هل الشعر الشعبي ظاهرة صحية ام مرضية ؟ / حمـري بحـري
هل الشعر الشعبي ظاهرة صحية ام مرضية ؟
حمـري بحـري
كان الشعر ولا زال يعتبر ارقى انواع التعبير في أي لغة من لغات العالم ، ففيه تتجلى عبقرية اللغة التي تخاطب الوجدان قبل ان تخاطب العقل ، كما تتجدد من خلاله اللغة ، فيما يبتكره الشعراء من اساليب في التعبير ، أي استعمال المفردة في قرائن لم تكن موجودة من قبل ، وكل اساليب التعبير الجديدة في النثر اليوم ، هي مدينة للشعر العربي الحديث ، الذي استطاع ان يفتح الذهن العربي ، على اساليب في التعبير ، ما كانت لتكون لولا ثراء اللغة العربية ، التي تبقى دائما في حاجة لمن يكشف عن مفاتنها ، وما ينبغي ان نلفت نظر القارئ اليه ، هو ان اللغة العربية تتعرض لاعتداء من طرف ابنائها ، باسم احياء التراث الشعبي ، الذي لا نقبله بالكامل ، ففيه ما هو مفيد ، ويتماشى مع روح العصر ، وهو ما يحيا معنا وفينا ، نقبله ونشد عليه ، لأنه يدخل في حياتنا اليومية ، كالصناعات التقليدية ، والأغاني والأهازيج الشعبية ، وما ينجم عنها من رقصات فنية ، اما الشعر الشعبي ، او ما يسمى بالزجل او النبطي ، لم نعد في حاجة اليه ، كتعبير فني يتحرك داخل حياتنا الثقافية ، لأنه لم يعد جزءا من حياتنا ، لا شكلا ولا مضمونا ، بل نكتفي بدراسته فقط ، باعتباره لونا من الوان التعبير الشفهي ، الذي كان وليد ظروف اجتماعية ، جعلت المجتمع الجزائري يتحرك داخل مساحة هائلة من الأمية ، وكان الشاعر الشعبي ، جزءا من هذا المجتمع ، الذي عبر عنه بالأدوات التي كانت متاحة لديه ، وهو قول الشعر باللهجة العامية .
عند هذا الحد يمكننا القول ، ان الاستمرار في التعاطي مع الشعر الشعبي في الوقت الراهن ، هل هو ظاهرة صحية أم مرضية ؟ وخاصة ان الأمية صارت تتقلص من يوم لآخر ، في ظل انتشار التعليم ، ووسائل الاعلام بمختلف انواعه ، من المكتوب الى المرئي والمسموع ، واذا اخذنا هذه الخلفية ، فإن الشعر الشعبي ظاهرة مرضية ما في ذلك شك ، أما اذا قلنا ان الشعر الشعبي ظاهرة صحية ، فهذا يعني اننا لا زلنا نعيش داخل دائرة كبيرة من الأمية ، التي ينتج عنها هذا النوع من الشعر ، الذي نلحق به صفة الشعبي ،التي تعني الشخص الذي يحيا حياة بسيطة ، ويفهم أيضا الحياة على بساطتها ، وله طقوسه الخاصة ، في تذوق الحياة ، واضافة الى هذا ، فصفة الشعبي تطلق على الطبقة الاجتماعية المسحوقة من الشعب ، اقتصاديا وثقافيا ، وهي تتخبط في مشاكل لا حصر لها ، محدودة الدخل ومحدودة الثقافة أيضا ، لا تسمح للشاعر الشعبي ، بأن يتجاوز ما هو موجود ، ليفتح عين السامع لترى أكثر مما كانت ترى ، لضيق أفق الشاعر المعرفي والجمالي ، ولفقر اللغة العامية ، التي لا تسمح بما تسمح به اللغة الفصحى ، من توليد الصور والمعاني ، في القصيدة الواحدة .
واليوم بعد ان صار للشعر الشعبي ، جمعيات ورابطات على مستوى الوطن العربي ، وتقام له المهرجانات والندوات ، ويدرس في الجامعات ، وشعراء هذا النوع من الشعر ، تطبع لهم المجموعات ، وتوضع على رفوف المكتبات جنبا الى جنب ، مع ما يطبع من الفصيح في مختلف الفنون ، وقد جاء في توصيات احدى المهرجانات ، المطالبة بإدخال الشعر الشعبي في المنظومة التربوية ، ليتم تدريسه لأبنائنا ، الى جنب الشعر العربي الفصيح ، الى هذا الحد وصلت موجة الشعر الشعبي ، في غياب حياة ثقافية لا يضبطها ضابط ، اختلطت فيها المقاييس ، وصار من يكتب بالعامية كمن يكتب بالفصحى ، ولم نعد نفرق بين شاعر جيد وشاعر رديء ، ولا بين كاتب وكاتب ، وصار العبث الثقافي الذي تتزعمه ميلشيات الرداءة من خلال مديريات الثقافة ، هو ما يرسم حياتنا الثقافية ، دون ان يتجرأ احد من كتابنا ، ويدين وزارة الثقافة عن هذا العبث الثقافي ، ولا ادانة اتحاد الكتاب ، الذي ساهم في تشجيع هذا النوع من الشعر ، الذي يسعى الى تخلفنا ، وهو سياسة معتمدة من طرف حكامنا ، والا كيف نفسر انتشار القنوات الفضائية ، التي اعدت خصيصا للشعر الشعبي ، والهدف منها ضرب الشعر الفصيح ، واللغة العربية عموما
تعليقات
إرسال تعليق