أوقفوه ، فأنا أخشى أن يذوب رقة و لطافة... / ببعض من الاختزال الشاعر شامي العامري


سامي العامري
Sami Mohsin Alamiri
ـــــــــــــــــــــ
قدم علي بن الجهم على الخليفة المتوكل - و كان ابن الجهم بدويًّا جافياً - فأنشده قصيدة قال فيها :




أنت كالكلب في حفاظـك للـود 
و كالتيس في قراع الخطوب


أنت كالدلو لا عدمنـاك دلـواً 
من كبار الدلاء جمَّ الذنـوب

فعرف المتوكل قوته ورقّة مقصده وخشونة لفظه ، وذلك لأنه وصف كما رأى و لعدم المخالطة و بسبب ملازمته البادية فخصص له داراً حسنة على شاطئ دجلة فيها بستان يتخلله نسيم لطيف و الجسر قريب منه ، فأقام ستة اشهر على ذلك ثم استدعاه الخليفة لينشد ، فقال


عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ 
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري

أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن 
سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ

سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما 
تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ

وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما 
تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري



فَلا بَذلَ إِلإ ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ 
وَلا وَصلَ إِلإ بِالخَيالِ الَّذي يَسري

أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ 
وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ

صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما 
روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ

ألا قَبلَ أَن يَبدو المَشيبُ بَدَأنَني 
بِيَأسٍ مُبينٍ أَو جَنَحنَ إِلى الغَدرِ

وَلكِنَّهُ أَودى الشَبابُ وَإِنَّما 
تُصادُ المَها بَينَ الشَبيبَةِ وَالوَفرِ

كَفى بِالهَوى شُغلاً وَبِالشَيبِ زاجِراً 
لَوَ اَنَّ الهَوى مِمّا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ

أَما وَمَشيبٍ راعَهُنَّ لَرُبَّما 
غَمَزنَ بَناناً بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرِ

وَبِتنا عَلى رَغمِ الوُشاةِ كَأَنَّنا 
خَليطانِ مِن ماءِ الغَمامَةِ وَالخَمرِ

خَليلَيَّ ما أَحلى الهَوى وَأَمَرَّهُ 
وَأَعلَمَني بِالحُلوِ مِنهُ وَبِالمُرِّ

ـــــــــــ

فصاح المتوكل : أوقفوه ، فأنا أخشى أن يذوب رقة و لطافة !
ـــــــ
منقول مع اختزال في أبيات القصيدة 
وأعجب أنها مازالتْ غير مغنّاة على روعتها أو ربما أنا لم أسمعها بصوت فنان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح