الزاوي أمين... اللغة العربية لغة قادرة على كل شيء.. أين الخلل في لغتنا السردية؟ / حبيب مونسي

حبيب مونسي
حبيب مونسي
الزاوي أمين... اللغة العربية لغة قادرة على كل شيء..
أين الخلل في لغتنا السردية؟


يقول أمين الزاوي في رده على سؤال أيمن السامرائي.. في المشاهد.نت.. :"هناك من
يقول إن العربية لغة محافظة عكس الفرنسية . هذا كلام غير صحيح، فكتاب الحيوان للجاحظ كتاب جريء جدا، اللغة التي استطاعت أن تحمل كلام الله قادرة على حمل أى شيء، فالتقصير ليس في العربية بل فينا، لأننا لا نقرأ الأشياء في تفاصيلها، فالأدباء العرب مصابون بالعمى ولا ينظرون.. فكتابنا يكتبون دون تفاصيل الجمال والجسد والقبح .." إنها كلمات قليلة من روائي وآكاديمي تختزل في صدقها وقلة عبارتها مشكلتنا مع اللغة السردية التي نتعاطاها اليوم، والتي لا نتوقف عن كيل التهم لها، والمقارنة بينها وبين الفرنسية. فأمين الزاوي حينما أجاب بهذه الكيفية على أيمن السمرائي كان السؤال مصوغا على النحو التالي:" في تجربتك الروائية تحب كسر المحظورات الدينية والاجتماعية، فهل تجد هذا الكسر أسهل بالفرنسية أم العربية ؟" فقد كان من السهل على أمين الزاوي أن يقول نعم ولا، أو أن يمطط الإجابة في تفضيل هذه اللغة على تلك. ولكن الروائي يريد لسامعه أن يدرك أننا أمام لغة لا يجب أن نساوم معها ولا أن نقارنها بلغة أخرى.. فلكل لغة من لغات العالم خصائصها التي هي لها أصالة.. ولكن خصوصية هذه اللغة أنها "اتسعت لكلام الله عز وجل" وإن هي فعلت ذلك فهي -حتما- تتسع لكافة الموضوعات.. وليست المسألة متعلقة بالجرأة والمحافظة. ونحن نعلم أن أمين الزاوي نفسه قد أشار في كثير من لقاءاته إلى أن لغة الفقهاء أجرأ اللغات إطلاقا، لأنها تعرضت بالشرح والتفصيل للذي يستحي منه الرجال قبل النساء.. ولا يفهم من الاستحياء المحرم أو كما يقولون "طابو" فليس في ثقافتنا شيء يسمى بهذا الاسم مطلقا..
إن أمين الزاوي يدرك أن كتاب الجاحظ علامة فارقة في السردية العربية، وأنه الكتاب الإخباري الذي قدم القصة في كل أشكالها.. خبرا، قصة قصيرة جدا، قصة قصيرة، قصة.. مقامة، خاطرة... كما انفتح سفره الكبير "الحيوان" على أنماط من الكتابة لم تُستثمر إبداعيا بعد.. هذا الكتاب إذا أعيد إخراجه للناس، في نصوص جديدة تقترب من أسلوبه، وتحاكي بنية سرده، فإنها حتما سترفع إلى أعين القراء نمطا جديدا من الكتابة تغني السرد العربي وتجدد ماءه..
إنني أحتار دوما حينما أقرأ إعجاب البعض بالطريقة اللاتينية في الكتابة وأنا أعلم أن اللاتين إنما انتزعوها من أساليب الحكي العامي الجارية في مجالسهم ومنتدياتهم والتي تضمخت بكثير من الكيفيات الآتية من أعماق تاريخ الأنكا والأزدكا والهنود الحمر...وأعجب كيف يتعامى كتابنا عن كنزنا الدفين تحت غبار السنين..
حينما يقول أمين الزاوي:"إننا لا نقرأ الأشياء في تفاصيلها، فالأدباء العرب مصابون بالعمى ولا ينظرون.. فكتابنا يكتبون دون تفاصيل الجمال والجسد والقبح .." أشعر بكثير من الحزن وأن أعلم يقينا أن الوصف العربي قام على الحسية وأن آلة البصر فيه آلة تصويرية.. وأن الشعر العربي تفنن في الوصف دقة، جعلتنا نرى الأشياء كما كان يراها العربي معاينة.. وأن القرآن الكريم اعتمد على الآلية عينها في حديثه عن الجنة والنار ومشاهد القيامة والعذاب، وفي الإخبار بأحوال الأمم.. فالآلة موجودة فينا بتقنياتها وأدواتها وأبعادها الجمالية.. بقي الآن الشروع الصادق في استغلالها.. سيقول لي بعضهم أنها استعملت لوصف المشاهد الجنسية.. نعم حدث ذلك.. ووصف الإجرام..نعم حدث ذلك.. وأقول هنا يقف النقد والناقد لينظم حركة المرور ليرفع الشارة الحمراء في وجه المجازف والمتهور.. ولكنه يرفع -كذلك- الشارة الخضراء في وجه المستبصر الذي يعرف إلى أين يتجه المسير
...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح