(( تجوع الحرّة ولا تأكل...))
بقلم : الميلود شويحة
إنّ انتصــار طيران "النيتو" على الحكومــة اللّيبية كان متوقعا بل إنّه تأخّــر كثيرا لأسبـــاب سيكشفها التّــــاريخ ..فمن المعروف أن سلاح الجوّ سلاح حــاسم في المعارك المتكافئة فما بالك بالسّيطرة التّامّـة للعدوّ على الجوّ وفي غياب حتّى مضادات أرضيّة. فلا أحد كان ينتظر معجزة تنقذ القذافي إلا معمّـر القذافي القــائد وملك الملوك الّذي ظلّ ينتظر زحف أمم الأرض، وممالكه الإفريقيّة لتخليصه‼
عندما اندلعت الثّورات العربيّة كنّا من المؤيّدين لهذه الوثبة الشّعبيّة ضدّ الظّلم والطّغيان. فضربت لنا تونس أروع مثال على انتصـار الإرادة الشعبيّة، ثمّ كانت مصر بشباب ميدان التّحريـر تخطف الإعجــاب والانبهار بمنهجها السّلمي المتحضّر وطريقتها العقلانية الملتزمة - رغم أنّها حركة ثوريّة - في تحقيق أهدافــها وقد أفضت الثورتــان إلى ما أفضتـا إليه اليوم... ثم جاءت الثّورة اللّيبيّـــة ضدّ أقدم حاكم أحمق ومتعجرف على وجـــه الأرض! وكنّا لها من المؤيّديـــن سيرا على المبدأ في تأييد إرادة الشّعوب إلى أن تمّ اغتصاب الثّورة من طرف عصابة انتظرت طويلا استــلام الحكم من القذافي ولمّا طـال عليهم الأمد ورأوا أنّه بعد أن تمتع لوحده بالحكم أربعين سنة وحـــرم منه رفــاق الأمس يستعد إلى توريــثه لابنه وابنته، بـاعوا أنفسهم للشيطان بتحالفهم مع أخبث قوى الاستعمار بما فيها الايطالي مستعمر الأمس الذي قاومه الشّهيد الرّمــز "عمر المختار" حتّى استشهد على يديه في ميدان الشّرف، ولقد جلبت هذه العصابـة مع المتربّص بالدّيار العارَ والدّمارَ للمنطقة وورّثت العداوات والأحقــاد في الدّاخل بهتك النّسيج الاجتماعي، وفي الجوار من خلال محاولة نقل الصّــراع الدّموي في عدّة مرّات إلى الأراضي التّونسيّة، ثمّ المجاهرة بالعداء للجزائر بسيل من الاتّهامات الزّائفة.. واليوم وقد استولى "النّيتو" على ليبيا فإنّنا نقدّم عزاءنا للشّعب اللّيبي المختطف الذي تخلّص من طغيان القـذافي وعائلته ليجد نفسه مطيّة "للنّيتو" وعملائه جماعة المجلـــس الانتقــالي. ولكنّنا سنظل متضامنين مع شعبنا الغيور في ليبيا والّذي لن يرضى الأكل إلّا بيديـــه فالشّعــــب اللّيـــــــبي يعــــرف معــــنى قـــولهم: (( تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها ))
أنا في حـــزن كوني لا أقدر على تقديم التّهاني الصّادقة للشعب اللّيبي، ذلك أنّي لا أملـــك غيرها رغـــــم أنّ البعض متعدد الألوان والأزياء كالحرباء! فأنا على غرار الكثير من الإخوة العرب والمسلمين نــأنف كما كان يأنف الأجداد أن نأكل في وعاء ولغ فيه الأعــــداء حتّى إنّ الشّيخ العلّامة الجزائري عبد الحميد بن باديس كان يأبى أن يقول كلمة "لا إله إلا الله "وهي أشرف كلمة إذا كانت تلقيـــنا من فم فرنسا كما قال عن نفسه يرحمه الله. ثمّ معرفتنا بما كان عليه موقف علمــاء الشّام الفطاحل ومنهم العلّامة أحمد شاكر من التّعامل مع العدو والّذي أفتــى بحرمــة التّعامل مع الإنجليز- في زمنه - تحت أيّ مبرّر. ثمّ فتـــاوى علماء ومواقف أشـــراف جزيـــرة العـــرب اليـوم من التّواجد الأمريكي ولو بغرض الحماية..فماذا تراه يكون موقف كل شريــف وهو يرى اجتماع ثلاثتهم في ليبيا‼ هذا ولا أريد أن أعطي لموقفي صبغة دينيّة رغم احترامي الطّبيعي لرأي الدّين ولكنّي أريد تقييم الموقف بنظرتي الشّخصية التي لم تأت من فراغ ولا يمكن أن تكون نظرة أيّ أحد غيري إلى نفس الوضع من فراغ كذلك وإن كانت في الاتّجاه المعاكس.
كنت شخصيّا في مقالات سابقــة منشورة هنا في مجلّة أصوات الشّمال تناولت الوضع في الأراضي اللّيبيّـــة الحبيبة صببت فيها جمّ غضبي بالتّساوي على القذافي وعلى جماعة وزيره للعدل المتمرّد في بنغـازي مصطفى عبد الجليل وزميله الآخر المغدور به مؤخرا وزير الدّاخليّة المتمرّد.. وبقيّة سفراء القــذافي وعلى رأسهم "شلقم" وبعض الموظّفين السّاميـن، ثمّ طابور عملاء المخابرات الأجنبيّة الّذين تربّو في أحضانها ولا يعرف عنهم الشّعب اللّيبي ولا المتبجّحـــون بالدّفاع عن الشّعب اللّيبي شيئا وهـــؤلاء هم الأغلبيّة النّـــافذة. وأمّا بعض النّزهاء في المجلس فهم كقطعة الجبن في الفخّ. وأمّا بعض فئـــات الشعــب التي آزرت هذه "العملية" فهي ممّن جرفتهم سيول الحميّة القبليّة أو الأماني الكاذبة.
إنّ انتصار طيران "النيتو" على الحكومــة اللّيبية كان متوقعا بل إنّه تأخّركثيرا لأسباب سيكشفها التّــــاريخ ..فمن المعروف أن سلاح الجوّ سلاح حاسم في المعارك المتكافئة فما بالك بالسّيطرة التّامّـة للعدوّ على الجوّ وفي غيــاب حتّى مضادات أرضيّة. فلا أحد كان ينتظر معجزة تنقذ القذافي إلا معمّـر القذافي القائد وملك الملوك الّذي ظلّ ينتظر زحف أمم الأرض، وممالكه الإفريقيّة لتخليصه‼
إنّ إيمانا بأنّ إرادة الشّعوب لا تقهر، لا يساويه إلا إيماننا بأن ما بُني على باطل فهو باطل. وما يسمى (انتصـار الثّورة في ليبيا) هو انتصار مزيّف وسيسقط عمّا قريب، نقول ذلك بكل ثقّة وستثبت الأيّام ذلك إذ أنّه لا بدّ من تصحيح الأوضاع، ولا نقصد بذلك عودة القذافي وأزلامه إلى الحكم، بل حركة تصحيحيّة من داخل "العمليّـة" نفسها تضع القطار على السّكة.
إنّ من المؤشــرات على أنّ هذه العمليّـــة الّتي تسمّى "ثورة " تحتاج إلى تصحيح.. هو احتضان وتقبيــــــل العلم الأمريكي وإنزال علم الدولة اللّيبيّــة الأخضر والدوس عليه في يوم الدّخول إلى طرابلس. هذه الصّورة التي بثّتها الكثير من القنوات الفضائية على مدار الأيّام الماضيّة. وإن كان مغزاها يبدو بسيطا في نظر البعض إلا أنّه اختصار جامع مانع لكثير من التّحليلات والدّراسات الّتي تذهب في كل اتّجاه، وعلامــــة واضحة على طبيعــة هذه "العمليّـــة" الّتي دامت ستّة أشهر في ليبيا. ولا يعقل أن يلومني أيّ غيور على اتخاذ هذه اللّقطة المصوّرة لأحد الأفراد يقبّل العلم الأمريكي ذريعة للطّعن في هذه (الثورة)؟ بل إنّ كل شريـــف سيرى في هذه اللّقطة ما رأيت...
قد يبدو كلامي عن عملية ليبيا خروجا عن الأجواء الاحتفالية المرتبطة بهذا الحدث "المسجّل" والّذي يطبّل له الكثيرون، وهؤلاء المطبّلون هم الذين نملك الحقّ كل الحقّ في مناظرتهم بما توفّر لدينا من معطيات قوَّت قنـاعاتنا حيال ما وقع، وإيماننا بما سيقع في ليبيا العزيــزة بل زادت قناعتنا رسوخا بخطأ مسعاهم بعد السّماح لهم أخيـــرا بدخول طرابلس تحت حمايـة طيران "النّيتو"!
وأمّا مسألـة مسارعة بعض الدّول والمنظّمات الإقليمية الكبرى إلى الاعتراف بالمجلس الانتقــالي وهو إجـــــراء أراه يتماشى مع القوانين والأعراف الدوليّة فإنّه لا يزعج الغيورين على المصالح الحقيقية للشّعب اللّيبي، ولا المتضامنين الحقيقييــن معه. فالعلاقات الدوليّــــة تحكمها المصالح وليس المبـــادئ. إلّا عند حكومتنا نحن في الجزائر التي تـأخرت في الاعتراف بهذا المجلس! إنّــني لا أتنــاقض مع نفسي كمواطن أستوعــب المنطق السّائد في عالمنا إذا قلت أنّ المطلوب في إطار ثقافة الدّولة الّتي يجب أن تتحلّى بها حكومتنا هو الاعتراف بالمجلس الانتقالي فورا. وإنّني من موقعي هذا كمواطن بسيط أدعو حكومة بلادي إلى التعامل مع هذا الكيـــان الذي نصّب نفسه حــاكما للشّعب اللّيبي. فتعاملنا بالمبـــادئ يكون مع الذي لا يتعامل بالمصالح. وفي نفس الوقــــت أتمنّى أن يطوي هذا المجلس الانتقــالي صفحة الاتّهامات التي كالها للجزائــر نهائيا ويجــدّد العلاقـــة مع الدّولــة الجزائريّـــة الجــار الكبيـــر والمهمّ في المنطقــة وفي الموازيــــــن الجيوستراتيجية العالميّة الّتي تخدم كل الأطراف.
http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=२०७०९
تعليقات
إرسال تعليق