الفيسبوك.. محرك للثورات ام مسبب لها ؟! / د. بشرى الحمداني
الفيسبوك.. محرك للثورات ام مسبب لها ؟!
د. بشرى الحمداني
08/09/2011
استفاد الشباب العربي من التطور الذي طال تكنولوجيا الإتصالات وإستخدم العالم الإفتراضي لهز بعض الأنظمة العربية وتهديد غيرها، عبر تحركات شعبية فرضت واقعاً جديداً غير واضح المعالم.
يرى البعض أن مواقع التواصل ساهمت بشكل حاسم في إنجاح هذه التحركات، ولكن ذلك لا ينفي الدور السلبي أو الوهمي الذي لعبه الفيسبوك في هذه التحركات، والذي يمكن أن يلعبه من خلال وجود إدارات سياسية تستخدمه كوسيط مؤثر بشكل خاص في الشباب الذين يقودون عمليات التغيير من أجل حرف مسار التحول السياسي والإجتماعي.
ويشهد العالم العربي منذ بداية العام الجاري تحركات شعبية بقيادة مجموعات شابة أو ما يطلق عليه اسم "مجموعات الفيسبوك" مدفوعة بقناعة ورغبة قوية في التغيير، أصحابها متأثرون بثقافة العصر، وقيم الديمقراطية والحرِّية التي ساهم الإنفتاح على الثقافات العالمية بتشكيلها لديهم.
ويعتبر بعض الباحثين أن تأثير العالم الإفتراضي في شعوب العالم سوف يكون كبيراً جدّاً في القادم من الزمان لأن من يتحكم بالعالم الإفتراضي سوف يتمكن من السيطرة على العالم الواقعي.
ويرى اخرون إنّ الفيسبوك محرك للثورة والتحركات الشعبية، وليس مسبباً لها، وقد ساهم في تواصل الناشطين في هذه التحركات الشعبية مع بعضهم بعضاً بسبب العديد من الخصائص والميزات التي يمتلكها.
ويعتبر اختصاصيون اجتماعيون أنّه لا يجوز أن نخضع ظاهرة التغيير الذي يشهده العالم العربي للدراسة السوسيولوجية قبل إكتمال مسار هذا التغيير ومعرفة إتجاهاته، وبالرغم من ذلك يرجع البعض أسبابه إلى التراكم المزمن للقمع وحرمان شعوب العالم العربي أبسط حقوقها المتمثلة في الحرية والعيش الكريم.
وقد نجح الفيسبوك في تحريك هذه التحركات الشعبية التي يشهدها العالم العربي لأسباب عدة، أهمها القدرة على تأمين الإتصال السريع بأقل تكلفة ممكنة ونقل الأفكار والأخبار بسرعة تختصر الزمان، وسهولة إستخدامه من قِبَل الفئة العمرية الشابة على الأخص حيث سُجل إستخدامه في مصر مثلاً من قبل 90% ممن تتراوح أعمارهم بين 13 و34 سنة.
وقد كان للفيسبوك دور مهم بسبب حضوره الدائم، حيث تم إستخدامه من خلال أجهزة الهاتف المحمول وليس فقط من خلال الحواسيب، وهذا ما جعله حاضراً لنقل وقائع ما يحصل خلال هذه التحركات الشعبية، حيث اعتمدت عليه بعض وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون، وهذا أمر لم يكن مألوفاً من قبل.
وتكمن أهمية الفيسبوك في أن 213 دولة تستخدمه على مستوى العالم، إضافة إلى 600 مليون مشترك، وهذا ما يوفر التعبئة بسرعة فائقة، لأنّ التواصل يتم مع أعداد هائلة من البشر في العالم، كما أنّ الفيسبوك يوفر مركزية للعمل، لتحريك النشطاء الإلكترونيين.
تشير بعض الدراسات إلى تنامي العدد الإجمالي لمستخدمي الفيسبوك في العالم العربي بنسبة 78% من 11.9 مليون مستخدم في يناير/ كانون الثاني 2010 إلى 21.3 مليون مستخدم في ديسمبر/ كانون الأوّل من العام نفسه، علما أنّ الشباب يشكّلون 75% من مستخدمي هذا الموقع في العالم العربي.
ويتميّز الفيسبوك بالقدرة على تحقيق التفاعل بين مختلف النشطاء، إضافة إلى التوقع المسبق للحركة، بسبب ما يوفره من إمكانية التعليق على الأحداث، من دون أن تتمكن السلطات السياسية في البلد من السيطرة عليه، كما أنّه يوفر التواصل بين عامة الشعب ورؤساء دولهم وحكوماتهم وكافة المؤسسات والإدارات الرسمية والخاصة فضلاً عن الأحزاب والمؤسسات السياسية.
ويمكن إستخدام الفيسبوك بأساليب مختلفة عن طريق تصوير أحداث فعلية حدثت على أرض الواقع أو من خلال "فبركة" أحداث وهمية لم تحدث أصلاً، أو من خلال تزوير الوقائع، ولا توجد اليوم أي إمكانية لضبط هذه الوسيلة الإعلامية التي تنتمي إلى فئة "النيوميديا" التي تسمى "السلطة الخامسة" والتي غيرت الكثير من المفاهيم الإعلامية.
وتكمن خطورة الفيسبوك في وجود إدارات سياسية ومصالح سياسية تستخدمه كوسيط مؤثر بشكل خاص في الشباب الذين يقودون عمليات التغيير، حيث بالإمكان حرف مسارات التغيير بشكل كبير.
ويرى البعض أن خطورة الفيسبوك تكمن في إمكانية التجسس عبره وقراءة وتحليل كل المعطيات المتوافرة من خلاله، لمعرفة طبائع الأشخاص والجماعات ومواطن ضعفهم، ورسم الخطط الكفيلة بإحكام السيطرة عليهم وعلى مقدرات بلدانهم وجرهم للتبعية، وإستعمارهم بطرق حديثة. وتشير بعض التقارير إلى إزدياد عدد مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي في العالم العربي الذي بلغ حدّه الأقصى لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، الذين يشكلون نحو ثلث التعداد السكاني في العالم العربي.
ويرى خبراء المعلومات أنّ الثورة المعلوماتية حولت الكرة الأرضية إلى ما يشبه البلد الواحد عبر الفيسبوك الذي صنع ثورة الشعوب في العالم العربي، ولكن الخطورة تكمن في أن مواقع التواصل الإجتماعي لا يوجد لها نظام أو أدبيات أو هيكلية، وكل شيء فيها مسموح باسم الديمقراطية، وهي بعيدة كل البعد عن معيار الموضوعية، وبالتالي يمكن وصفها بالفوضوية.
يضيف الخبراء أنّ الفيسبوك هو أوّل وسيلة إعلامية اعتمدت في معلوماتها على "مواطن مجهول" أو بمعنى أدق "شاهد عيان"، وشرّعت أقواله دون التمكن من التأكد من صحة المعلومات التي يطرحها، وربّما كان للفيسبوك بهذا المعنى دور وهمي و"مفبرك" أحياناً.
يعتبر علماء الإجتماع، أنّ التغيُّر في المجتمعات يخضع لعوامل عديدة، يختلف تأثيرها بين مجتمع وآخر، أبرزها العامل الديموغرافي، حيث الكثافة السكانية تُحدث كثافة معنوية، ثمّ العامل الثقافي، المتمثل بالإيديولوجيات أو الدين إضافة إلى التغيُّر في البنية التحتية الإقتصادية التي تفرض تغييراً في بنية العلاقات الإجتماعية.
ويتوقع المراقبون أن تستمر مواقع التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر وغيرها، في لعب دور أساس في تنظيم الحراك الإجتماعي والمدني والسياسي في العالم العربي في المدى المنظور، على أمل أن يكون أثرها إيجابياً في شعوب هذه المنطقة.
د. بشرى الحمداني
تعليقات
إرسال تعليق