أضواء وألوان - صناعة الحالة المكانية / بقلم : عدنان بشير معيتيق


أضواء وألوان - صناعة الحالة المكانية

الثلثاء 24/8/2011


بقلم : عدنان بشير معيتيق



الفنان غيورغ غارتس ألماني من مدينة كولونيا متعدد التجارب الفنية يتنقل بين اللوحة والانستليشن التركيبات المكانية والطباعة والرسم على الصور الفوتوغرافية, البناء والمواد المستخدمة هي الأساس في المفاهيم التشكيلية التي ينطلق منها في إنتاج أعماله, وما نتحدث عنه ألان هو التركيبات المكانية والتجميعية التي يقوم بها من فن الأرض ومنشات الغرف والصناديق الخشبية والأشياء الجاهزة كالبلاستيك والمعادن .


الفنان يعتمد على اللون والضوء الساقط على الأشياء (التركيبات الفنية) التي غالبا ما يصنعها من مواد مهملة ومتروكة فقدت بريقها ليعيد تدويرها وصناعة الحياة فيها بشكل مختلف عن ما كانت عليه , في هذه العملية تتلاشى الحدود بين الرسم والنحت بإنشاء فضاءات بأبعادها الثلاثة مع تلوين أجراء مختلفة من العمل وترك أجزاء أخرى هكذا كما هي فهو يمزج الفوضى بالنظام في منظومة بصرية جديدة تروق للعين وتسر النفس بتوازن محكم لحالة تأثيث جديدة يسرب من خلالها أفكاره واقتراحاته الفنية.

استخدم هذه التكوينات والتركيبات في الطبيعة تارة تجدها منتصبة في منتصف الغابات بشكل أبراج من الخشب العالية التي تصل ارتفاعها إلى ستة أمتار مزركشة بألوان صريحة وزاهية مغايرة لخلفيتها الموجودة بها وهى الطبيعة بمفارقة جميلة تدعو إلى التأمل والحفاظ على البيئة بدعوة لتجميل الأرض والمكان المنتصبة فيه وتارة أخرى تجدها في قاعات العرض ,الفنادق والدهاليز المظلمة كالأنفاق الموجودة تحت المصانع لمد كابلات الكهرباء والمجاري وقنوات المياه وغيرها من الخدمات فيستعين بإضاءات صناعية التي يتحكم فيها حسب الحالة المطلوبة للعمل الفني المراد صنعه وهو يحاول إضفاء الحياة على هذه الأمكنة ومن خلال عناوين معارضه الخاصة يتضح جليا موقفه من الملوثات والأخطار المحدقة بالبيئة كالانحباس الحراري وتسرب الوقود من هذه المعارض: طائرة سوداء- ثقافة ووقود السفن – ألوان البيت الأصفر – المسببة للاحتباس الحراري – بيت بستاني – لا لا نريد النفايات – موقف ضد – لوّن عالمك.


المنتج الفني عنده تعددت أشكاله وأفكاره ومنها: كوخ البستاني – أبراج الخشب والمنتصبة في الغابات والمساحات الخضراء والملونة بألوان قوس قزح – ستائر صفراء في غرف معتمة – أسطح خشبية ملونه بالأخضر مائلة ينسكب ضوء عليها وكأنها نهر جاري – صندوق صغير يمثل مغامرة في غرفة مجهولة – قارب سباق مغلف بألوان الربيع موضوع على صندوق صغير في قاعة كبير فارغة.


العمل الفني كوخ بستاني نموذج جميل جدا قام بتنفيذه منذ ثمانية أعوام في غرفة فندق لخلق حالة مكانية جديدة فيها باستعمال كوخ بستاني حقيقي قديم بلونه الأخضر الغامق أنهكته الطبيعة لعقود من الزمن ويظهر هذا جليا في الشقوق والخدوش والترميمات الموجودة عليه وباستعمال وصلات خشب عشوائية وأسطح غير مستوية في تجميع هذا الجسم ورسم بعض أجزاء منه مذّكرا بارتجال ومهارة الرجل البستاني الذي كان يعمل فيه وحميمية حياته البسيطة .

الفنان يلعب على التناقض في رسم صورة لفضاء حقيقي ينقل فيها تصوراته وأفكاره في عالم متناقض من الجمال والقبح ,الفوضى والنظام لترك انطباعا مختلفا وخلق أجواء مكانية رائعة يكون المتلقي جزاء منها متفاعلا معها إلى ابعد الحدود ودعوة صريحة للمحافظة على عالم جميل بدون ملوثات تفقده بهائه الطبيعي الذي خلق عليه..

عدنان بشير معيتيق

فنان تشكيلي من ليبيا

2010.08.23

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح