حرية الشعوب ..ليست بعبعا ؟ ! / عباس بومامي

حرية الشعوب ..ليست بعبعا ؟ !




بقلم : عباس بومامي


المتتبع المنصف للأحداث الجارية على الساحة الليبية ، بعد سقوط القذافي ، لا يمكنه إلا أن ينفض يديه من هذا النظام ، و الذي يتشبث به لا شك انه يتشبث بالقشة المنخورة على حافة واد يتلاطم سيله . و الذي يتحدث أيضا عن حكومة يحدث فيها نوع من تقاسم السلطة بين الثوار و بقايا القذافي لا شك انه لايزال لم يصدق بسقوط باب العزيزية و لا شك انه لا يزال يعتبر أن ثوار ليبيا لايزالون جرذانا يختبئون في سراديب بعض المدن و البلدات .

المتتبع المنصف للأحداث الجارية على الساحة الليبية ، بعد سقوط القذافي ، لا يمكنه إلا أن ينفض يديه من هذا النظام ، و الذي يتشبث به لا شك انه يتشبث بالقشة المنخورة على حافة واد يتلاطم سيله . و الذي يتحدث أيضا عن حكومة يحدث فيها نوع من تقاسم السلطة بين الثوار و بقايا القذافي لا شك انه لايزال لم يصدق بسقوط باب العزيزية و لا شك انه لا يزال يعتبر أن ثوار ليبيا لايزالون جرذانا يختبئون في سراديب بعض المدن و البلدات .
و من ثم فأي موقف سياسي لازال يتشبث بالقذافي هو موقف يتوجب الاستدراك لا يبقي أمام صاحبه إلا تدارك الأحداث حفاظا على مصالحه بالدرجة الأولى . و ليس أدل على ذلك من اعتراف الكثير، ممن كانوا يقتاتون بدولارات القذافي من دول القارة الإفريقية ، بالمجلس الانتقالي بما فيها روسيا ، الدولة العظمى ، التي تربطها مصالح النفط و السلاح بالقذافي ، و هو أمر لا يفسر بسحب الحصير من تحت أقدام القذافي و تنكر له بقدر ما هو اعتراف بسياسة الأمر الواقع . و الأكثر من ذلك أن العالم كله يعرف أن المصالح مع الشعوب و ليست مع الأشخاص و النظم مهما تميزت تلك العلاقات و توطدت .
و من هذا المنطلق فان بقاء المراهنة على القذافي و أبنائه كأشخاص أو على كتائبه و مرتزقته الأفارقة كمجموعات لا تختلف أعمالها عن الأعمال الإرهابية المشينة و الفظيعة ، خاصة ضد شعب مسالم احتضنهم و أمنهم ووفر لهم مصادر قوتهم ، يعد رهانا خاسرا مهما كانت الحجج و التبريرات المسوغة .
و الغريب أن تصاب الدبلوماسية الجزائرية بكثير من التردد و الارتباك الشديد تجاه أحداث ليبيا ، ذلك انه ليست هناك دولة صغيرة أو كبيرة لم يتضح موقفها مثلما هو حاصل مع الجزائر إلى حد الساعة . و نظرا لعدم تعود الجزائريين و حتى الدول و المنظمات و الهيئات الدولية ،على مثل هذا الموقف بالنسبة للجزائر المعروفة بمواقفها مع الشعوب ، كثر الحديث عن هذا الموقف الذي انتابه الكثير من النقد سواء من طرف الليبيين او من طرف الكثير من الجزائريين .
و الغريب أن يستغرب بعض الجزائريين ، خاصة البعض من ماسكي السلطة ،هجمة النقد التي وجهت للدبلوماسية الجزائرية نتيجة الموقف غير الواضح منذ بداية الأحداث .فموقف الجزائر له وزنه على الجوار و له وزنه الإقليمي و الدولي ،و يخطئ البعض حينما يقارن بين الصمت عن استقبال السعودية لبن علي و الحملة على استقبال الجزائر لعائلة القذافي ، ذلك إن الفرق ،إن لم يكن بسبب عدم مجاورة السعودية لتونس ، فلأن الموقف الجزائري لا يوازن أبدا بالموقف السعودي ، و لما كانت سياستنا الخارجية بهذا الحجم فلا شك أن تكون عثرتها كبيرة و مدوية حينما تخطئ ، خاصة و أن التبريرات المقدمة من وزارة الخارجية ، سواء منذ بداية الأحداث أو بعد حادث استقبال عائلة القذافي ، لم تكن مقنعة حتى للجزائريين أنفسهم فما بالك للمجلس الانتقالي أو للشعب الليبي و الشعوب الأخرى .
