أفواهٌ و قففٌ و دجاجٌ مجمّد / عبد القادر رابحي

Abdelkader Rabhi

أفواهٌ و قففٌ و دجاجٌ مجمّد

1-
ليتني كنت بجواركْ..
لحظة الوداعْ..
ليتني بكيت بكاء الواقفين معك ْ..
حين سقوطك الحرّ من ناطحة الحلم الكاذب..
ليتني ذرفت دموع التماسيح..
و أجدت في الاستعارة..
2-
حريقُ الباقةِ الثالثُ.. المنصوبُ فوق أشرعة اليتم.. موكولٌ للريح..كلما مرت به العربات الحمراء.. و تثاقلت من حوله أسئلة الحيرة..و ارتواءات اللحظة المصلوبة في باب الانتظارات.. من يحمل الإبر المخروقة.. يتصيد الوخز النائم في سلاف الموائد العامرة بما يحلم النص من جراحات..هل لك أن تترصد الينابيع في قمم الضفاف الميتة..هل لك أن تستقيل من الصبر .. و تؤدي نشيد الوداع الأخير في متاهات الرأفة.. عيبّ عليك .. أيها الواثق من قفّازاته المملوءة بريش الطيور الأليفة..عيبّ عليك .. و أنت تبني قصورا من الاستفزازات على مرأى من الوقت المتعب و المسافات الصمّاء.. صُبّ الزيت على النار .. و تفرج على الصنيع الأسود في حلبة الأوجاع الهائجة..
3-
عادة ما تسقط الستائر بعد انتهاء العرض..
عادة ما يخرج الجمهور المحظوظ..
دونما رغبة في العودة..
4-
يقتلني هذا الصمت المتواطئ .. تقتلني هذه الكلمات الملفوفة ببياض التأبين.. يقتلني جبروت قلوب الأصدقاء لحظة الوداع الأخير.. حيث يتمتع المحظوظون ببطاقات صالحة لحج العام القادم من دون دفع المصاريف.. كأنني أنا الموقوف على الحيلة.. أصفح عمن أشاء.. و أضع من أشاء في ثلاجة الود المفعمة بموسيقى الانتظار...
5-
لا تسأل عن الصفة الأخرى.. لا تسأل عن المسامير التي تنتصب في فراش الحذاء.. لا تسأل عن أسراب الحمام السائل و هي تغادر مشيا على الأوهام.. لا تسأل عن تعثر الطفل التائب في أول رحلة للطيران..
6-
الطرقات كلها..
تكاد تؤدي إليك..
بالأمس ..
كان الاكتظاظ من جهة المغادرة..
7-
تتسرب الأخبار من دفتر كبريائك..
كأنما سيارة ديزل معطلة في منتصف الطريق..
بين القبة و العناصر...
|8-
لا بأس أن تُبقي على خطأ أو خطأين..
في مسوّدة النص الجارف..
قد يضيف ذلك نوعا من البراءة للنص المنهوك بتضييقات الإملاء..
9-
حريٌّ بك أن تتوقف قليلا.. و تعود إلى رشدك.. حريّ بك أن تستأذن الخروج.. و تعتذر على المكوث طويلا في متفرق النص.. حيث تزدحم المواصلات.. و تتحلى قوانين السير على أرض الواقع بكثير من الصبر.. حريٌّ بك أن تعود إلى أهلك.. مُحمّلا بما أخذت.. و تُريح القادمين من عناء الانتظار و تدابير المكيدة..
10-
حافلة مستقيمة ..
و مسار أعوج..
حافلة عوجاء ..
و مسار مستقيم..
11-
ريثما تنتهي اليافطات العريضة من سد الثغرات في لحمة النص..
تكون قد ماتت بحزنها الانتظارات..
12-

أعود إليك..مثقلا بالديون.. و رائحة التبغ الأصفر.. لا سرّ في ربطة العنق الحمراء.. و لا تفاسير في هامش الكلأ المهزوم..أملي الوحيد.. ما يوفره الجرح النازف من مأدبة أوجاع..قد أتأخر قليلا.. لكنني متأكد من أنني سأعود إليك.. كما يوم أن خرجت من بابك المشرع..قبل أربعين سنة.. مثقلا بالديون.. و رائحة التبغ الأصفر..
13-
كرسيان ..
و طاولة..
و دخان داكن..
يتجول في الرئتين..
و يخرج من أنف الرجل الموعود بغد أفضل..
14-
من أنت حتى تخترق جدار الصمت.. و تزرع في جسد الوطن الهزيل رطلا من اللحم المشبع بالأكاذيب كالإسفنجة الخرقاء..
15-
اعصر ْ ما تشاء.. فالغيمة لا زالت حبلى بإيقاعات الأناشيد الرسمية..
قد ترتوي غدا..
أو بعد غد..
16-
قد تستعيد النهر الهارب فيك .. و تستعيد لباقتك المعهودة.. و قد تحقق بعض الفتوحات.. على حساب السيدة المتعبة.. في بضع ثوانٍ.. و تعود كما كنت مغرورا بتصاوير الرغبة.. و تسويف الإجابات ..و على مرأى من الجميع.. قد تستعيد تلك النظّارة .. كما توارثتها من غرور المواثيق..و تحيّي الواقفين على جانبي الطريق منذ خمسين سنة...
17-
مٌغيّبٌ أنت من صميم المعادلة..
فلا تبحث في عوالم المجاهيل عن رائحة التفاح الفاسد..
ربما كان الوطن أكذوبة رعناء ..
تتناساك في لحظة القسمة..
18-
ضجيج .. و توابل ..و عرقٌ أسود..
كلما تنهدت المحرّكات..
ازداد الأفق اختناقا..
و اتسعت رئتا الصرف الصحي ..
في بورصة المزايدات..
19-
عادة ما يتوقف ساعي الكنايات عند الباب الموصد.. ليسجل حضوره الغارب على ورقة البريد المضمون.. و يعود قافلا..عادة ما أتذكر هذا الطفل الشارد.. و أنا على وشك الجلوس على مائدة الإفطار.. عادة ما تنتابني موجة حلم باستواء التفاحة و السيف في يد الطائر الأعمى.. في غفلة من الانزلاقات التي لا تتحملها العناوين الكبرى في جرائد الصباح الكاذبة..عادة ما أعود إلى رشدي كأن شيئا لم يكن في ساحة الشهداء ..حيث ينام الطفل الشارد على الورق المقوى.. و يحتمي بضجيج الدبابات من عصافير الكابوس المزعج ..و هي تغني له أغنية الحضن الدافئ...و أناشيد آخر السنة..

20-
ها هي الخريطة أمامك..
اقطع ما تشاء ..
و اكتبها بأسماء زوجات أحفادك..
21-
مات الميت.. و تفرق المعزّون .. و لم يبق على امتداد الأفق غير هذا الصمت الغامر يرتب أثقاله لصقيع اليوم القادم..
22-
لست على دراية بالسر..
كل ما أعرف..مجرد أدلة..
لا ترقى إليها الشك..
23-
لا شماتة في البياض.. و لا ادعاء في دفق الحبر النازف..
24-
ما عساهم يقولون فيك
و وقتك تفاحة ٌ
من رخام المرايا الحزين..
25-
في حضن أبيك..
أو في قاع الجب..
أو في سجن القصر المائل..
ثمة رجل لا يتغير.. هو أنت..

26-

كيف أخشاك..
و أنت تحبني..
كيف أنكر جميلك..
و أنت تُسيّج أحلامي بفيوضات الكناية..

2010-09-02

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح