قصة قصيرة / هـ . ش
قصة قصيرة / هـ . ش
في احد سنوات العمر المنصرمة كان العراق في سوء عجيب من حصار وموجة إعدامات وضجيج اسمه الغوغائية، بلد لا ماء فيه ولا كهرباء، انعدمت فيه شروط الحياة تماماً وغاب الأمن بالاضافة للرعب المخابراتي وانحلال اخلاق الدولة والشعب٠٠ نظرت الى أسرتي التي اهم اعز ما املك في الحياة حيث انا الام فيها وانا الاب والأهل والعشير فقررت الرحيل والخروج من دولة بلغ بها الظلم مبلغا ً وخفت ان تتحول أسرتي اما أصحابها مجرمين او ينتظر تلك الاسرة ذالك الهشيم انه موت مؤكد غير مستحيل ومن قصص الرحيل هذه لي ولد صغير كان عمره خمس سنوات احبه كثيرا كونه اخر العنقود وكان لي بمثابة يوسف ليعقوب في محبتي له بين اخوانه رَحَلتْ الجميع ووصلوا سالمين ولم يبقى الا ذالك الصغير ٠٠٠غفوة على احدى مقاعد البيت بعد إرهاق شديد وحلمت ان ولدي الصغير خطف مني وَقُتل ففزعت من نومي ابحث عنه وكأن حلمي هذا كان حقيقة وجدته بقربي غافياً مسحت على وجهه الجميل الساحر البياض وعيون تشع بالصبر والذكاء ٠٠ فقمت وعدلت مجلسي المسترخي لأستعد لحرب جديدة ثمنها ذبح عواطفي واجعل من دمي الروحي نهر أضع فيه قارب ليرحل به صغيري وانقذه من ظلم فرعون العصر وأكون انا بمثابة ام موسى عليه السلام ٠ فاشتريت لوليدي الصغير البرئ الذي لم يتجاوز الخمسة أعوام من عمره جواز سفر مزور وأخرجته من مطار عربي بشق الأنفس الى احد الدول المانحة للجوء في أوربا وحيداً لايعلم سوى انه سيذهب الى دولة الدمى والحلوى والرفق بالإنسان ٠ أقلعت الطائرة وصغيري وحيداً بها لا يعرف اين وجهته وماذا سيكون فهو برئ لايعرف شيئ ٠ وحين نظرت الى الطائرة وهي في السماء خاطبت الله بقولي يا الله هذا وليدي بين يديك رميته في أليم تلاقفه برحمتك يا الله ٠٠٠
من أعمال الفنان الجزائري أحمد سطنبولي
وصل صغيري الى مطار الدولة في أوربا ونزل يتخطى بأحلامه الوردية الى رجل البوليس يجره من ثيابه بلا لغة فقط حامل ورقة باللغة الانكليزية : انا عراقي جئتكم هاربا من الموت ٠٠ وما الا وأخذه ذالك الرجل البوليسي الذي يعمل في المطار مسلماً ولدي الى جهاتها الأمنية والتحقيقية حتى استغربوا اهل التحقيق من طفل لايعترف من اين أتى وكيف وصل الى هنا وكل ما نطق به عند سؤالهم له من اين أتيت ؟ قال صدام حسين ٠٠والحمد لله كانوا أطفالنا في ذالك الزمن اول اسم يتعلمون لفظه هو رئيس الدولة آنذاك فمنحوه لجوء انساني ٠٠
بعدها ادخلوا ولدي مدرسة داخلية للأيتام وكان شجاعاً فقط الا عندما يأتي الليل يبكي شوقاً لحظني فهو لايزال صغيرا الا انه كان يحتفظ برقم هاتفي وعرفت بالتالي هاتف الموقع الذي يعيش فيه طفلي الصغير ٠ فكنت اهاتفه كل ليلة اغني له ( نام نام يا عصفور ) واحكي له قصص ليلى والذئب حتى يطلع الفجر ينام صغيري وانا أحمل الى المستشفى من قهري وبكائي وشدة حزني عليه وكنت ارسل له اللعب والهدايا والمال كي يتصبر ويكبر وكنت اتصل به بما يقارب الف دولار بالشهر ثمن مهاتفات ٠وبقينا على هذا المنوال حتى بلغ معرفة اللغة وانسجم مع زملائه من جميع بلدان العذاب تحت إشراف ورعاية الدولة الموقرة المانحة للجوء ٠٠
وكنت كل يوم أوصيه ان لايكبر وان يبقى صغيرا حتى التقيه وأكمل ماتشتهي روحي من تدليل وامومة حقيقية وان لايحرمني طفولته مثل ما حرمته امومتي خشية عليه ٠ بقى ولدي مايقارب الخمس سنوات حتى استطعت ان اصل اليه لاكمل مشواري في رعايته وتربيته فوجدته قد كَبر ولم يوفي بوعده لي وانا وصلتهُ مصابة بمرض السكري من كثر قهري وحزني عليه ٠ أكملت مهمتي في ان اجعله شاباً مهذباً مؤدباً وهو الآن سيتخرج من جامعته هندسة بناء جميلا ً معافا كما تمنيته ان يكون عراقياً يحمل الجنسية الأوربية نصفه عربي ونصفه الاخر اوربي وذالك هو غيلان البطل العراقي الصغير اصبح رجلا ً عراقياً يتمنى وطنا وانا لم أخسر سوى بنكرياس وبعض صحة ومال كان سينتهي لابد هنا او هناك ٠٠ واخيرا عاش العراق حراً متحضراً أتمنى ان يكون أسوة بالدول المانحة للجوء الإنساني بثروته العظيمة، لا فقر فيه ولا خوف ولا ارهاب..
تعليقات
إرسال تعليق