أضغاث أحلام و احتفاء بالجسد بحوث توفيق الفرجاوي الخطية / محمد الفارس باحث في الفنون التشكيلية من تونس
أضغاث أحلام و احتفاء بالجسد بحوث توفيق الفرجاوي الخطية
محمد الفارس باحث في الفنون التشكيلية من تونس
آه با مختبئا في قشرة العالم
يا منكشفا بين الضلوع
أنت تأتي شبحا يلبس من ماء المرايا
جسدا تخطو إلى الساحة ما بين الشهود
كلما نقلت أقدامك فرت في الزوايا
صورة العالم و انشق القناع
هكذا اختار محمد عفيفي مطر التعبير عن الجسد-الذات الذي يثبت وجوده و ماهيته من خلال فعله داخل العالم و بوصفه صيغة لوجود " الأنا". ذاك الجسد الذي رصد حضوره الشعراء كما الفنانون التشكيليون حينا بوصفه شيئا يحرك ما حوله وحينا بوصفه مفردة دالة على وجود الذات، فكان حضوره بصيغ مباشرة و غير مباشرة كموضوع يحمل مقوماته الدلالية الخاصة من خلال تعابيره. و ان الجسد كان و لا يزال موضوعا فكريا و فلسفيا و أدبيا، و أيضا موضوعا فنيا و ارتبط بالتجربة الابداعية و كان خطاب الجسد مركز الفكر الانساني و خطابا معرفيا يجمع بين الظاهر و الباطن و بين المادي و المعنوي.
اخترنا هذه المقدمة الشعرية لتقديم تجربة الفنان التشكيلي " توفيق الفرجاوي" لما رأيناه من تقارب بين رؤيته التشكيلية و رؤية "محمد عفيفي مطر" الشعرية فكليهما يحتفل بشاعرية الجسد و لكننا عند دراسة هذه التجربة فاننا لن نحلل لوحة و لا منحوتة و انما سنسلط الضوء على بحوثه الخطية التي ترتقي إلى مستوى العمل الفني التشكيلي.
على ورقة بيضاء صغيرة الحجم تبدأ رحلة القلم الأسود و بانسيابية الخط كل شيء يأخذ معناه و مكانه و قيمته. الشاغل الأوحد هو كيفية استغلال ذلك الفضاء و جعله سكنا لشخوص تنبعث فيها الروح من البياض الساكن فيكون فضاء دراميا في مشهدية يختار الفنان أبطالها و يؤثث عالمها بخربشات خطية .
عمل توفيق الفرجاوي غير مبرمج وبدون تخطيط مسبق فالقلم الأسود و أوراقه لا يفارقانه، يبدأ بالرسم بطريقة ارتجالية و كأنها أحلام يقظة فينتج رسوما و أشكالا قد لا تخطر بباله مسبقا و ما عليه إلا تأكيدها و ترسيخها على الورقة و توجيهها توجيها تقنيا لا يخلو من دراية و تمكن من رسم الجسد بحسب المقاييس و الأبعاد والمنظور ، ما يجعل العمل الفني حالة نفسية تتمظهر في مشهدية مرورا بالتخطيطات العشوائية المتمثلة في الخربشة ووصولا إلى حالة التطور التي تعطينا الشكل النهائي، فتظهر في البداية خطوط متقاطعة تبدو للناظر بلا معنى لكنها تكون البذرة الأولى لابداع فني.
تلك الخربشة لديه أو حلم اليقظة الذي يعيشه الفرجاوي تكون عبارة عن تنفيس ابداعي ناتج عن حالة قلق تولد نشاطا ذهنيا تترجمه يده التي تنسج خطوطا متراكمة تخرج منها مناطق نور و عتمة و تتجسد فيها شخوصه و أبطال روايته.
وهي نافذة مطلة على ميوله و رغباته، تطفو على سطح الورقة في شكل اسطورة ذاتية. تتوفر في غالبية رسوماته عناصر تشخيصية يجعلها في علاقات بنيوية من إخراجه دون إهمال تقاسيم الوجه لكل منها معلنة عن حالة نفسية بتعابير شتى ، فملامحها تتراوح بين التعبير عن الخوف أو الكآبة و كذلك الدهشة او الفرح و غيرها من الحالات التي يختارها لشخصياته، كما انها قد تحمل وجوها أنثوية يرسمها بعناية فائقة و يعتمد أحيانا المبالغة كما انه يعتمد الخيال ليضع شخصياته في عالم سريالي يتعدى حدود الواقع انطلاقا من خطوط انسيابية لينة و رقيقة تتقاطع لتتوالد تلك الشخصيات في أحجام مختلفة. ومن هذا المنطلق فان الرسم و البحث الخطي بالنسبة للفرجاوي يكونان لغة تعبيرية بامتياز وأكثر من أن تكون تمثيلية لما توفره له من استحضار لعوالمه المفقودة أو المأمولة ، فتتعدى الخربشة بعدها التشكيلي لتصل إلى أقصى أبعادها التعبيرية و إلى مرحلة البوح الجامعة بين الارتجال و القصدية.
محمد الفارس باحث في الفنون التشكيلية من تونس
تعليقات
إرسال تعليق