ففي بداية الأحداث العربية التزمت الجزائر الصمت رغم سلبية هذا الصمت تجاه ثورة التونسيين و المصريين من قبل و حاولت تطبيق مبدأ الحياد ، و هو مبدأ غير مقنع في مثل هذه الأحداث ،لأنها أحداث تقف فيها الشعوب المظلومة المقهورة التواقة للحرية و الانعتاق من جهة و تقف فيها أنظمة الشر و القهر و الظلم من الجهة المقابلة ، و الحياد في هذه الحالة يساوي بالضرورة بين الجلاد و الضحية ، بين الظالم و المظلوم ، بين صاحب الحق و بين مغتصبه .
و لعل اللافت للنظر في الموقف الجزائري أن صارت وزارة خارجيتنا لا تصنع أفعالا بقدر ما تخندقت لردود أفعال فحسب ، تارة تكذب و طورا تفند و مرة أخرى تبدي عدم ارتياحها من تصريح يصدر هنا أو هناك ، و الحقيقة أن دبلوماسيتنا ، التي نعرفها ، لم تعودنا على ردود الأفعال بقدر ما كانت تصنع هي المواقف في المحافل الدولية و الإقليمية. و ما الشجب و النقد للموقف الجزائري إلا إشارة واضحة إلى مثل هذه المواقف و السياسات التي عودنا العالم عليها ، و كانت دوما مفخر عزنا.
و قد كانت قمة التراجع السياسي الكبير في الموقف الجزائري ، و هو بالتأكيد ليس موقف كل الشعب الجزائري ، عدم قيام الجزائر بواجبها الإنساني تجاه الفارين من أبناء الشعب الليبي من ويلات المعارك ، وعدم استقبالهم في معسكرات اللجوء على الحدود مثلما كان الحال مع مصر أو تونس ، حيث اكتفت تقريبا بإجلاء رعاياها مع بعض الأعداد القليلة من الرعايا المصريين . و قد قتل هذا الغياب الإنساني مبرر العامل الإنساني الذي على أساسه تم تبرير استقبال عائلة القذافي ، بحيث ظهر التناقض صارخا و عميقا ، و شتان بين عدم استقبال و إيواء شيوخ و عجائز و فتيات مهددات بالاغتصاب من مرتزقة القذافي من الزنتان و الجبل الغربي و بين الترحيب بعائلة أهدرت الكثير من مقدرات الشعب الليبي . و الأمر هنا لا يعبر عن موقف غير إنساني من ابنة القذافي التي قيل أنها وضعت مولودها على حدود الجزائر بقدر ما يعبر عن حضور الجانب الإنساني مع فرد أو قلة من الأفراد و غيابه بين عشرات الآلاف الذين ذاقوا مر الجوع و العطش و الرعب .
و لقد كانت عملية استقبال عائلة القذافي خطأ استراتيجيا يصعب أن تتعافى منه الدبلوماسية الجزائرية ، اللهم إلا إذا تم الاعتراف بالمجلس الانتقالي و تهدئة النفوس من خلال تحركات و إجراءات تبرر بصدق تخوف الجزائر و تقنع المسؤولين الليبيين بخلفيات رؤيتها تلك. ذلك انه سيكلفنا الكثير، إن على مستوى امننا بالدرجة الأولى أو على مستوى عمالتنا التي تعد بعشرات الآلاف أو على مستوى سياستنا الخارجية ككل ،ناهيك عن علاقاتنا الاقتصادية و التجارية . ذلك أن الكثير من البلاد العربية تمر بمخاض و يتطلب الأمر فيها الكثير من المواقف الثابتة و الراسخة في عرف الدبلوماسية الجزائرية .
و بداية الخسارة أننا أقمنا سياجا بشريا يفوق تعداده أل 140 ألف جندي و دركي على حدودنا مع ليبيا و لكم أن تقدروا تكلفة ذلك من عتاد و محروقات و إعاشة ، خاصة لما يتعلق الأمر بشريط حدودي يفوق الألف كيلومتر و في منطقة صحراوية صعبة المسالك ووعرة المسح و التمشيط . ذلك ان الحكمة الدبلوماسية كان من المفروض ان تجنب الجزائر كل هذا و ان لا تفتح على نفسها جبهة على حدودها الشرقية و هي في غنى عن ذلك و كأنها لم تكتف بالجبهة الغربية و تبعات الموقف مع جبهة البولزاريو .
و لعل الأخطر أن يغذى التعنت فيزداد التعنت من الجهة الأخرى و تصير ليبيا معسكرا كبيرا للتدريب و السلاح بل و لكل شيء ، خاصة حينما يتعلق الأمر بحدود واسعة و مفتوحة يستعصي حتى على الأمريكيين أنفسهم و بتقنياتهم و أقمارهم الصناعية مراقبتها . و نصير في هذه الحالة كما كان العراق و إيران احدهما يدعم الشيعة و الآخر يدعم مجاهدي خلق . ذلك أن استقرار عائلة القذافي في الجزائر لا يعني بقاءها مكتوفة الأيدي و لا يعني تخليها عن طابورها الخامس الذي يسعى بالتأكيد إلى تعكير صفو الثورة الجديدة ، و قد يحسب كل ذلك على الجزائر ، حتى و إن كان هذا مستبعدا حاليا اللهم إلا اذا طرأت متغيرات جديدة ستزيد الطين بلة .
و لقد كان سهلا على الجزائر أن تعترف بالأمر الواقع و تسلم بواقعية المجلس الانتقالي و لا يهمها في ذلك من يحكم ليبيا بقدر ما يهمها قيامها بواجبها تجاه هذا الشعب و ضبطها لحدودها باتفاقيات أمنية مشتركة تعفينا كل ما لا تحمد عقباه . و هي بموقفها ذلك لا تفرض وصايتها على الشعب الليبي و لا تتدخل في شؤونه الداخلية بفرض فلان و عزل فلان و رفض التنظيم الفلاني و قبول الآخر .
فالبعض راح يشترط ، حسب بعض وسائل الإعلام ، 1ضرورة محاربة فلول القاعدة حتى يتم الاعتراف بالمجلس الانتقالي ، و هو أمر لم يشترطه حتى الأمريكان ألد أعداء القاعدة و خصومها في العالم اجمع ، و الخائضون لمعظم حروبهم في العالم لمحاربة هذا التنظيم . ثم إن الليبيين هم أصحاب الشأن و لهم الحق وحدهم في ترتيب بيتهم الداخلي و لهم مصالحهم و ارتباطاتهم مع شركات النفط العالمية أو مع دولها التي وقفت معها بالتأكيد من اجل تلك المصالح .
و يرى بعض المحللين أن الجزائر حينما تزعمت دول الساحل و الصحراء و أشركت كل من فرنسا و أمريكا لمواجهة التحديات الأمنية فان ذلك من دواعي أمنها و مصالحها فكيف لا تقبل ذلك حينما يتعلق الأمر بثورة ناشئة لدى جيرانها لازالت لم تكتمل مراحلها بعد ، و ليس من المعقول أن تفتح على نفسها جبهات داخلية ناهيك عن الجبهات الخارجية المتربصة بالنفط . ذلك أن المجلس الانتقالي لا يمكنه التنكر لجزء كبير من الثوار ذووا التوجهات الإسلامية و الذين كان لهم باع في إلحاق الهزيمة بفلول القذافي ، و هذه نقطة تشكل تحديا كبيرا للمجلس الانتقالي فهو من جهة لا يستطيع التنكر لهؤلاء و من جهة أخرى لا يستطيع تنفيذ ما يطلب منه من بعض جيرانه و الدول الواقفة معه بطائراتها و أساطيلها .
و في حال البدء في تصنيف فلول الثوار ألا يمكن أن تسقط ثورة ليبيا في مستنقع الإرهاب و يفسد معها كل شيء ؟ ألا يمكن للقذافي و أبنائه و مواليه أن يلعب على وتر الصراع الذي يمكن أن يشتعل ؟ خاصة و أن المجلس الانتقالي لازال لم يبسط حتى يده كلية على مخازن السلاح و عنابر صواريخ صام و سكود بمختلف أنواعها و أشكالها ، خاصة في ظل تقارير إعلامية تتحدث عن اختفاء المئات و ربما الآلاف من الصواريخ الروسية و الصينية .
