الكتابة الأدبية.. (في الجزائر) الفساد المعمم / الحبيب السائح
Habib Sayah
, jeudi 8 septembre 2011
الحبيب السائح
الكتابة الأدبية.. الفساد المعمم / الحبيب السائح
نشر في جريدة "الجزائر": 8 سبتمبر 2011
ها هو المتابع للمشهد الأدبي الجزائري يعاين، بحسرة، المآل الذي بلغته الكتابة باللغة العربية؛ مثله مثل مآلات الصحة العمومية والمدرسة النظامية والجامعة والثقافة والإدارة والاقتصاد والتجارة والرياضة.
فخربشة المراهَقات، ورصّ الأسطر الخاوية، ونظم القوافي بلا معنى، وسرقة الصور والمقاطع، أضحت جميعها تضفي على صاحبها صفة الشاعر.
ومن بكرة أبيه يصبح قصاصاً كلُّ من أنشأ إنشاء مدرسيا خاطرةً واحدة، تصرخ بأخطائها.
ولا يُرى ذلك هولا عظيما أن يُسبَغ جنس الرواية على قصة ممططة تمطيطا تخرج من مطبعة مجهولة أو من دار نشر تقبض من جيب "كاتبها" ثمن تكْلفتها مسبقا. وكم هي القصص المطولات التي حشرت وتحشر حشرا في جنس الرواية الجزائرية!
وبنصف دورة مفتاح، يجد صحافي ما نفسه في قسم التحرير الثقافي يوزع ألقاب "الشاعر المتفرد" و"القاص المبدع" و"الروائي القدير" ـ وما ماثل ذلك ـ؛ ويصدر أحكامه، وهو لم يملك بعد رياضة القراءة وتجربة التقديم وكفاءة التعليق، في سكوت من تَراتُبية هذه الجريدة أو تلك.
وقد زاد الأمرَ استفحالاً أنْ صارت مواقع النشر الإلكترونية وشبكة الفايسبوك، وما يطلى على جدرانها، مستنقعا حقيقيا لأنواع الطفيليات كلها.
فذلك كله ينتصب كشاشة تشويش على المواهب الحقيقية والكفاءات المؤكدة التي تشتغل في صمت وصبر، بعيدا عن أضواء البهرجة والمجاملات المنافقة.
فمشهد الكتابة الأدبية، في الجزائر، يكاد لا يختلف عما يسمى "المقاولة والمقاولين"؛ فإنه يكفي في الاختصاص ـ لإنجاز مشروع سكني مثلا ـ أن تتوافر في دفتر التحمّلات "برْويطة وبالة وفاس وخشبات".
كما هو يكاد لا يختلف عمن يسمون "متعاملين اقتصاديين"؛ هم في الأصل نصابون ومختلسون للمال العمومي ومبيّضون لما تم نهبه خلال أعوام المأساة الوطنية، خاصة.
فإن النصب والاحتيال، في غياب سلطة النقد الأكاديمية، كما في غياب رقابة الدولة القاونية على المال العمومي، سيصيب الجامعة الجزائرية مثل ورم خبيث يتعمم في كيانها.
فسرقات جهد الغير، على مستوى الأطروحات، وسلخ مذكرات الماجستير والتخرج والعروض المقدمة خلال التدرج، بعملية "نسخ ـ لصق"، تعتبر من أقذر الفضائح في حق الجامعة الجزائرية ومن أفظع "الجرائم" ضد العلم والمعرفة.
فبمثل ما يستشري التكالب على الربح السهل وغير القانوني عند "المقاولين" و"المتعاملين" و"التجار" والمرتشين، تتفاقم عند شريحة واسعة من "الكتاب" مرضية اللهفة على الشهرة حدَّ "العض على بظر الأم".
وإلى مستوى الانسحاق، يصير هوساً عندهم الطمعُ في الحظْوة بجائزة سلطان أو مؤسسة تحدد شروط جائزتها بمعايير تخدم أجندة تدفع من أجلها مالها.
فالمشهد الأدبي الجزائري، إذاً، تحول إلى ما يشبه حفلا لرقصة "بال" بالأقنعة؛ لا أحد فيه هو ذاته في عين غيره. وكل واحد من الراقصين يدرك من خلف قناعه أن غيره يضحك عليه.
فحال الأدب والنقد، في الجزائر، محزنة حزن الجزائريين على مصيرهم بيد ساسة، مثل أتياس يخوضون بقطيع غنم غابة من السدرى.
إنها حال فساد معممة، حقاً.
تعليقات
إرسال تعليق