أنا والألوان / افراح سالم جبار الربيعي

أنا والألوان



افراح سالم جبار الربيعي

07/09/2011
امتلأت غرفتها الصغيرة بالمنحوتات من كل نوع.. صغيرة وكبيرة.. وتلك اللوحات الملونة بألوان زاهية تملأ أرجاء المكان فهي كانت عبارة عن مرسم صغير وها هي تجلس اليوم أمام عملها الجديد وأخذت تنحت بمهارة وإتقان كانت مميزة ومرهفة وكان فضولي الدائم يجعلني استرق النظر إليها من النافذة المطلة على حديقة المنزل لحبي وشغفي بالرسم على الرغم من صغر سني ورفضها الدائم لدخولي إلى غرفتها خوفا من أن اعبث بأعمالها الفنية كما كانت تردد دائما

ولكنني ورغم رفضها هذا وتوبيخها الدائم لي كنت أميل دائما لما تقوم به أختي الكبرى من عمل جميل وإصرارها على إثبات ذاتها رغم الصعوبات التي تمر بها وعدم وجود من يساعدها إلى الوصول إلى مبتغاها وهو أن تكون فنانة تشكيلية ذائعة الصيت.. جعل منها مثلي الأعلى في الجمال أولا وفي الطموح ثانيا

وفي ذات يوم كنت العب في حديقة المنزل ورأيتها تحمل منحوتتها بكل حرص بين ذراعيها كمن يخاف على طفله الرضيع من السقوط على الأرض وهي بغاية السعادة والأمل وقالت:

سأذهب إلى مرسم الفنان التشكيلي المعروف(.....) فلقد وعدني بأن يساعدني بعرض أعمالي في إحدى قاعات العرض وسيجعلني أشارك بأكثر من مسابقة للرسم

بصراحة أنا لم اذكر اسمه قط ولكنني اذكر كيف كانت تغمرها السعادة عندما خرجت من باب المنزل وكيف عادت وهي متجهمة وحزينة لتقول لأمي :

انظري كيف يفكر بعض الرجال عندما يرون فتاة شابة وجميلة بحاجة إلى مساعدة احدهم فالكل ينظر إلى المرأة بعيني الذئب المفترس الذي يجب أن يلتهم فريسته بأسرع وقت ممكن.. أتعلمين يا أمي؟ أنا حزينة جدا لأن مجتمعنا ينظر إلى المرأة على إنها كائن ضعيف وإنها لا تصلح سوى للرغبة وأعمال المنزل

ثم نظرت إلي وأنا ارسم واقتربت مني وانحنت لتداعب شعري بكل لطف وقالت بهدوء:

اسمعي يا حبيبتي يجب أن تكوني قوية وصلبة لتحققين ما تصبين إليه ولا تجعلي أي احد يقف بطريقك تعلمي أن تكوني فتاة طموحة دائما

اثر بي كل ما قالته حينها وحفظته بقلبي ليومنا هذا وها أنا أحقق حلم طفولتي وأنال المرتبة الأولى في واحدة من أهم مسابقات الفن التشكيلي وهذا طبعا بفضل نصائح أختي الكبرى وبينما أنا غارقة بذكرياتي الجميلة سمعتها تهمس بأذني قائلة:

ماذا دهاك يا حبيبتي هيا انهضي أنهم ينادون عليك الآن حان دورك لتلقي كلمتك أمام الجمهور على هذه المنصة

نظرت إليها بحب وقبلتها بحرارة ثم نهضت متوجهة نحو المنصة وتعالت أصوات التصفيق وأنا انظر إلى الفرح الذي غمر أختي التي غرست في حب الرسم والأمل .

افراح سالم جبار الربيعي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح