لوحة ورسّام / سعود الأسدي
لوحة ورسّام / سعود الأسدي
سعود الاسدي
إهداء إلى علم الثقافة العالمية والمعرفة الموسوعية الإنسانية البحّاثة الأثير
الأستاذ الكبير الدكتور محسن العوني مع محبتي واحترامي وإخلاصي
توطئة: الشعراء والرسامون والموسيقيون وسائر المبدعين وإن اختلفوا في أمزجتهم وأدواتهم في التعبير ومقدراتهم ونظراتهم الفلسفية إلى الحياة فهم يجمعهم الدافع العام الداخلي في نفوسهم للتعبير عن خلجاتها من خلال رشحات القلم، أو ضربات الريشة بالألوان، أو التوافق النغمي في الأوتار. كما أن النفوس البشرية كالنجوم تحب أن تدور في فلك التناغم من خلال التالف بين الكلمة والوزن والصورة الشعرية، وكذلك هي تعشق إرتعاشات النغم في التعبير الموسيقي، وإنسجام الألوان بأضوائها في اللوحات والرسوم .
ويبدو أن العين تتّفق مع الأذن في تغذية النفس والجسد بعشق المناظر الطبيعية والتراكيب اللحنية، على أن الجمال الذي تعكسه اللوحات هو أدهش من الطبيعة وأروع، لأن هناك في داخلها حركة تعبيرية تصل من مبدعها ومتلقيها وكل على قدر استعداده وموهبته، لهذا أرى من خلال " لوحة ورسام " ضرورة أن ندخل في روعنا ومداركنا وتصوراتنا أشياء من موحيات الرسم، وهي لا شك غريزة بالسليقة والفطرة ولسنا بحاجة إلى الرجوع إلى تاريخ الرسم والرسامين في ترتيب زمني أو مدرسي أو مهني نقدي، ولكن يكفي أن نقطف من هنا وهناك ما يكون في متناول اليد مع كلمة قصيرة عن الرسام، أو مدرسته في الرسم وعن لوحاته وما أشبه.
إن لوحات الرسم في أكثرها محفوظة في المتاحف والمعارض عند الأمم والشعوب وهما جزء من معالم حضارة الأمة وثقافتها، على أن هناك لوحات كثيرة عند عشّاقها وهواة جمعها، يزينون بها جدران بيوتهم أو يتاجرون بها بيعًا وشراءَ، واللوحات الأصلية لكبار الرسامين غالية الثمن جدًا، وهي مؤمنة لدى كبريات شركات التأمين من السرقة والحريق الخ .. وربّ لوحة الآن ثمينة وذات مغزى كانت في زمن صاحبها من سقط المتاع !
يروى أن الرسام الهولندي فينسنت فان جوخ أتى مرة ليأكل في مطعم، وكان خالي الوفاض من النقود وعندما جلس إلى الطاولة كالحزين الرزين تناول ورقة ما وأخذ يشحبر عليها خطوطًا ولما جاء الجارسون ابتسم له فان جوخ فردّ الجارسون له الإبتسامة بأحسن منها، ولكن عندما قدم فاتورة حساب الوجبة إعتذر له فان جوخ بعد أن ضرب بيده على جيبه بأن لا نقود لديه، ويشرّفه أن يقدم له الورقة التي شحبر عليها موقعةً بإسمه فنظر إلية الجارسون شزرًا وقال له :" إنقع ورقتك واشرب ماءها !"
لقد شعر فان جوخ بإهانة الفقر مشفوعة بإهانة الجرسون له، فقام لتوّه يحمل حاله، ويمشي في الشارع كالمسطول وبيده الرسمة التي ما لبثت أن صار لها شان وشنشان والتي لو وعى الجارسون وانتبه لها ولصاحبها لأصاب من ورائها على الأقل ذكرى إن لم يصب ربحا وفيرا.
إن فان جوخ هولندي (1853- 1890) ويمثل هو وبول سيزان الفرنسي (1839-1906) مرحلة ما بعد التأثيرية من تعبيرية رومنتيكية . وحياة فان جوخ فيها كثير من الفشل على الصعيد الشخصي، فشل في الحب، وفشل في العمل، وفشل في العلاقة مع الناس بسبب غرابة أطواره.. ولقد عاش في خوف وقلق ووحشة يعتصره الألم حتى أفضت به حياة كهذه إلى الجنون، ولم يكن مستهجنا عنه أن يَصْلِم اذنه ويقدمها ملفوفة بمنديل إلى حبيبته عندما قال لها في إحدى ثورات غضبه لكي يثبت حبه الشديد لها : ماذا تريدين مني؟! فقالت: أذنك!
تعرّف فان خوخ إلى كثير من الرسامين عندما جعل من باريس مرتعا له، ومنهم جوجان الذي شاطره سكنى غرفته، وكانا يختلفان كثيرًا ويتشاجران ولكم إرتاع من جوجان عندما أقسم فان جوخ ليقتلنه !
وفي الاخير اُدخل فان خوج إلى مستشفى للأمراض العقلية وبعد مدة من خروجه منه وضع حدًا لحياته مبقيًا ورائه مجموعة كبيرة من اللوحات تقف عندها البشرية مذهولة لأن صاحبها عبقري وله كلمة شهيرة يقول فيها :"أنا لا أرسم لاعبر عن نفسي فقط بل لأدخل الفرح إلى القلوب " ومن أشهر لوحاته " زهرات عبّاد الشمس "، ولكن لوحته" آكلو البطاطا " أقرب إلى النفس بواقعيتها، وهي تصور عائلة ريفية فلاحية تجتمع على مائدة من البطاطا / طعامها الوحيد / وكان فان جوخ قد قضى سبع سنوات بين عمّال المناجم الفلمنكين والفلاحين الهولنديين وهو يرقب ويرسم رسوما وتخطيطات حتى توفّق في لوحة " اكلو البطاطا "، وكان قد أعطى شرحا لها في رسالة إلى شقيقه " ثيو " ليؤكّد أن هؤلاء الناس الذين يأكلون بايديهم الشثنة الخشنة بطاطتهم التي وضعوها على طبق وعلى ضوء قنديلهم، وانهم كانوا قد نكشوا الأرض بمعاولهم ليستخرجوا منها طعامهم بعرق جبينهم، وأن ما تنطق به هذه اللوحة خاصة من خلال نظراتهم المشتّتة ووجوهم الدائرة في فراغ يؤكّد أيضًا توجه فان جوخ الجادّ للموضوع، ولا يخفى شعوره بالتماثل مع الفلاحين في حيواتهم البسيطة .. لقد استثار فان جوخ بهذه اللوحة تلك الحالة من خلال لون التراب المعتم والظلال الغامضة، والتجاعيد الكثيفة، والكلال الذي يشدّ كل شخص إلى مقعده بجانب الطاولة بهدوء بينما ضوء المصباح المنعكس بحدة على الطبق الذي بين أيديهم ليشملهم ويضمّهم إليه بعزائة لهم يقوم بتلطيف مظهرهم الخشبي الخشن كما يبدّد العتمة التي يغرقون فيها !
كان الرسام فان جوخ رساما متميزًا وله لوحة شهيرة لا تغيب عن ذاكرة رائيها وهي صورة ذاتية يبدو فيها مضمدًا عندما قطش أذنه لحبيبته كما سبقت الإشارة، وهي قمة تراجيدية من قممه، وهناك من يروي أن حادثة قطع أذنه كانت بسبب شجاره مع صديقه، وقد اسف له وعاقب نفسه بقطع اذنه ارضاء لصديقه، واصلاحًا لذات البين معه !
كما يقال إن حادثة الرسمة التي في المطعم كانت في الصحن الذي أكل فيه فان جوخ فاشتهر المطعم وصار الصحن تحفة ثمينة لا تُقدّر بثمن !
أستاذي الأجل الناقد المحترم الأستاذ سعود الأسدي لو كان كل النقاد العرب يضربون المثل بالنضج ،النباهة والحضور الفني لدى الفنان المفكر الغربي كنماذج انسانية وتجارب حياتية لا غير ...كنا قد تخلصنا من استنساخ صورنا منهم ووضعنا قواعد لرسم حالنا والوقوف عندها لاصلاح ما فيها من عيوب ،هذه التي استهلكت وصنعت منا اليوم أقبح نموذج وصورة تتكرر...
ردحذفدمت ودام حضور قلمك.../ بوكرش محمد محراب التشكيل العربي
نعم فان غوغ فنان كبير ورائد و يكاد يجمع أهل الفن التشكيلي على ذلك ..لكن ..
ردحذفنحن نعيش إشكالية كبيرة جدا حول تذوق الأعمال الرائدة الغربية والأوروبية ..وهي المبالغة في استدعاء الادعاء بفهم قيمة عمل أو أعمال كأعمال فان غوغ ..خاصة وأن الذوق الجمعي لا يعبأ في حقيقته بالتنوع الأسلوبي التشكيلي ..وتوحده حول المحاكاة التامة وحول كل ما يهب فكرة كاملة عن قدرة المحاكاة والقدرة على استدعاء الجمال المطابق لما هو عليه الموضو ع في الواقع ...
هناك فكرة لا ينفيها حتى بعض مفكري الغرب ومنهم إيتيان سوريو أن الأعمال التشكيلية تأخذ قيمتها من المادة والتاريخ معا ..وأقصد بالمادة المال ...لذلك فتراث الأمم الأخرى -وخاصة الإسلامية والعربية- الروحي و ذائقتها المتميزة والمختلفة لا تتفق مع القول بأن عمل كعمل فان غوغ يمثل رمزا تشكيليا لها ..لانتفاء الثقافة التشكيلية الحديثة وانتفاء الالتقاء بين شطي الأبيض المتوسط ...
مجرد وجهة نظر ...