بلاغة العفوية في أعمال الفنان المغربي نورالدين ماضران/ الفنان الكبير المربي محمد سعود

الفنان الكبير المغاربي محمد سعود

بلاغة العفوية في أعمال الفنان المغربي نورالدين ماضران / الفنان الكبير المربي محمد سعود


عرضت جمعية ابركان للثقافة والتراث في إطار أنشطتها الرمضانية وحفظ ذاكرة المدينة مجموعة من اللوحات في شارع محمد الخامس للفنان المغربي نورالدين ماضران لخلق علاقة بين الفنان والمتلقي الذي لا يكون في نيته زيارة المعرض ،،وبالتالي تكسير علاقة اللوحة بجدران الأروقة ،،لان علاقة المتلقي باللوحة تبقى شبه منعدمة رغم كثرة المعارض التي احتضنتها صالات العرض , كما أن الجمعية سعت إلى التعريف بأحد أبناء المدينة الذين لهم إشعاع وطني في الفنون التشكيلية وتقديم التجربة التي راكمها مدة طويلة في الحقل الفني وتقديمها لأبناء مدينته الأصلية ,
لم أكن اترك الفرصة تمر وأنا في زيارة قصيرة للمدينة دون أن أشاهد أعمال الفنان نورالدين ماضران ،هذا الفنان المهووس بالتجريب ،، والمولع بالإنشاءات الجمالية والمشاهد الفنية المجسدة ،، وقد أتيحت لي الفرصة في نهاية التسعينيات أن أرى مشهدا فنيا مصورا يجمع بين التعبير الجسدي والإنشاءات الجمالية ، حيث يتم اختراق مجسمات كرتونية بحركات جسدية رشيقة لا تخلو من تعابير فنية يتناوب عليها الفنان مع الفنانة الانجليزية ساندرا ولييم، وبذلك شكل إحدى الثنائيات التي أصبحت سمة في أعماله الفنية، وكل من شاهد عرضه "قيس وليلى" سيلاحظ ثنائيات الذكر والأنثى ،إضافة إلى النور والعتمة ،، و هذا العرض الذي يمتزج فيها الرقص التعبيري "الكوريغراف" ، والموسيقى والتشكيل يعتبر الشذرات الأولى لتأسيس ما يطلق عليه" فن الفيديو" في المغرب .وللأمانة التاريخية والفنية فإن مشاهدتي للعرض كان قبل عدة سنوات من ظهور محترف فن الفيديو بكلية الآداب بابن مسيك (جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء) التي كان لها الفضل الكبير في التعريف بهذا الفن ونشره على الصعيد الوطني.
وفي المعرض الذي تم افتتاحه يوم 16 غشت بحضور الكثير من الأدباء والفنانين والمثقفين قدم الفنان نور الدين ماضران لوحات متنوعة تختزل رحلة الفنان في ثلاث مراحل كبرى ، المرحلة الأولى كانت بداية نضجه الفني بعد عودته من فرنسا ، و جل أعماله ترتبط بطائر وهمي أو بطيور مجتمعة ومتراصة تتحاور في مابينها وكأنها تحلق بك في عالم الشاعر الفارسي " فريد الدين العطار" في كتابه "منطق الطير" ، والمرحلة الثانية الاشتغال تارة على الجسد وتارة أخرى على العلامة ، والمرحلة الثالثة جلها يجسد الفن الحركي ،، حيث تكون اللمسة الفنية مباشرة وغير معدة سلفا ،، مما يجسد انفعالات الفنان بكل تلقائية ،،وتتشكل هذه اللمسات من خطوط عريضة تشغل حيزا مهما من بياض اللوحات الذي يبقى الخلفية المفضلة لهذه الحركات التلقائية وكأنه يجسد صراعا بين الكتلة والفراغ ، و يلجأ الفنان دون وعي ولا شعوريا إلى تحييدها مما ينزع عنها قوة التأثير في الخطوط البارزة ،،كما أن تجربته الطويلة التي تمتد إلى ما يقرب من ثلاثين سنة جعلت من هذه الخطوط كتلا متوازنة ذات مفعول بهي في عيون المتلقي ، وكان اللون المنتقى لهذه الأعمال يميل إلى لون الحناء ،، هذا اللون الذي لازم الفنان لسنين طويلة ،، هو لون أنثوي بامتياز يحمل دلالات عميقة مرتبطة أصلا بعالم الحنو وعلاقة الفنان بهذا العنصر ،، ولاشك أن فقدان الفنان لوالدته وهو في الغربة كان له تأثير في ميول الفنان نورالدين ماضران إلى هذا اللون بالذات ،،ويعتقد الكثيرون ان لون الحناء مرتبط فقط بحالة الفرح، لكنه في الثقافة الشعبية ارتبط أيضا بالموت الذي لاعلاقة بنوع من التشفي ،وبالأضاحي أيضا .
وتبقى جل الأعمال التي قدمها الفنان في هذا المعرض خاصة التي أنجزها مؤخرا ، تجسد فنا حركيا من التجريد التعبيري يطلق فيه الفنان لفرشاته لتبحر في عالم اللوحة بحرية مطلقة وتخلق فضاءات تتراقص فيها الخطوط لتؤثث علاقات في ما بينها دون أن تتحول إلى خربشات عشوائية وإن كانت عفوية .ودون أن تقترب من الفن الحركي الذي يعتمد على تكرار المفردات الهندسية ،،

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

حوار الخامات وولادة الأثر، قراءة في تجربة سامي بن عامر / رياض بنالحاج أحمد: باحث جامعي