شاورما الضب !! / عزيزة المانع



شاورما الضب !!


عزيزة المانع


يرتبط الصيف في أذهان كثير منا بانتهاء الموسم الدراسي وابتداء الإجازات وما يصحبها من متعة وكسل وتحرر من التقيد بالأعمال والمسئوليات، لكن الصيف في أذهان الشعراء العرب القدامى ارتبط بأمر آخر مختلف تماما، فالصيف كما يقول الجاحظ في الحيوان ارتبط ذكره عند شعراء العرب بذكر الضب!! فصيد الضب وتناول لحمه هو ثقافة عربية قديمة وليس من محدثات أبناء هذا الزمان.
وصيادو الضباب لا يحتاجون بنادق ولا كلابا تعينهم على صيده، كل ما يحتاجونه قرب ماء يسكبونها داخل جحر الضب، فيضطر للخروج من الجحر لأن الضب لا يرد الماء. لكن هذا لا يعني أن كل العرب كانوا يأكلون الضب، فمنهم من كان يكره أكله وينفر منه، وقد تعرض بعضهم للهجاء لأنه أطعم ضيفه ضبا «وتطعم ضيفك الجوعان ضبا ،، وتأكل دونه تمرا بزبد»، ومن الطريف أن الذين يأكلون الضب يتهمون من ينتقدهم على أكله بأنه فارسي الأصل، فالفرس هم الذين يكرهون أكل الضب، وفي ذلك يقول أحدهم :


فلولا أن أصلك فارسي ،، لما عبت الضباب ومن قراها
قريت الضيف من حبي كشاها ،، وأي لوية إلا كشاها
والكشى «العكرة» واللوية «الطعم الطيب». ويبدو أن التغزل بطعم العكرة قديم: «وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ،، لما تركت الضب يسعى بالواد» 
كان أهل عنيزة من الفريق الذي يحب أكل الضب، ولا أدري إن كانوا لا يزالون !! فلحمه عندهم أطيب من السمك والبقول، وقد أقسم على ذلك شاعرهم :
لعمري لضب بالعنيزة صائف ،، تضحى عرادا فهو ينفخ كالقرم
أحب إلينا أن يجاور أرضنـا ،، من السمك البني والسلجم الوخم
ولشدة تعلق العرب بالضب جعلوه لعبة يلهون بها، وقد وصف الجاحظ اللعبة في كتابه الحيوان، كما جعلوه مادة للتمثل بها مثل «تعلمني بضب أنا حرشته !!» و «أضل من ضب» و «أعق من ضب» و «لا يكون ذلك حتى يرد الضب» وغيرها. 
والضب يعد من الحيوانات المخادعة، فهو يعمد إلى الحيلة ليحمي نفسه من أعدائه، ومن صور حيله أنه يعمد إلى إلصاق العقرب بأصل عجب ذنبه من تحت، فإذا أدخل الحارش يده ليقبض على أصل ذنبه لسعته العقرب. وكذلك لجوئه إلى «التذنيب»، وهي حيلة لا يعرفها سوى المحنكين من الضباب، فالضب ذو الخبرة «حسب وصف الجاحظ له»، متى أرادت الحية الدخول عليه في جحره عمد إلى إخراج ذنبه إلى فم الجحر ثم يضرب به كالمخراق يمينا وشمالا فإذا أصاب الحية قطعها، والحية عند ذلك تهرب منه، أما الضب الغر وغالبا هو الصغير الذي لا تجربة له فإنه يبادر إلى إخراج رأسه فتعضه الحية فتقتله. 


ومن عجائب الضب طول عمره فهو كالحية التي لا تموت «حتف أنفها» وليس إلا أن تقتل أو تصاد، ومن عجائبه أيضا أن الأنثى تأكل أولادها، ولولا أن الصغار تتراكض هاربة فينجو بعضها لربما انقرض الضب. وكذلك من عجائبه أنه يتخذ جحره في الأماكن الصلبة والمرتفعة ويتخيره عند «علم» كشجرة أو صخرة ليستدل إليه متى ضل الجحر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح