس مستكشفة سبلا جديدة للتدخل الفني،و تضع هذه الفضاءات تحت سلطة تساؤلها و تخميناتها ليكون فعلها الفني نابعا من الحراك الاجتماعي فتربط الذاتي بالجماعي و الحميمي بالعمومي و تنسج حوارا بين العمل الفني و محيطه بانتصاب فنها في مراكز ازدحام المدينة . بذلك تكون الفنانة قد أنزلت الفن من عليائه لتؤكد ان الفن المعاصر هو فن اجتماعي بالأساس.
لم يقتصر الاشتغال الفني لأحلام محجوب على الفضاءات العامة و انما تجاوز ذلك ليزور المتجول الفضاءات الداخلية للمدينة وفي هذه المرة حط الرحال في زاوية "سيدي عبد السلام" وهو مقام لولي يطل على شاطئ المهدية، فنصبت عملها في واجهة القبر. هذا هو الإخراج الفني الذي اختارته للرجل المرتحل، الذي لم يعد في هيأة المدبر وإنما صار في الواجهة منتصبا في وضعيات عدة. تدخل المقام من بابه الرئيسي فتقابلك غرفة الضريح على ثلاث مستويات متلاحقة . يمثل المستوى الأول مدخل الغرفة و قد زين بأقواس ثلاثة زخرفت بأشكال نباتية بارزة و على عتبته مربع أبيض شكلته مادة الملح، أما المستوى الثاني فهو ضريح "سيدي عبد السلام" مغلف برخام أبيض ، و اخيرا المستوى الثالث الذي مثلته ثماني صور فوتوغرافية علقت على الجدار المقابل على مستوى عيني المتلقي . من هذه الصور أربعة في الأعلى علقت في نفس المستوى يظهر فيها "الرجل المتجول" واقفا متأبطا الحقيبة و أربعة صور مربعة الشكل في المستوى السفلي بدا فيها هذا الشخص محصورا في حجم هندسي هو أقرب للمكعب.
مقام "سيدي عبد السلام" بالمهدية هو مكان له ذاكرته الجمعية و قد أكسبه المجتمع هالة قدسية فأقام له طقوسا دينية في زمن ليس ببعيد و لعل فعل أحلام محجوب الفني قد أدخل على هذا الفضاء ما هو غريب و متعارض مع قدسيته و فيه إبطال لمفعول المقدس. مقام "سيدي عبد السلام" هو ابتكار جماعي تميز بالتعالي عن حياة الأفراد الدنيوية و لكن العمل الفني الذي غرسته الفنانة في هذا الفضاء كان بمثابة ردم للهوة بين المقدس و المدنس، فجعلت الفنانة العلاقة بينهما مطاطية قائمة على التواصل بينهما، ليكون الفعل الفني شكلا من أشكال التصوف المرتبط بفكرة الموت و الولادة الجديدة بعده و القائم على المحو الطقوسي للجسد ،كذلك كان فعل أحلام محجوب التي جمدت الجسد وجعلته ثابتا ، حاضرا من خلال تمثيله في صور فوتوغرافية و لكنها أكسبته حياة جديدة و قدسية بوضعه قبالة الضريح لتضعنا أمام تساءل عن المقدس و المدنس بما أن فعلها هو عملية تدنيس و تقديس في آن واحد.
جعلت الفنانة الصور الفوتوغرافية امتدادا للجسد المسجى بالرخام و ربطت الصورة الذهنية للميت بالصورة التمثيلية الفوتوغرافية و بالصورة الواقعية بتواجدنا في ذلك الفضاء ، لنشهد ولادة جديدة في مواجهة الموت . يكون بذلك عملها جامعا لما هو ذاتي تجلى في اخراج فني و ما هو جماعي مرتبط بذاكرة المكان و نزعة فنية نحو مصارعة الزمن و كأنه فعل تحنيط حتى و ان اقتضى الأمر اللجوء إلى الملح كما فعل الفراعنة في تركيزهم على فكرة الخلود ، و على هذا الأساس فقد قام هذا العمل الفني على التجوال بين الصور و بين الفضاءات و ربط الواقعي بالذهني و التمثيلي ليخرج ذلك "المسافر" من جديد و يعانق جو المدينة لاستكمال رحلته متأبّطا حقيبته.
تعليقات
إرسال تعليق