و يضيف البعض الآخر انه كان من الأولى على الجزائر أن تعترف بالمجلس الانتقالي و أن تعرض مساعدتها التقنية ، إن كان في مقدورها ذلك ، لضبط السلاح و مراقبة الحدود إلى حين إعادة بناء مؤسسات الدولة غير الموجودة أصلا في ليبيا .
و قد كان من الممكن أن تحافظ الجزائر على مصالحها و أمنها بشكل أفضل ، من عمالة مقدرة بعشرات الآلاف ،حيث أصبح مشبوها كل جزائري يحاول الدخول إلى ليبيا على عكس المصريين و التونسيين و حتى بعض الأفارقة . ناهيك عن خسارتنا لعقود التنقيب عن النفط في حقول ليبيا الشاسعة .
إن الكثير من الأنظمة العربية صارت تحسب ألف حساب لأحداث ليبيا حتى و إن لم ترتح لثورة التونسيين و المصريين و لكل الحراك الشعبي الحاصل في المنطقة ، ذلك أن الليبيين ، و رغم فقدان الأمل فيهم حينما كانت بداياتهم دموية ، على عكس ما حصل في تونس و مصر ، قدموا نموذجا جديدا و فريدا وهو إمكانية إلحاق الهزيمة بالأنظمة الدكتاتورية بقوة السلاح .
لكن المشكلة هي أن الأنظمة في المنطقة العربية لازالت لم تع الدرس جيدا إذ لم تبد أية رغبة حقيقية في الإصلاح و التغيير رغم النصح من العدو و الصديق ، و لكم في نظام الأسد النموذج الكامل و النسخة الأصلية لكل الأنظمة التي تحتقر شعوبها و تقهرها و تجوعها و تفقرها .
.إن قادم الأيام يثبت أن علاقات الشعب الجزائري بأخيه الليبي هي أعمق و كبر من أن يعكر صفوها حاث عابر أو تصريح غير مسؤول أو تسلل طائش ، و قد بدت مؤشرات شبه انفراج من خلال رفض السلطات الجزائرية إيواء و استقبال بعض ضباط و مسؤولي القذافي ، و هو توجه يصب في الاتجاه الصحيح ، ذلك أن هناك فرق بين معارض يطلب اللجوء السياسي أو مجموعة من الشعب اضطرتها ظروف الحرب إلى الاحتماء بالحدود و بين أشخاص تلوثت أيديهم بدماء شعبهم و لم يكتفوا بذلك بل سرقوا أمواله و مقدراته و استباحوا فعل أي شيء فيه .
و لتكن العلاقة الوطيدة مع الشعوب و ليس مع الأنظمة لأنها باقية و هذه الأخيرة زائلة . و الذي يعتبر يجب أن يبدأ بإصلاح نفسه قبل أن يجبره شعبه على التغيير ، ذلك أن الشعوب العربية الآن تمر بمرحلة تكريس إرادة الشعب مثلما مرت بمرحلة محاربة المستعمر في القرن الماضي . و لا شيء يحفظ الأوطان و المجتمعات سوى تمتين خطوط الجبهة الداخلية التي تتطلب العدل و المساواة أمام القانون و تقسيم الثروة الوطنية على الجميع لا أن يحصل الثلث الحاكم على كل مقدرات الأمة ، و الأكثر من ذلك أن يصير حكم البلاد إلى أيد وطنية مخلصة يكون اختيارها اختيارا حرا و نزيها يرتاح فيه الشعب إلى من ولاهم أمره و ائتمنهم على مقدراته ووثق فيهم .
عندها فقط لا يخشى من قطر و لا من الجزيرة و لا من أي كلام آخر . و قبل أن نصب جام غضبنا على الجزيرة أليس من المعقول و الأولى أن نتساءل عن تلفزتنا و عن جيش المتشدقين الذي لا يستطيع إنتاج سكاتش من عشر دقائق و حتى و إن حدث و حصل ذلك فلا شك أن مدة الجنريك أطول من مدة الحصة أو المسلسل أو السكاتش ؟
أما عن قطر فيكفيها أن صارت معولا يغير العالم و تخشاها الكثير من الأنظمة و هي دولة مجهرية بمساحتها و شعبها و لكنها كبرت بسياستها و ساستها و ليس بخوفها او تخوفها .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح