الفنانة التشكيلية كريمة فوزي وخطى الرماد / محمد سعود



الفنانة التشكيلية كريمة فوزي وخطى الرماد 


الفنان محمد سعود

الفنانة التشكيلية المغربية كريمة فوزي من مواليد مدينة القنيطرة ، تخرجت من المعهد العالي للفنون الجميلة بتطوان، ثم تابعت دراستها لإثراء ثقافتها ثقافتها البصرية بالمشاركة في الكثير من التكوينات خاصة في فرنسا والبرتغال ، كما أقامت في دار الفنون بباريس ، هذه الخبرة التي راكمتها من مشاركاتها في الكثير من المحترفات وظفتها بسخاء لخدمة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ، ، ولقيت أعمالها التي عرضتها مؤخرا برواق محمد الفاسي أو بمنتدى الثقافات "كاتدرائية القلب المقدس " في إطار الملتقى الوطني للفنون التشكيلية إقبالا كبيرا ونالت إعجاب الكثير من الفنانين ، 
حين تشاهد أعمالها تحس انك أمام فنانة ذات مكانة مرموقة في الساحة التشكيلية المغربية ، وأمام إنسانة آثرت تسخير فنها لخدمة الأطفال المعاقين والانزواء في مرسمها بعيدا عن الأضواء بدل اللهث وراء المعارض والبحث عن الشهرة الزائفة ،، 
و تتميز أعمال الفنانة كريمة فوزي ببساطة التكوين وعمق الرؤيا ، وباقتصاد كبير في اللون الذي غالبا ما يكون في جل لوحاتها رماديا ، هذا اللون واللالون المزيج بين الأبيض والأسود وبين الحضور والغياب يحبل بالكثير من الدلالات ، وقبل ربطه بسياق العمل الفني ومختلف مكوناته ،، لابد أن نشير أنه لون حيادي وله قابلية كبيرة للتآلف مع الألوان الحارة والأكثر طواعية لتناسل التدرجات اللونية . أما دلاليا فقد ارتبط بالآلام البشرية ويمثل الجانب الأكثر خفاء وغموضا في اللاشعور ، وهو أول لون يراه الإنسان بعد الولادة ،وكان العبرانيون يذرون الرماد على أجسادهم تعبيرا عن آلامهم .. كما ارتبط بالكثير بالأساطير والقصص التي لا تخلو من الألم ،، كطائر الفينق الأسطوري الذي ينبعث من رماده ، أو قصة ساندريلا التي يقابلها في التراث الشعبي " رميدة "علما أن كلمة ساندريلا مشتقة من كلمة cendre التي تعني الرماد ،،، وهي قصص كلها تدور حول الاحتراق والانبعاث ،، ووسط هذه الاحتراق تبعث الفنانة حياة عبارة أثار خطوة ، وتستوقف هذه التوقف لتبعث حيوية وحركية متجهة من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس ، تعبيرا عن مواصلة السير لا الانحدار وبالتالي الاندحار ،، وتتخذ هذه الخطوة شكلا عموديا يدعم هذه الحركية دون أن ينتفي الألم ،، لأن اثر القدم هو وطأة ، وهذه الكلمة تقترن دائما بالمعاناة ،، والقدم غالبا ما ارتبطت بقوة الروح لأنها السند الذي يقف عليها الإنسان ، وأي تشويه لها يعتبر تعبيرا عن ضعف إنساني .
وهذا الشكل العمودي للقدم نجد له جذورا كثيرا في حضارات الشرق الأقصى خاصة عند البوذيين حيث تعد القدم رمزا للربط بين العالم السفلي والعلوي .وقد أفرد سيغموند فرويد جانبا مهما لتحاليله حول القدم خاصة الأقدام الملفوفة بعصابات عند النساء الصينيات .
وجل أعمالها تتخذ شكل المربع مما يجعلها أكثر انضباطا وإحكاما لتوزيع عناصر اللوحة بالكثير من الحذق والمهارة الفنية ،، وان كان المربع قد ارتبط كثيرا بعوالم قدسية وسحرية ، فان هذا العنصر يمكن أن نلحظه في أعمالها التي تختزل عوالم خفية للفنانة لم تستطع الإفصاح عنها لفظيا وعبرت عنها لاشعوريا بطريقة فنية ،، إنها تجسيد لآلام وجروح غائرة تحاول أن تنبعث في رمادياتها على شكل أثار وعلامات غالبا ما تتخذ شكلا من أشكال أعضاء بشرية ، ومنها القدم التي تقف عليها في تحديد معالمها ، والقدم هنا ليست إلا وطأة ، والوطأة ارتبطت دائما بالمعاناة والألم ،، 
---------------------------
محمد سعود

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح