النفاق .. والمسلمون! / قاسم حسين صالح / ا. د. قاسم حسين صالح


النفاق .. والمسلمون! /ا. د. قاسم حسين صالح


يعدّ الاسلام اكثر الاديان تنبيها الى الابتعاد عن النفاق والتحذير منه، اذ خصّه بسورة كاملة في القرآن الكريم بعنوان (المنافقون)، فضلا عن ثلاث آيات في سورة النساء،


اذ بشّر المنافقين، في الأولى، بعذاب أليم (بشر المنافقين بأن لهم عذابا اليما- 138) وساوى في الثانية بين المنافقين والكافرين (ان الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا- 140)، ووضع المنافقين، في الآية الثالثة في الدرك الاسفل من جهنم (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا- 145).ووصف سلوك المنافق في آية بسورة البقرة:(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام -204)، وكان المقصود به " الأخنس بن شريق "..فقد كان هذا الرجل حلو اللسان عذب المنطق معسول الكلام، وكان اذا لقي النبي محمد (ص)اغدق عليه بكلمات الحب والمودّة والاطراء وانه مسلم .وكانت له عبارة، أصبحت فيما بعد شائعة التداول بين المنافقين ودالة عليهم، يختم بها كلامه :" يعلم الله اني صادق"، فيما حقيقته عكس ذلك وأنه " ألدّ الخصام ". ولهذا قيل بالمنافق في الدين هو من ستر كفره وأظهر ايمانه..ثم صار النفاق يعني أن ما يبديه المنافق هو مباين لما في مخبره، وظاهره متقلّب ومناقض لما يضمره، وأنه يكون بوجهين، وفي هذا يقول النبي محمد :"ما ينبغي لذي الوجهين ان يكون أمينا"..وحدد صفات المنافق بثلاث::( آية المنافق ثلاث:اذا حدّث كذب واذا وعد أخلف واذا أؤتمن خان).

ومع كل هذه التحذيرات الصريحة والوصف القبيح للمنافق وأنه يلقى في الآخرة بجهنم، فأن المسلمين من اكثر شعوب الأرض ممارسة للنفاق والسبب هو ان السلطة التي حكمتنا مئات السنين كانت ظالمة.. مخيفة.. مرعبة، اضطرت فريق من الناس ان يتفادى بطشها باظهار الولاء واخفاء الكره لها. ومن هذا الفريق ظهر اشخاص طمعوا في منصب بالسلطة وامتيازات بالثروة (اجادوا) لعبة النفاق بأن جعلوا من الحاكم الدكتاتور شخصية كارزمية..استثنائية، يتوجب على الناس طاعتها والقبول بها والرضا عنها.وكان اخطر هؤلاء المنافين اولئك الذين احتلوا وسائل الاعلام لا سيما رؤساء تحرير الصحف والفضائيات والاذاعات وكتّاب المقالات والبرامج السياسية.

والواقع ان هؤلاء تحملوا خطيئة كبرى بحق الوطن والناس لأنهم اسهموا في صناعة الدكتاتور، ليس فقط بتبرير اخطاءه وجرائمه بل تعظيمه ورفعه الى مكان فوق الناس وقريب من السماء تبين بعدها انه احط خلق الله خلقا وسلوكا..فضلا عن أنهم أشاعوا بين الناس فكرة أن الشاطر هو من ينافق..وقد تقبلوها، لأن سيكولوجيا الحاجة الى البقاء تبرر كل الوسائل في المجتمعات غير المستقرة..وأغلبها اسلامية!.

لقد انتهى زمن الدكتاتور الفرد، لكن زمن المنافقين لن ينتهي ما دام هنالك معممون وأصحاب لحى يشرعنون النفاق دينيا بطريقة مشابهة لشرعنة الفساد على مستوى سلطة واحزاب وكتل سياسية، وما دامت هنالك ثروات هائلة وخوف من المستقبل يلّح على صاحبه انتهاز الفرصة..وقد أمن العقاب في الدنيا وسيضمن عقاب الآخرة ايضا بحج بيت الله الحرام، مع أنه ذهب اليه بمال حرام!..فالله، في يقينه، غفور رحيم ..حتى لو كان لشيخ الفاسدين وعميد المنافقين.ما دام قد حجّ واستغفر!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

حوار الخامات وولادة الأثر، قراءة في تجربة سامي بن عامر / رياض بنالحاج أحمد: باحث جامعي