حين يصبح القتل أثراً جانبياً،،!!،، بين الراهن السياسي وحكاية (الانتهازيين)./ عبدالسلام أبوخزام


حين يصبح القتل أثراً جانبياً،،!!،، بين الراهن السياسي وحكاية (الانتهازيين).

عبدالسلام أبوخزام
1/12/2014



تتحدث بعض كتب التراث العربي عن الأعرابي الذي عاش زمن (الفتنة الكبرى)، إذ تصفه الروايات بأنه كان شخصية تجسّد قمة الانتهازية والوصولية والسعي وراء مصالحه الشخصية، دون الاكتراث بما يمكن أن تجلبه مآربه الخاصة على محيطه الاجتماعي ومجالات تدافعه السياسية والاقتصادية، والسبب أن ذلك الأعرابي ليس لديه أي رادع أخلاقي يمنعه من التلون والتقلب حسب تغير الظروف ومقتضيات المصلحة الشخصية الضيقة، لذلك يُروى عنه أنه كان يردد دائماً في يشبه اللازمة (ان الصلاة وراء علي أتم، والأكل مع معاوية أدسم، والوقوف على الجبل أسلم).

ولا يحتاج هذا القول مزيداً من التفسير إذ هو على درجة من الوضوح ليشرح ويفسّر نفسه بنفسه، لسنا بحاجةٍ إلى التعليق، وهو قولٌ يكشف عن ظاهرة لا يخلو منها أي مجتمع وأي زمن خاصة زمننا هذا المترهل بشخصيات عامة من هذا النمط، وهي (الوصولية) التي يتصف بها بعض الناس من أولئك الذين يمتلكون القدرة على التلون والتشكل مثل الحرباء، والتخفّي وراء لافتات مخادعة وبراقة لدر الرماد في العيون، والضحك بها على الذقون وعلى من تنطلي عليهم ألاعيب هؤلاء الأشبه بـ(الحواة) من السذج، والحقيقة أن وجود مثل هذه النوعية من الناس لا يقتصر على زمن محدد أو مكان معين، بل هي ظواهر وحالات اجتماعية تتكرر بأشكال مختلفة في أزمان وأماكن مختلفة غير أنها في هذا الحاضر باتت مخيفة أيضا إذ أنها تعيد انتاج نفسها مع كل تغيير طارىء  أو تحول على أي صيعد حالة تذكرنا بصحة المثل الشائع (يا ما في الجراب يا حاوي) .

يغدو حالنا اليوم مع بعض مدّعي الوطنية ومحترفي الدجل السياسي واللواط الثقافي من بعض السياسيين والإعلاميين والطارئين على صفحة المضمارين، حال ذلك الأعرابي الوصولي، فمن بين مساوئ الأزمة التي عصفت ببلداننا وآثارها السلبية، هو إفرازها الغزير لهذه النوعية من البشر الذين صاروا اليوم بين ظهرانينا يمارسون سياسات الخداع بأفضل ما يكون الاحتراف، ويلوكون شعارات التضليل أفضل من بائعات الهوي على الطرقات ذات الإضاءات الخافتة للفت الانتباه إليهن، وهم أفضل من يحسن النفخ في الكير بالأباطيل وينخرون كالسوس في وحدة نسيجنا الاجتماعي بالوسواس الذي أصبح قهرياً مدام يطارد المواطن حتى إلى فراشه.

أن محاولات هؤلاء الانتهازيين البروز بمظهر الوطني المتفرّد الغيور على مصالح الوطن وحمايته من الآخرين (المتآمرين) و(الخونة) لا تنطلي في العمق على أحد، ففي الوقت الذي يعرفون هم قبل غيرهم، ويعرف معهم غالبية أبناء هذا الوطن العربي الذي فقد عروبته في مكان ما من سيرة الأمة، وكل من يعيش على أرضها، بأن كل هذا الطلاء والمساحيق التي تغلف سلوكهم، وتزيّن كتاباتهم، إنما تخفي وراءها شهوة التسلّط والاستبداد التي يغذّونها باستمرار الأزمات، ويستميتون في الدفاع عنها ويقاومون أي مواجهة معها، كما تخفي وراءها فتنة اجتماعية هوجاء، مدمّرة لأسس الاتصال المجدي والتعايش والسلم الأهلي الوطني والاقليمي.

 ليس مهماً بالنسبة إلى هذه الفئة الطفيلية الانتهازية حجم الأضرار والكوارث التي يمكن أن تلحق بالمجتمع والوطن، ولا تشكّل قيم الشرف والاستقامة والنزاهة لديها أية قيمة، كما إنها غير معنية بالانحياز إلى جانب الحق أو رفض الباطل، فكل ما يهمها هو إرضاء الذات، والحصول على مباركة وثناء شركاء (الهوى السياسي) من أصحاب المصالح العابرة للقارات ورفقاء (الهوس بالوصاية على الوطن وما حمل) وليس خافياً أن مثل هذه المصالح والهواجس الشريرة عادةً ما تلجم وتخرس الألسنة إلا من قول الزور، وأكل السحت الحرام بالغصب والقهر وبمنطق الغنيمة في استرجاع مخل لممارسات القرون الوسطى وكأن البشرية لم تبرح تلك الفصول المظلمة من سيرة تطورها، كما إنها تشل الضمائر عن مناصرة الحق والصبر عليه، وتعطل الفكر والتفكير عن رؤية العدل والإنصاف وابتكار الحلول الناجعة.

من هنا فإن العيون القابعة في رؤوس هذه النوعية من الانتهازيين لا يمكن لها أن تبصر الشهداء الذين يسقطون ضحايا للعنف لمجرد إنهم طالبوا ببديهيات الحياة الطبيعية المؤسسة على قيم العدالة والكرامة والمساواة في الحقوق والمواطنة وحرية التعبير دون تشطير أو انتقاء، وأيضاً هؤلاء الشهداء الذين رفضوا الوصاية الدولية على إرادتهم وأوطانهم وانتصروا ضد ما رأوه حقاً يراد به باطل، كما إنها أي لا يمكن أن تتحسس الألم وأوجاع أهل وذوي هؤلاء الشهداء حقاً الذين يباتون ويصبحون على حسرة فقدان أحبتهم وفلذات أكبادهم وصراع الأخوة الأعداء، كذلك لا تبصر ولا تقر هذه العيون وجود سجناء رأي ومعتقلين سياسيين، بل لا ترى غير (خونة) و(أزلام) و(عملاء) و(انقلابيين) أو (جهادييين ملاعين) يستحقون أشد وأغلظ العقوبات وبسياقات وأساليب لا تنتمي حتى إلى عصور ما قبل الكتابة.

تلك الكائنات الانتهازية لا تشعر بأي ألم، أو ينتابها أي أسف، لتلك الإجراءات القاسية الظالمة التي يمكن أن تقطع أرزاق آلاف المواطنين وتلقي بهم على قارعة طريق العوز والفقر، بعد أن تحرمهم من مصدر رزقهم الوحيد لمجرد أنهم يرفضون الفرز القائم على تشطير المجتمع إلى درجات قائمة على الولاءات بعد حرمانهم طبعاً من التمتع بالمجالات الحيوية لتحقيق الذات ضمن مصالح الجماعة الانسانية، فكل هذه المشاعر والأحاسيس تحتاج إلى وجود قيم عليا ومبادئ سامية مثل العدالة والإنصاف والرحمة وحب الخير والتعاطف مع الآخرين، كما تحتاج إلى روح إنسانية تتجاوز ذاتها وتتعالى على ضعفها ونواقصها من خلال نبذ كل الغرائز الشريرة مثل الحقد والجشع والأنانية والتشفي والسادية.

أين كل هذه القيم والمثل مما نراه ونلمسه اليوم في واقعنا الذي هو للأسف أحد نتائج أزمتنا الراهنة التي أفرزتها هي الأخرى عيوبنا المستشرية في تفاصيلنا البنيوية الآن، إن ما نراه هذه الايام لا يمكن تصنيفه إلا كسلوك استفزازي وعدائي تجاه شركاء الوطن والدين والانسانية، وهو سلوك يفوق في بشاعته كل وصف، والأخطر أنه سلوكٌ يُمارَس بوعي كامل وبإرادة مسبقة دون أي رادع وطني أو وازع من دين أو أخلاق.

أما الطامة الكبرى والمفارقة المؤلمة أن بعض هذه السلوكيات تقترف باسم حماية الوطن والدفاع عنه، وبعضها الآخر يجري تحت أقنعةٍ دينيةٍ ومذهبيةٍ، وكأننا في حالة حرب وعداء مع أعداء الوطن والدين والانسان.

لتبقى الحقيقة البينة أن الوطن والدين والمذهب وكل اخلاق البشر براء من كل ما يجري تحت ستار الوطنية الزائفة والتدين السياسي النفعي والتمذهب المصلحي والوصولي، حيث يغيب العدل والحق وحب الخير، ويسود التعصب والتزمت اللذين يفضيان إلى كراهية الشقيق والقسوة عليه، وحرمانه من كل حقوقه الوطنية والإنسانية، فقط لأنه رفض أن يكون مواطناً من الدرجة الثانية أو أن تكرس إرادته في خانة المفعول به ضمن جملة الوطن غير المفيدة، وهو ما يلزمه الخروج مطالباً بالعدل وتصحيح هذا الوضع المشين والمعيب على قاعدة الإلتقاء على وطن دون إقصاء أو ازدراء لأي طرف وبنظرة تصالحية مفادها (أن ما كان لا يمكن أن يعود وأن الراهن لا يمكن أن يستمر)، وذلك لما فيهما من انحرافات ظاهرة لا ينكرها إلا جاهل أو متعمد للمفسدة.

إننا عندما نتطرق إلى مثل هذه النماذج ونسلط الضوء عليها في مثل هذا الوقت العصيب، ذلك لأننا نلحظ باستغراب ودهشة استمرار تصدّر بعض هذه النوعيات الوصولية للمشهد السياسي والإعلامي في بلداننا، دون أي وجه حق من كفاءة أو خبرة، وفي ظروفٍ تجتاز فيها بلدننا مرحلة صعبة ودقيقة من تاريخها المعاصر ما يتطلب الكثير من العقل والحكمة، ويستدعي تكاتف كل المخلصين والخيّرين، وهم والحمد لله ليسوا قلة، وقادرون على تأسيس وعي جديد ومغاير، ولكن ينقصهم القدرة على الاتصال البناء لتهيئة بيئة اجتماعية حاضنة لمشروع حوار يقارب جواهر الإشكاليات القائمة دون الشكليات وتقديم الأساسي على الثانوي، وبرؤية تجمع الجميع دون استثناء أو إقصاء أو ازدراء لأي فريق مهما كان حجم ومسافة الاختلاف معه على قاعدة (الاختلاف في الرؤى والمشاركة في الوطن) لتجاوز الواقع السيء بدل الدفع به إلى مزيد من الاستفحال، على يد تلك العناصر الانتهازية والاستفزازية التي باتت تمثّل اليوم العقبة الرئيسة التي تحول دون كسر حالة التراجع الوطني سياسياً وأمنياً وثقافياً والتمزق الاجتماعي في البلاد، لأن هذه المسائل الحيوية والمصيرية لا تمثل أولويةً عند هذه العناصر التي يهمها استمرار حالة الاحتقان والاقتتال والفرز العنصري التشطيري على أساس الرأي والرؤية، كما يهمها استمرار الشروخ في المجتمع العربي عامة والليبي خاصة، واستمرار ونمو آليات الحقد والانتقام، لأنها وبكل بساطة أي تلك الكائنات الطفيلية والانتهازية انما تستمد قوتها من هذه الظروف السيئة، التي تعمل على توظيفها بصورة دائمة لخدمة مصالحها الخاصة، وتمثل اليوم أحد أسباب وجودها ومصادر رزقها.

وهذا ما يؤكد ذلك الخيط الموصول والرابط بين (الانتهازيين) و(النفعيين) الذين يقتاتون من الأزمات، مهما اختلفت أزمانهم وتعددت أماكنهم، وتنوعت صورهم ومشاربهم السياسية والفكرية، فهناك دائماً ما يوحّد بينهم، وهو حبّ الذات وإيثار المصلحة الخاصة على العامة، ولا شيء قبلها أو بعدها، أما الوطن الذي يتشدّقون به، والتدين المزعوم وما يبدونه من الدفاع عن الدين ومكارم الأخلاق، فليست سوى عناوين براقة تخفي وراءها الكثير من الزيف والشعارات المخادعة التي تطرب بعض الجهلة والمتخلفين ويتراقص لايقاعها الحمقى والانشطاريين، هكذا ليبقى القتل أثراً جانبياً في سرديات مغامرة المعاش اليومي لأخوة التراب، ولسان حالهم يصفع الجميع (أنتم يا ابتلينا بكم إخوتنا الأعداء الذين تحتكرون كل شيء،، الفهم والفعل والارادة،، وتذخرون القوة سياجاً لمنعنا من ممارسة الحياة دون تأجيل أو وجل،، وتزيدون من رصيدها كل يوم حساب يستثمر فائضه في تقطيع اوصالنا ونهش لحومنا أحياء) زمنكم أجمل ظلم وظلام حتى يحقق الشعب إرادتا أمر كان مقضيا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح