بوكرش محمد مع القراء عبر جريدة الفجر
حاورته/ فطيمة حاجي
1.شكرا لتواصلكم مع القراء عبر جريدة الفجر،ما هي أخبار الفنان التشكيلي والنحات الجزائري”محمد بوكرش”، الصحية منها خاصة إذا عرفنا أنكم خضعتم مؤخرا لعملية جراحية؟
- سعدت بسؤالكم عني وعن صحتي والشكر لله وللنبلاء منكم راجيا منه عز وجل أن يحفظنا ويحفظكم ، وللقراء كل المحبة والتقدير ، آمين يا رب العالمين…
2.كيف يمكنكم تلخيص رحلتكم الفنية والإنسانية من دار الشيوخ بالجلفة إلى تيبازة حتى سنة 2011؟
- هي رحلة عبر الزمن وجزء لا يتجزأ من تاريخ الجزائر الحافل بالمعاناة والبطولات، الحافل بالمر والحلو.. رحلة إنسانية قبل أن تكون فنية..قدر الله أن أولد بالمهجر خارج وطني بعد أن طارد الظلم والقهر جدي يوم نفي الأمير عبد القادر ورشح جدي للقتل لا لشيء سوى أنه كان من محترفي صناعة الأسلحة يومها بالزمالة عاصمة الأمير المتنقلة…هرب بجلده لتونس، ولدت هناك بالحدود التونسية الجزائرية بسيدي بورويس بمقاطعة السرس ولاية الكاف..أين بنينا ثكنات تدريب جيش جبهة التحرير الوطني قاهر الحلف الأطلسي، هذا الذي… من هناك..بدأ الخيال..بدأت الصورة تتكون أيام نعومة أظافري لوطن لا أعرف عنه أي شيء سوى ما يحكيه جدي وجدتي ونحن ننتظر العشاء حول القدر ننطر للنيران المتقدة تحته تعلو تارة وتنخفض أخرى… تتخللها أهازيج حنجرة جدتي ورنات قصبة الجد بين وصلات ما يحكياه بالتناوب ويخص ذكريات وطن مسلوب..هذا وأنا بين سن الرابع ربيع من عمري والعاشر منه… التحقت بالمدرسة في سن متأخر متعطش لمعرفة الحرف وتوظيفه بالاستعمال لقراءة الجريدة التي كان لها معزة خاصة بين أياد عزيز الأسرة بما يقرأه من أخبار تخص الثورة واندلاعها…تخص الثورات الجزائرية وروادها انطلاقا من دخول فرنسا سيدي فرج وحالات التشرد والحرمان… صور لفتت انتباهي مرافقة لظفائر الحروف المتراصة والمتراصفة.. تمثل شخصيات جزائرية عشقتها عشق الجزائر..كانت أول ما رسمت وخطه قلمي وحفرته الأيام بذاكرتي إلى كتابة هذه الحروف. دخولي المدرسة برأس الطابية بالعاصمة التونسية لفت انتباه معلمي الذي اكتشف مواهبي والرسم خاصة ما جعله يدعوني ويكلفني بالحضور يوميا قبل الوقت لأرسم لوحة الدرس قبل الثامنة ساعة دخول الصف..هي نفس المدة التي التحقت خلالها بالكشافة الجزائرية شبل بفرقة الأسد بحي باردو بالعاصمة التونسية..ما هي إلا سنة واحدة وأعلن استقلال الجزائر 1962 ، الفرحة الجنونية العارمة تحقيق حلم العودة، لن تمر بعدها ثلاثة شهور انشغل فيها الوالد رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جنانه ببترحيل الجزائرين اللاجئين إلى ولاياتهم بالجزائر بعد مرورهم بنقطة الترحيل المتواجدة بثكناتنا بالكاف.
ضاق بي الحال وطال الانتظار ونحن بنقطة الترحيل إلى درجة لا تطاق، ضايقت الوالد خلالها طالبا منه يوميا الرحيل إلى الجزائر… فما كان منه إلا الموافقة سلم فيها المهام لآخر ، ركبنا شاحنة كلها أعلام مرفرفة تاركين وراءنا تونس وعمي علي بوكرش الذي التحق بنا راجلا وقطيع ماشية وخيول جدي…بعد شهر من وصولنا برج بوعريرج وصل وابنه ابن عمي بوكرش الحبيب صديق طفولتي منافسي ومرافقي مدة الدراسة بمدرسة عين تاعروت أين كان لقائي بمعلمي لطرش العيد صاحب الفضل الكبير في تكوني الأدبي والتربوي…عن طريق النصوص والقصص المرسومة تفجرت موهبتي الحقيقية وكان معلمي الموجه والمشجع في نفس الوقت… دخلت الدراسة بالثانوي بعدها ليزيد تكويني الفني بلقائي بأستاذ الرسم المخرج السينمائي في الواقع، الأستاذ شاربونيل فرنسي بالخدمة الوطنية الفرنسية واختياره وقع على الجزائر خارج وطنه…منه تعلمت الماكياج، ديكور الخشبة، الإضاءة، ودراسة المنظور والفنون التطبيقية… وهو ألذي نصحني بالالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة قبل أن أصل تحصيل شهادة الباكالوريا…هذا ما لم يتم، تابعت الدراسة بالثانوي…والتحقت بها متأخرا بعد أن عرفت أهميتها… ليكتشفني الشاعر المرحوم عمر البرناوي مباشرة بعد تخرجي منها كنحات التي تزامنت ونيلي الجائزة الكبرى في النحت سنة 1979 وتوظيفي أستاذ نحت بنفس المدرسة ، بدعوة منه لحضور ملتقي محمد العيد آل خليفة 1982 ببسكرة بأول معرض لي هذا الذي حضره كمستشار لوزارة الثقافة بقاعة محمد راسم بالجزائر العاصمة.. حضوري بين أعلام الجزائر مرارا بدعوة منه مفتوحة بملتقى الشاعر محمد العيد آل خليفة ببسكرة (رحمة الله على من وافته المنية وأطال عمر من تبقى بالصحة والعافية) تركني أكتشف حجمي الحقيقي..لأعيد النظر الجذري في تكويني بطرح عدة أسئلة كانت السبب والدافع لأكون ما أنا عليه اليوم طالب معرفة وتلميذ دائم..
3.لما نتحدث عن الفنان محمد بوكرش نتحدث عن الفنان الشامل،النحاة الذي تطوع يداه الطين والنحاس والصلصال،الكاتب الذي يملك قلم الفنان،التشكيلي الذي يبدع لوحات فنية تنطق باسم الأصالة،والبحّار في عوالم الشبكة العنكبوتية التي وجد فيها محرابه.ولكن متى يلجأ محمد بوكرش لكل وسيلة من هذه الوسائل للتعبير عما يريد؟
- كاد الفقر أن يكون كفرا…يقولها أستاذ اليوم ويحياها ويعيشها قبل أيام فقط حالت بيننا وبين التفوق والمنافسة تشكيليا…أقول تشكيليا…لأن التشكيل الحقيقي ينتهي بعلوم التصنيع ويعانق مخابر الجامعات وورشات الابتكار كان ذلك بالتفرغ الكلي أو بالاشتراك مع نخب الطلبة الممتازين..الشيء الذي لا يراد له أن يكون لحاجات في نفس يعقوب… تأخر بالقصد… أو بغيره يجبرنا أن نكون على ما نحن عليه ، لذا كنا بوسائلنا الخاصة المحدودة بحدود احترام أسرنا واحتياجاتها لئلا نخسر الميدان رغم خسائرنا المتتالية في المعارك… قطعنا أشواط تحصيل محترمة يوم كانت احتياجات أطفالنا محدودة بسنهم وقلة طلباتهم، أما بعد دخولهم الجامعات أصبحنا نعجز عن توفير ورق الرسم والألوان لأنفسنا، فما بالكم بالخشب والنحاس والرخام و… للضرورة والحاجة أحكام … وعليه بدأت ممارسة أقل الفنون تكلفة ماديا وهي الكتابة واشكر الله على نعمة النات والانتشار بسهولة عالميا على الشبكة العنكبوتية… كتبت وأكتب وهي عملية لا تقل جمالا، قيمة ومتعة لتجسيد سد أبواب زوايا مفتوحة قد تنخر ديدانها الأهم مما تبقى وموجود بذاكرة ذواتنا وتركيبتنا… نشكر الله أيضا لوجود أمثالك هنا وهناك لنفض الغبار من حين لآخر لاسترجاع بريق عينات من نفيس ما نملك…
4.في حوارات سابقة لكم قلتم:'أحب القهوة والشاي ومدخن بشراهة..وفنان تشكيلي عند الضرورة فقط' هل لنا أن نعرف هذه الضرورة، وما هي المواضيع التي تستفزك لتخرج منها شكلا فنيا؟
- كل ما يتنافى وأساسيات التركيبة التي نشأنا بها ومن أجلها يكون استفزاز كل النبلاء منا، يفرز ردودا وتصدي بأساليب ووسائل مختلفة.. أرقاها ما هو بديل بالبيان والتبين المفحم…
5.يعتبر الفن التشكيلي وكذا النحت قناة مهمة لتسويق تاريخ وتقاليد بلد ما،كما يعد ذاكرة حية للأجيال المتعاقبة،في رأيكم هل هذا النوع من الفنون أخذ المكانة التي يستحقها في بلادنا؟
- كان بالإمكان تحقيق كل هذا إضافة لما هو متواضع لو…لو كان الجزائري المناسب في المكان المناسب، بدل مقاولين أصحاب اليد اليمنى التي تصب في اليد اليسرى..إبداع.. تبرير الفواتير المضخمة والاحتيال على أموال الدولة بكل المناسبات بالاغتيال..اغتيال غير مسبوق دون رقيب…اغتيال كل شيء جميل…
6.وهل الفن التشكيلي الجزائري الراهن له بصمته على المستوى العالمي؟
- بالتأكيد أيتها الرائعة، بذلك متميزين وعليه أسماؤنا وأعمالنا بمتاحفنا بالداخل ومتاحفهم بالخارج تشهد على ذلك ولا فضل نهائيا لمن يدعي وصاية على الثقافة من الاستقلال إلى يومنا هذا… 7.في مداخلتكم في إحدى المحاضرات التي كان ينظمها الاتحاد العام للكتاب الجزائريين،تأسفت كثيرا عن النظرة الضيقة للفنان النحاة،إذ وصفتها بعدم وجود فرق بين النحاة والبناء الخرّاط،هل تغيرت هذه النظرة؟.
- نعم لا يفرقون بين التقني المقاول والفنان المبدع واختلط الحابل بالنابل.. في غياب الاهتمام بالقطاع وتكوين مختصين…صراع من أجل البقاء والهيمنة أصبحت فيها الغلبة للرداءة وتعميمها. النظرة اليوم اتسعت لتحتوي صناع القرار بالرشوة وتشجيع من دار في فلكهم لذر الرماد بأعين أقرب الناس اليهم في عصر المنافسة والتكوين الحقيقي في عصر الاستثمار في القطاع البشري العملة التي لا تزول…أحترم البناء وأحتقر المرتزقة أصحاب معاول التهديم وهدر الإمكانيات وتشتيت القدرات.. ميزانيات ضخمة ترصد لمثل هذا ورياح النهب وتعمد سوء التسيير تهب دائما بما لا تشتهيه السفن ومن فيها، مع الأسف الشديد…؟؟؟؟؟؟
8.ما رأيكم في مختلف المعارض الفنية التي تقام بين الفينة والأخرى من الناحية الفنية وحتى مدى استجابتها للغرض الذي من المفترض وضعت من أجله؟
- سؤال وجيه في محله ووقته…من ناحية الفنانين فيه من الأعمال ما يستحق التقدير على المستوى المحلي والعالمي لكن..، من من الأوصياء على الثقافة يهمه أمر جمع الذاكرة الشعبية التشكيلية بمتاحفنا واقاماتنا الرسمية واداراتنا؟. معارض مهرجانات ملتقيات تحبك هنا وهناك فقط لتبرير فواتير صرف المال العام تنتهي بنهاية الحدث اللاحدث وهكذا دواليك.. الطريقة التي يعامل بها الفنان وخاصة التشكيلي منهم طريقة لا تبشر بوعي مستقبلي مفتوح على الوعي والنضج العالمي..العالمي المتباهي بأمجاده وأمجاد الرواد منهم بالاستثمار فيها على جميع الأصعدة…
9.حاورت العديد من الشخصيات الجزائرية في الإذاعة الثقافية، من هي الشخصية التي استوقفتك؟
- بالفعل نعم.. لكن بلا توثيق حاورت من الفنانين والشعراء الكثير مدة 8 سنوات بمعدل حصة كل أسبوع ،كان الكل بمثابة أساتذة لي مستويات متفاوتة لكن أغلبها ممتع ومفيد يستحق التقدير والثناء…لكن السؤال الجدير بالطرح والجواب عنه يؤلمني أكثر: هل احتفظت الإذاعة بالأرشيف…؟؟؟؟. نزيف مالي… تلف جهد…ذاكرة شعب مغتالة…هذه النتيجة.. ما الفائدة من ذكر أسماء والوثائق المسجلة يعاد استرجاعها استعمالها بمجرد بثها على حساب تلف الأولى…وهي الوثائق الوحيدة التي تثبت وتشهد بذلك…بغير ذلك أنا وأنت كذابين من يصدق هذا بغير الوثيقة والتوثيق..؟. للأسف هذه صورة المسؤول والرداءة بلا مساحيق بالعالم العربي والجزائر خاصة،أسباب تخلفه المقصود والعمدي السبب في تخلفنا عن كل ما هو ريادي.. 10.من خلال حواركم واحتكاككم مع هؤلاء ما هي أهم الانشغالات والهموم الفنية التي لمستها من خلالهم؟.
- نفس الانشغالات بعوامل مشتركة عدة بينهم : أين الجزائر من المساحيق والتزييف؟
الجزائر بلا ذاكرة يستحيل التقدم بها حيث ينبغي أن تكون ،الجزائر بلا أرضية وبناء حقيقي عابر للزمن ، مجرد نكتة وبقرة حلوب عمرها من عمر ما تدر به من حليب …
11.تحتضن مدينة تلمسان هذه السنة الثقافة الإسلامية،هل سيكون الفنان التشكيلي محمد بوكرش مشاركا في هذه التظاهرة؟
- سؤال يحال لمقاولين وزير وزر وزارة…(الثقافة).
12.على ذكر المدن، نود لو تخبرنا عن المدينة الجزائرية التي يعتبرها الفنان بوكرش لوحته المميزة وملهمته ومحتضنته في أفراحه وأوجاعه؟
- بصدق القول: الجزائر برمتها جمال لوحة فسيفسائية بطبيعتها، لكل لون ولاية ومدينة أثر بالغ الأهمية في بنيتها، جميلة بأهلها ومبدعيها على اختلاف العادات والتقاليد كانت، لهم وافر حبي وتقديري، لعلمكم.. بادلني المعظم بمثله والكرم والتكريمات شاهدة على ذلك … 13.في نفس السياق،عبرتم عن شعور خاص من الجزائر العاصمة ملؤه الامتعاض،لماذا تلك النظرة لعاصمة الجزائر،وهل تغير ذاك الشعور؟
- عزيزتي الامتعاض ليس من الجزائر العاصمة بقدر ما هو من أشخاص تداولت على تسيير دواليب شؤونها لكل منهم خدوش على ملامحها باقية، يزيدها كل والي موالي عمقا…
14.الفنان التشكيلي محمد بوكرش حاضر عبر الشبكة العنكبوتية، هل وجدتم فيها البديل عن القنوات الرسمية لإيصال إبداعاتكم وإسماع رأيكم والتواصل مع الآخر؟.
- عليك نور…، وضعت أصبعك على الجرح…، وبفضل نشاطي على الشبكة العنكبوتية سأكرم بالمناسبة غيابيا لأمني.. بالدرع الفني بمصر شهر جوان 2011 بمناسبة بيانالي الثورة التشكيلي الموسوم بعنوان ، تلاحم ، ويتسلمه بالنيابة عني الفنان القدير تابرحة نور الدين من سيدي عقبة بسكرة الذي يمثلنا بدعوة خاصة وبأعماله الجزائرية النخبة والمستوى التشكيلي الراقي، نتمنى له التوفيق والرجوع غانما مكرما.
15.كيف تصفون ثورة”شباب الفايسبوك”لإحداث التغيير في عديد البلدان العربية،ومن خلال تواصلكم مع الشباب الجزائري عبر الانترنت كيف ترسمون انشغالات هذا الشباب ؟
- حق لا غبار عليه في ظل التكتلات…على مقاس حق التحالف حول المشروع الرئاسي عندنا، بفارق تختلف فيه الاحتياجات بين من هو هرم ومن هو عملة الغد.
شكرا لك سيدتي والشكر موصول لجريدتكم وكامل طاقمها، كل حبي وتقديري لذوي البال الواسع من القراء…
1.شكرا لتواصلكم مع القراء عبر جريدة الفجر،ما هي أخبار الفنان التشكيلي والنحات الجزائري”محمد بوكرش”، الصحية منها خاصة إذا عرفنا أنكم خضعتم مؤخرا لعملية جراحية؟
- سعدت بسؤالكم عني وعن صحتي والشكر لله وللنبلاء منكم راجيا منه عز وجل أن يحفظنا ويحفظكم ، وللقراء كل المحبة والتقدير ، آمين يا رب العالمين…
2.كيف يمكنكم تلخيص رحلتكم الفنية والإنسانية من دار الشيوخ بالجلفة إلى تيبازة حتى سنة 2011؟
- هي رحلة عبر الزمن وجزء لا يتجزأ من تاريخ الجزائر الحافل بالمعاناة والبطولات، الحافل بالمر والحلو.. رحلة إنسانية قبل أن تكون فنية..قدر الله أن أولد بالمهجر خارج وطني بعد أن طارد الظلم والقهر جدي يوم نفي الأمير عبد القادر ورشح جدي للقتل لا لشيء سوى أنه كان من محترفي صناعة الأسلحة يومها بالزمالة عاصمة الأمير المتنقلة…هرب بجلده لتونس، ولدت هناك بالحدود التونسية الجزائرية بسيدي بورويس بمقاطعة السرس ولاية الكاف..أين بنينا ثكنات تدريب جيش جبهة التحرير الوطني قاهر الحلف الأطلسي، هذا الذي… من هناك..بدأ الخيال..بدأت الصورة تتكون أيام نعومة أظافري لوطن لا أعرف عنه أي شيء سوى ما يحكيه جدي وجدتي ونحن ننتظر العشاء حول القدر ننطر للنيران المتقدة تحته تعلو تارة وتنخفض أخرى… تتخللها أهازيج حنجرة جدتي ورنات قصبة الجد بين وصلات ما يحكياه بالتناوب ويخص ذكريات وطن مسلوب..هذا وأنا بين سن الرابع ربيع من عمري والعاشر منه… التحقت بالمدرسة في سن متأخر متعطش لمعرفة الحرف وتوظيفه بالاستعمال لقراءة الجريدة التي كان لها معزة خاصة بين أياد عزيز الأسرة بما يقرأه من أخبار تخص الثورة واندلاعها…تخص الثورات الجزائرية وروادها انطلاقا من دخول فرنسا سيدي فرج وحالات التشرد والحرمان… صور لفتت انتباهي مرافقة لظفائر الحروف المتراصة والمتراصفة.. تمثل شخصيات جزائرية عشقتها عشق الجزائر..كانت أول ما رسمت وخطه قلمي وحفرته الأيام بذاكرتي إلى كتابة هذه الحروف. دخولي المدرسة برأس الطابية بالعاصمة التونسية لفت انتباه معلمي الذي اكتشف مواهبي والرسم خاصة ما جعله يدعوني ويكلفني بالحضور يوميا قبل الوقت لأرسم لوحة الدرس قبل الثامنة ساعة دخول الصف..هي نفس المدة التي التحقت خلالها بالكشافة الجزائرية شبل بفرقة الأسد بحي باردو بالعاصمة التونسية..ما هي إلا سنة واحدة وأعلن استقلال الجزائر 1962 ، الفرحة الجنونية العارمة تحقيق حلم العودة، لن تمر بعدها ثلاثة شهور انشغل فيها الوالد رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جنانه ببترحيل الجزائرين اللاجئين إلى ولاياتهم بالجزائر بعد مرورهم بنقطة الترحيل المتواجدة بثكناتنا بالكاف.
ضاق بي الحال وطال الانتظار ونحن بنقطة الترحيل إلى درجة لا تطاق، ضايقت الوالد خلالها طالبا منه يوميا الرحيل إلى الجزائر… فما كان منه إلا الموافقة سلم فيها المهام لآخر ، ركبنا شاحنة كلها أعلام مرفرفة تاركين وراءنا تونس وعمي علي بوكرش الذي التحق بنا راجلا وقطيع ماشية وخيول جدي…بعد شهر من وصولنا برج بوعريرج وصل وابنه ابن عمي بوكرش الحبيب صديق طفولتي منافسي ومرافقي مدة الدراسة بمدرسة عين تاعروت أين كان لقائي بمعلمي لطرش العيد صاحب الفضل الكبير في تكوني الأدبي والتربوي…عن طريق النصوص والقصص المرسومة تفجرت موهبتي الحقيقية وكان معلمي الموجه والمشجع في نفس الوقت… دخلت الدراسة بالثانوي بعدها ليزيد تكويني الفني بلقائي بأستاذ الرسم المخرج السينمائي في الواقع، الأستاذ شاربونيل فرنسي بالخدمة الوطنية الفرنسية واختياره وقع على الجزائر خارج وطنه…منه تعلمت الماكياج، ديكور الخشبة، الإضاءة، ودراسة المنظور والفنون التطبيقية… وهو ألذي نصحني بالالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة قبل أن أصل تحصيل شهادة الباكالوريا…هذا ما لم يتم، تابعت الدراسة بالثانوي…والتحقت بها متأخرا بعد أن عرفت أهميتها… ليكتشفني الشاعر المرحوم عمر البرناوي مباشرة بعد تخرجي منها كنحات التي تزامنت ونيلي الجائزة الكبرى في النحت سنة 1979 وتوظيفي أستاذ نحت بنفس المدرسة ، بدعوة منه لحضور ملتقي محمد العيد آل خليفة 1982 ببسكرة بأول معرض لي هذا الذي حضره كمستشار لوزارة الثقافة بقاعة محمد راسم بالجزائر العاصمة.. حضوري بين أعلام الجزائر مرارا بدعوة منه مفتوحة بملتقى الشاعر محمد العيد آل خليفة ببسكرة (رحمة الله على من وافته المنية وأطال عمر من تبقى بالصحة والعافية) تركني أكتشف حجمي الحقيقي..لأعيد النظر الجذري في تكويني بطرح عدة أسئلة كانت السبب والدافع لأكون ما أنا عليه اليوم طالب معرفة وتلميذ دائم..
3.لما نتحدث عن الفنان محمد بوكرش نتحدث عن الفنان الشامل،النحاة الذي تطوع يداه الطين والنحاس والصلصال،الكاتب الذي يملك قلم الفنان،التشكيلي الذي يبدع لوحات فنية تنطق باسم الأصالة،والبحّار في عوالم الشبكة العنكبوتية التي وجد فيها محرابه.ولكن متى يلجأ محمد بوكرش لكل وسيلة من هذه الوسائل للتعبير عما يريد؟
- كاد الفقر أن يكون كفرا…يقولها أستاذ اليوم ويحياها ويعيشها قبل أيام فقط حالت بيننا وبين التفوق والمنافسة تشكيليا…أقول تشكيليا…لأن التشكيل الحقيقي ينتهي بعلوم التصنيع ويعانق مخابر الجامعات وورشات الابتكار كان ذلك بالتفرغ الكلي أو بالاشتراك مع نخب الطلبة الممتازين..الشيء الذي لا يراد له أن يكون لحاجات في نفس يعقوب… تأخر بالقصد… أو بغيره يجبرنا أن نكون على ما نحن عليه ، لذا كنا بوسائلنا الخاصة المحدودة بحدود احترام أسرنا واحتياجاتها لئلا نخسر الميدان رغم خسائرنا المتتالية في المعارك… قطعنا أشواط تحصيل محترمة يوم كانت احتياجات أطفالنا محدودة بسنهم وقلة طلباتهم، أما بعد دخولهم الجامعات أصبحنا نعجز عن توفير ورق الرسم والألوان لأنفسنا، فما بالكم بالخشب والنحاس والرخام و… للضرورة والحاجة أحكام … وعليه بدأت ممارسة أقل الفنون تكلفة ماديا وهي الكتابة واشكر الله على نعمة النات والانتشار بسهولة عالميا على الشبكة العنكبوتية… كتبت وأكتب وهي عملية لا تقل جمالا، قيمة ومتعة لتجسيد سد أبواب زوايا مفتوحة قد تنخر ديدانها الأهم مما تبقى وموجود بذاكرة ذواتنا وتركيبتنا… نشكر الله أيضا لوجود أمثالك هنا وهناك لنفض الغبار من حين لآخر لاسترجاع بريق عينات من نفيس ما نملك…
4.في حوارات سابقة لكم قلتم:'أحب القهوة والشاي ومدخن بشراهة..وفنان تشكيلي عند الضرورة فقط' هل لنا أن نعرف هذه الضرورة، وما هي المواضيع التي تستفزك لتخرج منها شكلا فنيا؟
- كل ما يتنافى وأساسيات التركيبة التي نشأنا بها ومن أجلها يكون استفزاز كل النبلاء منا، يفرز ردودا وتصدي بأساليب ووسائل مختلفة.. أرقاها ما هو بديل بالبيان والتبين المفحم…
5.يعتبر الفن التشكيلي وكذا النحت قناة مهمة لتسويق تاريخ وتقاليد بلد ما،كما يعد ذاكرة حية للأجيال المتعاقبة،في رأيكم هل هذا النوع من الفنون أخذ المكانة التي يستحقها في بلادنا؟
- كان بالإمكان تحقيق كل هذا إضافة لما هو متواضع لو…لو كان الجزائري المناسب في المكان المناسب، بدل مقاولين أصحاب اليد اليمنى التي تصب في اليد اليسرى..إبداع.. تبرير الفواتير المضخمة والاحتيال على أموال الدولة بكل المناسبات بالاغتيال..اغتيال غير مسبوق دون رقيب…اغتيال كل شيء جميل…
6.وهل الفن التشكيلي الجزائري الراهن له بصمته على المستوى العالمي؟
- بالتأكيد أيتها الرائعة، بذلك متميزين وعليه أسماؤنا وأعمالنا بمتاحفنا بالداخل ومتاحفهم بالخارج تشهد على ذلك ولا فضل نهائيا لمن يدعي وصاية على الثقافة من الاستقلال إلى يومنا هذا… 7.في مداخلتكم في إحدى المحاضرات التي كان ينظمها الاتحاد العام للكتاب الجزائريين،تأسفت كثيرا عن النظرة الضيقة للفنان النحاة،إذ وصفتها بعدم وجود فرق بين النحاة والبناء الخرّاط،هل تغيرت هذه النظرة؟.
- نعم لا يفرقون بين التقني المقاول والفنان المبدع واختلط الحابل بالنابل.. في غياب الاهتمام بالقطاع وتكوين مختصين…صراع من أجل البقاء والهيمنة أصبحت فيها الغلبة للرداءة وتعميمها. النظرة اليوم اتسعت لتحتوي صناع القرار بالرشوة وتشجيع من دار في فلكهم لذر الرماد بأعين أقرب الناس اليهم في عصر المنافسة والتكوين الحقيقي في عصر الاستثمار في القطاع البشري العملة التي لا تزول…أحترم البناء وأحتقر المرتزقة أصحاب معاول التهديم وهدر الإمكانيات وتشتيت القدرات.. ميزانيات ضخمة ترصد لمثل هذا ورياح النهب وتعمد سوء التسيير تهب دائما بما لا تشتهيه السفن ومن فيها، مع الأسف الشديد…؟؟؟؟؟؟
8.ما رأيكم في مختلف المعارض الفنية التي تقام بين الفينة والأخرى من الناحية الفنية وحتى مدى استجابتها للغرض الذي من المفترض وضعت من أجله؟
- سؤال وجيه في محله ووقته…من ناحية الفنانين فيه من الأعمال ما يستحق التقدير على المستوى المحلي والعالمي لكن..، من من الأوصياء على الثقافة يهمه أمر جمع الذاكرة الشعبية التشكيلية بمتاحفنا واقاماتنا الرسمية واداراتنا؟. معارض مهرجانات ملتقيات تحبك هنا وهناك فقط لتبرير فواتير صرف المال العام تنتهي بنهاية الحدث اللاحدث وهكذا دواليك.. الطريقة التي يعامل بها الفنان وخاصة التشكيلي منهم طريقة لا تبشر بوعي مستقبلي مفتوح على الوعي والنضج العالمي..العالمي المتباهي بأمجاده وأمجاد الرواد منهم بالاستثمار فيها على جميع الأصعدة…
9.حاورت العديد من الشخصيات الجزائرية في الإذاعة الثقافية، من هي الشخصية التي استوقفتك؟
- بالفعل نعم.. لكن بلا توثيق حاورت من الفنانين والشعراء الكثير مدة 8 سنوات بمعدل حصة كل أسبوع ،كان الكل بمثابة أساتذة لي مستويات متفاوتة لكن أغلبها ممتع ومفيد يستحق التقدير والثناء…لكن السؤال الجدير بالطرح والجواب عنه يؤلمني أكثر: هل احتفظت الإذاعة بالأرشيف…؟؟؟؟. نزيف مالي… تلف جهد…ذاكرة شعب مغتالة…هذه النتيجة.. ما الفائدة من ذكر أسماء والوثائق المسجلة يعاد استرجاعها استعمالها بمجرد بثها على حساب تلف الأولى…وهي الوثائق الوحيدة التي تثبت وتشهد بذلك…بغير ذلك أنا وأنت كذابين من يصدق هذا بغير الوثيقة والتوثيق..؟. للأسف هذه صورة المسؤول والرداءة بلا مساحيق بالعالم العربي والجزائر خاصة،أسباب تخلفه المقصود والعمدي السبب في تخلفنا عن كل ما هو ريادي.. 10.من خلال حواركم واحتكاككم مع هؤلاء ما هي أهم الانشغالات والهموم الفنية التي لمستها من خلالهم؟.
- نفس الانشغالات بعوامل مشتركة عدة بينهم : أين الجزائر من المساحيق والتزييف؟
الجزائر بلا ذاكرة يستحيل التقدم بها حيث ينبغي أن تكون ،الجزائر بلا أرضية وبناء حقيقي عابر للزمن ، مجرد نكتة وبقرة حلوب عمرها من عمر ما تدر به من حليب …
11.تحتضن مدينة تلمسان هذه السنة الثقافة الإسلامية،هل سيكون الفنان التشكيلي محمد بوكرش مشاركا في هذه التظاهرة؟
- سؤال يحال لمقاولين وزير وزر وزارة…(الثقافة).
12.على ذكر المدن، نود لو تخبرنا عن المدينة الجزائرية التي يعتبرها الفنان بوكرش لوحته المميزة وملهمته ومحتضنته في أفراحه وأوجاعه؟
- بصدق القول: الجزائر برمتها جمال لوحة فسيفسائية بطبيعتها، لكل لون ولاية ومدينة أثر بالغ الأهمية في بنيتها، جميلة بأهلها ومبدعيها على اختلاف العادات والتقاليد كانت، لهم وافر حبي وتقديري، لعلمكم.. بادلني المعظم بمثله والكرم والتكريمات شاهدة على ذلك … 13.في نفس السياق،عبرتم عن شعور خاص من الجزائر العاصمة ملؤه الامتعاض،لماذا تلك النظرة لعاصمة الجزائر،وهل تغير ذاك الشعور؟
- عزيزتي الامتعاض ليس من الجزائر العاصمة بقدر ما هو من أشخاص تداولت على تسيير دواليب شؤونها لكل منهم خدوش على ملامحها باقية، يزيدها كل والي موالي عمقا…
14.الفنان التشكيلي محمد بوكرش حاضر عبر الشبكة العنكبوتية، هل وجدتم فيها البديل عن القنوات الرسمية لإيصال إبداعاتكم وإسماع رأيكم والتواصل مع الآخر؟.
- عليك نور…، وضعت أصبعك على الجرح…، وبفضل نشاطي على الشبكة العنكبوتية سأكرم بالمناسبة غيابيا لأمني.. بالدرع الفني بمصر شهر جوان 2011 بمناسبة بيانالي الثورة التشكيلي الموسوم بعنوان ، تلاحم ، ويتسلمه بالنيابة عني الفنان القدير تابرحة نور الدين من سيدي عقبة بسكرة الذي يمثلنا بدعوة خاصة وبأعماله الجزائرية النخبة والمستوى التشكيلي الراقي، نتمنى له التوفيق والرجوع غانما مكرما.
15.كيف تصفون ثورة”شباب الفايسبوك”لإحداث التغيير في عديد البلدان العربية،ومن خلال تواصلكم مع الشباب الجزائري عبر الانترنت كيف ترسمون انشغالات هذا الشباب ؟
- حق لا غبار عليه في ظل التكتلات…على مقاس حق التحالف حول المشروع الرئاسي عندنا، بفارق تختلف فيه الاحتياجات بين من هو هرم ومن هو عملة الغد.
شكرا لك سيدتي والشكر موصول لجريدتكم وكامل طاقمها، كل حبي وتقديري لذوي البال الواسع من القراء…
تعليقات
إرسال تعليق