الدخيل في الجسد الإنساني :هوس بفكرة الكمال / الباحثة والتشكيلية: يامنة الجراي
الدخيل في الجسد الإنساني :هوس بفكرة الكمال
الباحثة والتشكيلية: يامنة الجراي
لاشكّ في أنّ الجسد الإنساني قد اعتاد على المواد الصلبة يتخذ منها حليته وهو حال الإنسان في الحضارات المختلفة ، وللزينة ثمن يدفعه من ألمه على أمل أنّ تتدخل الجراحة بالدخيل وتتزين به ويخرجها إخراجا جميلا ونحن نذكر ما تحدثه تهيئة الأذن للقرط إبان ثقبها وللهنود وبعض دول الخليج ثقب الأذقان ولبعض الشعوب الإفريقية ثقب الشفاه وإدخال لأقراط خشبية ثم عاد الالتذاذ بإدخال المواد للجسد في نهاية القرن الماضي موضة جديدة اكتسحت الجسد بأنواع مختلفة من الأقراط تقريبا ليستحيل البعض منها في الحاجب والأنف والفم والذراع .وهذه المواد قد لا يكون جلبها للجسد بغاية الزينة فقط أي قد لا يكون حليها اختيارا ، بل اضطرارا بفعل التهشيم أو حادث على الجسد .
كثيرة هي العمليات الطبيّة التي يعتمد فيها الإطار الطبي إلى إدخال مواد هجينة على الجسد ما يشبه الأسلاك الفضيّة ولكن ليس لغاية التجميل ولكن لأمل الترميم وهو ما يحقق في نظري جمالية عجيبة، لأنه إذ يفعل ذلك يحافظ على جدلية الخفاء والظهور وهو فعل لاشكّ يجمع بين مواد مختلفة، لكن ليس هذا فقط ما أريد أنّ أنبه إليه ، إنما أريد أنّ أنبه أيضا إلى تلك الطاقة القادرة على تحقيق التوازن للمادة ونحافظ في نفس الوقت على خفائها : موجودة هي ولكنها غير منظورة حاضرة بالأشعة خفية عن العين المجردة وبين الخفاء و الظهور تفعل المادة الدخيلة فعلها في صمت إيقاعي :فهي تجمع المشتت وتعيد الأمل إلى الجسد المتشظي : هي لاشّك إذن قادرة على الإيحاء بالجمال في ارتباطها بالعظم واللحم ، ذلك المزيج المادي الذي يبدو للغافل هجينا ويبدو لنا متناغما إيقاعيا ملمح جمالي أصيل ؟ فكيف سينظر إلى هذا الجمال وبأية مقاربة ابستمية سنفهمه ؟ نجد أنفسنا إذا ما رمنا الجواب حيال مقاربتين طبيّة وتشكيليّة:
أ: المقاربة الطبيّــــــــــــــــة:
نحن إزاء طبّ يدعيّ انجاز ممارسة فنيّة وينتخب لنفسه تسميات قريبة من الحقل التشكيلي :
جراحة تجميلية/ جراحة تشكيّلية .
غير أننا نعرف أن الطبّ هو مورد لصاحب الجسد :أي أن ذلك الطبيب المتدخل لا يملك في الكثير من الأحيان قرار العملية ،بل صاحب الجسد هو من يملك القرار وهو من يحمل الصورة التي ينبغي أن يكون عليها الجسد بعد العملية ومن جهة ثانية فنحن نصرّح بان ذلك الطبيب محكوم بعرف طبي غايته الشفاء و ما زاد على ذلك الذوق الفنّي الشائع في مجتمع ما ولفهم دور الطبيب في هذا العمل الجمالي نستطيع أنّ نقاربه بالتشبيه فكأننا إزاء عملية بناء يملك المهندس تصورا شاملا دقيقا لها وهو صاحب الفكّرة ولكنه في حاجة إلى حرفيين لانجازها يتميزون بالكفاءة (الطبيب) فإذا ما تم البناء : فإننا نعزو الفضل إلى في التشييد إلى للمهندس، بالرغم انه لم يلمس الاسمنت قط والحال ذاته بالنسبة للطبيب فهو الذي يعتبر منفذا لفكرة صاحب الجسد .
ومهما يكن من أمر فانّ المقاربة الطبيّة لا يمكن بحال أن تستوفي التحليل الجمالي للظاهرة لذلك تطرقنا إلى مقاربة جمالية.
ب: المقاربــــــــــــة الجمالية:
إذن لاشكّ في أنّ المقاربة الطبية عاجزة عن إبداع ما في الظاهرة من جمال تشكيلي لذلك نرى أننا بحاجة إلى منظور تشكيلي قادر على استنكاه الظاهرة.
المادة الدخيلة بين الخفاء والظهور:ذلك هو المفهوم الذي ستقوم عليه مقاربتنا وتلك الجدلية التي سأصف بها جمالية المواد الدخيلة في الجسد الإنساني : جدلية لاشكّ ضعيفة ولكنها ممتعة عصية لكنها جذابة وكأننا نطلب محالا ، إذ نروم تقريب ما لايرى وكما وجدت صعوبة في تعريف الروح لطابعها الغيبي و اللامنظور فإنني أواجه في هذا الباب عراقيل من نفس النوع : ذلك أنني أريد أنّ اكشف عن جمال في جزء منه مستور لا يراه المتقبل ذلك أن الظاهرة الفنّية تجيء به وتمر أمامه دون أنّ تستوقفه رغم ما فيها من طابع جمالي : خفاءها هو مصدر جمالها ، لكنه أيضا مصدر تكتمها ولعّل بحثنا هذا سيساهم ولو بقدر يسير في التعريف بهذه الجمالية التي تقوم على استضافة الجسد لمواد هجينة متمثلة أساسا ضمن إطار مقالتي: المكملات الجمالية الفضية والبرنزية والذهبية التي توضع في مناطق معينة من الوجه أو مشك حديدي يقع الوصل به بين العظام المهشمة بفعل الحادث .
والذي ينسجم مع الجسم وفي لحظات تندس المادة الجديدة في النسيج اللحمي وتسكنه وتجمله وتكمله: لكنها تحافظ على مسافة تكيفها الخفاء وحينها حلت في الجسد فبرزت و أخذت بعض من خصائصه والكل انصهر في شطحة صوفية تكتمل فيها مراحل التخمر فتمر بمراحل : التخلي والتحلي والتجلي ويستمر الفعل ....
تعليقات
إرسال تعليق