في أعمال التشكيلي الليبي محمد العارف: توقيعات على جدران اطرابلسية / عدنان معيتق



في أعمال التشكيلي الليبي محمد العارف: توقيعات على جدران اطرابلسية


Adnan Meatek

عدنان بشير معيتيق
2012-10-28



تصيبك الحيرة وأنت تفكر في تناول أعمال الفنان التشكيلي الليبي محمد العارف عبية
بالكتابة والنقد وقد تقف في منتصف الطريق، كيف تبدأ ومن أين تبدأ وكيف تنتهي...، هل تخوض تجربة الدخول والمجازفة بالتجول في رحاب عالمه السحري الفسيح، فإن فعلت فانك لن تجد الوقت الكافي وقد تصاب بتخمة الألوان لما عنده من تركيز عالي الجودة في أعماله الفنية المتنوعة يتغنى فيها بحكايات طرابلسية أصيلة أو تدخل متاهته التي لا توجد فيها مرجعيات تتجاور مع تجاربه الفنية المتنوعة التي قد يكون الفنان انطلق منها أو على الأقل تأثر بها يوما ما.
في لوحاته تتداخل الاسلوبيه فتعتريك لمحة من عفوية الأداء في اغلبها، وما أن تمعن النظر حتى تدرك انك أمام تجربة فنية عميقة، مدركة لما تفعل فائقة الحساسية مع محيطها وعلاقتها مع الآخر من تناول وتعدد وزخم مواضيعها، فهي لا تتكرر، وجوه المدينة العابرة، مقاه، نساء في الفراشية البيضاء، أحذية، كروسة العروس، نخيل تٌعانق أسطحا جيرية بيضاء وزخارفها المتداخلة من ألوان الاكريليك المنتشرة في أرجاء اللوحة.. أرجاء المكان، رسم الحنة، البخور،الزهور، الباعة، البحارة وقواربهم الملونة، أشرعة، أصوات الموج، شبابيك وأبواب، مداخل المدينة، قصص مصورة على طريقة الواسطي وسرد الجدات في روايات الغول والعنقاء وابوزيد الهلالي، في موسم الترحال.. طيور مهاجرة تستريح في شرفة موصدة، حمرة تعتري وجه عذراء، عيون، مدينة كاملة بأسوارها يحرسها طائر خرافي، فارس وجواد، سحب الخريف وسقوط المطر، الخميسة، الحويتة، مفردات من الذاكرة الشعبية.
ليس المهم كيف ينتهي العمل الفني عنده بل المهم هو طريقة الأداء نفسها، فمتعة العمل تتجاوز النتائج التي يفضي إليها العمل نفسه. التهكم الفني والسخرية من المادة بتطويعها والعزف بكل مهارة على أوتار اللون في نشوة صوفيه ترتقي بالمتلقي وتحيطه بهالة من السحر، فالفنان يؤمن بالحرفية والمهارة في الأداء حتى يتسنى له التعبير بكل خفة عن ما يعتمل في داخلة وتكون بداية القراءة لكل متأمل لأعمال الفنان لان الإتقان هو العامل المسوق للفكرة الكامنة في النص التشكيلي المعروض. وإدخال الإحساس بإفراط والخيال على كل الأمكنة التي يرسمها فتصبح المدينة سابحة في حالة من الفنتازيا ممتلئة بتوقيعات عبية الفنية على جدرانها وقصصها اليومية.
أجمل طريق إلى (اطرابلس) هو المفضي إلى عالم الفنان محمد العارف عبيه الزاخر بالمفردات الطرابلسية الأصيلة ورائحة أمكنتها القديمة بنسمات الصبح وتنهدات سكانها المدنيين وعتبات وأبواب وأزقة المباني المتراصة في عناق ومحبة ودكاكين الأسواق الشعبية والصناعات التقليدية التي أصبحت التيمة المميزة للمدينة القديمة والألعاب الشعبية في زوايا خافتة الأضواء بين حيطان تنعش العابر فيها، ورذاذ المطر المنهمر على زجاج الشرفات المطلة باستحياء على شواطئ المتوسط الممتلئ بآمال البشر من كل الأجناس ورغبتهم في التغيير.
ابلغ وصف عن تجربة الفنان عبيه يستحضرني الآن بعد مرور أربعة عشرة سنة وتحديدا 1997، عندما كنا انا وصديقي الفنان التشكيلي مصباح الكبير في كامل عنفواننا الفني ونحن نحضر لمعرضنا في قاعة عرض دي فيلا بقرقارش - طرابلس في تلك الأيام وجدنا معرض مائيات للفنان محمد عبية مازال قائما في نفس القاعة.. حيث قال مصباح : ' اعتقد انه أصابنا هبوط مائي يا أخي عدنان' وذلك من شدة إعجابنا وصدمتنا بتجربة الفنان في ذلك الوقت.
لم انتبه إلى جوانب إبداعية كثير في عالم هذا الفنان من رسومات ساخرة ورسومات الأطفال والتصوير الثابت لعدم درايتي الكافية بها ولقلة المصادر التي كان الفنان يتواصل معها وينشر فيها قبل أن يفتح صفحة في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك.
منعطفات من حياة الفنان : ولد في مدينة طرابلس - ليبيا في شارع الشط 1944 واحترف الرسم الساخر والصحافي بشكل عام ونشر أعماله في صحيفة الحرية بطرابلس رسم للأطفال في العديد من المجلات المحلية وبدءا يهتم برسم اللوحة من 1975 ويهتم بالتصوير الثابت، أقام وشارك في الكثير من المعارض في الداخل والخارج ومن أهمها معرض الشخصي بي ديفيلا بطرابلس، بينالي القاهرة، مهرجان الدول الاسلامية بهان موندن ألمانيا، معرض نوافد بدار الفنون طرابلس، ورسم العديد من الواجهات في طرابلس.
* أطرابلسية: نسبة إلى مدينة اطرابلس كما ينطقها أهلها
*فنان تشكيلي من ليبيا
ـــــــــــــــــــــــ
http://www.alqudsalarabi.info/index.asp?fname=data\2012\10\10-28\28qpt897.htm

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح