هل يوحد الربيع العربي مطالعنا / مريم التيجي


هل يوحد الربيع العربي مطالعنا / مريم التيجي

ترى هل توحد الثورات مطالعنا؟ سؤال قفز إلى ذهني عندما قال أحد الليبيين: لأول مرة منذ أكثر من أربعين سنة نصوم مع بقية المسلمين..


ليس القذافي وحده من كان ينشد التميز في مطالع الشهور القمرية وإن كان يبالغ قليلا، فقد كانت ولا تزال المناسبات الدينية في المغرب تشعرنا بحرج شديد، ومنذ السنوات الأولى لصيامي لم أستطع أن أستوعب كيف يرى أشقاؤنا في الجزائر مطلع هلال شهر رمضان وهم لا يبعدون عنا الا ببضعة أمتار، ويظهر الهلال أحيانا لجيراننا في الجنوب في موريتانيا بينما مناظير أوقافنا لا تستطيع ان تقتفي أثر الهلال إلا في اليوم الموالي،

وبدا جليا ان الأمر لا علاقة له بما يحدث في السماء بقدر ما هو مرتبط بما يحدث في عالم السياسة عندما بدأ الجزائريون على غير عادتهم وبعد صعود نجم الاسلاميين يرون الهلال قبل التونسيين الذين كانوا يفضلون أن يغمضوا أعينهم الى أن يطل الهلال على المغرب في مفارقة يصعب أن يقبلها العقل، وطالما تساءلنا كيف يظهر هذا الهلال فوق التراب الجزائري قافزا فوق تونس دون أن يرى؟

ورغم ان المسؤولين عندنا يراهنون كثيرا على سذاجة المواطنين إلا أنني طالما سمعت المسنين يرددون في كل رمضان "ذنوبنا عليهم"ولم يكن بعضهم يتردد بعد إعلان رؤية الهلال "الله يسمح لينا وخلاص، هذا راه ماشي ولد اليوم"كان في مرات يبدو جليا للعين المجردة أن الهلال الذي نصوم لرؤيته أكبر مما يجب ، لكننا لا نملك الا نصوم ونفطر ونعيد وفقا لقرار وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية

يقودني الحديث عن المطالع إلى ذكريات أيام الجامعة، عندم قررت مجموعة من الشباب أن تتمرد على قرارات الوزارة وأن تصوم ا وفق تقويم يقنعها أكثر، لكن تلك المبادرات لم تستمر طويلا، بحكم أنها سقطت في مفارقة أخرى ففي الوقت الذي كانت تدعو للوحدة بين المسلمين بتوحيد المطالع وجدت نفسها تخرق وحدة المجتمع، فيكون أول أيام الصيام قبل عامة الناس في المغرب والافطار قبلهم أيضا مما تسبب في إحراج انتهى الى الاستسلام دون اقتناع للتقويم الرسمي وانضموا إلى المرددين "ذنوبنا عليهم"

وفي محاولة لفهم هذه الظاهرة الغريبة التي تتنافى مع منطق العقل ومنطق العلم أتذكر بعض التفسيرات الطريفة التي اجتهدنا في تفصيلها في ساحات الجامعة، ولعل من أطرفها ذلك التفسير الذي يذهب الى أن المسألة لها جذور تاريخية تعود الى أيام الخلافة التي لم يعترف بها المغرب يوما في وقت كان ملك المغرب يعتبر نفسه خليفة للمسلمين شأنه لا يقل عن شأن خليفة المشرق، ومن هذا المنطلق لا تزال المملكة المغربية تصر على التميز وعلى ألا تكون تابعة أو مجرد رقم في حساب المشرق خصوصا في المسائل الدينية

ولعل القدافي ملك الملوك كان يصدر من نفس المنطق، فكل حكامنا كانوا يتمسكون بالتميز مهما كان الثمن

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم ترى هل سينهي الربيع العربي عبث الزعماء العرب؟ هل ستجد الدعوات المطالبة باعتماد المناهج العلمية الدقيقة في تحديد مطالع الشهور القمرية صداها؟ هل سيتعامل النظام المغربي بذكاء مع هذه المسألة الحساسة وينهي لعبة الغميضة مع الأهلة؟

ليست هذه سوى جزئية بسيطة تثير الانتباه الى أن ما ستغيره الثورات العربية أكبر من الكراسي وأعمق من نظام الحكم في المجتمعات العربية

وكل ربيع وأنتم بخير


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

حوار الخامات وولادة الأثر، قراءة في تجربة سامي بن عامر / رياض بنالحاج أحمد: باحث جامعي