كيف فهمت مسألة "الجميل" و"القبيح"... في الفن / حبيب مونسي




كيف فهمت مسألة "الجميل" و"القبيح"... في الفن
هل يكفي أن ننظر إليهما أخلاقيا ونحن نعالج الفن؟..
أم أنهما بديلان يتبادلان الدور في الموضوع الواحد؟؟

كتبه حبيب مونسي
=====
حينما نقدم الأخلاق ونستفسرها عن الجميل والقبيح سيكون جوابها واحدا واضحا
لا تأويل فيه البتة.. إنها مع الجميل ضد القبيح، وليس بينهما تدرج يشفع
للجميل حينما يتساهل في كينونته متدنيا نحو القبح، وليس للقبح من فضيلة
حينما يرقى الدرجات مقتربا من الجمال.. وهي نظرة يعضدها الدين وتسعى إليها
التربية ويحبذها النظام..
بيد أننا في الفن لا نقارب مسألة الجميل
والقبيح من هذه الزاوية - وهذا ما لايفهمه كثير من المتحدثين في النقد
والأدب- حينما تثار مسألة القبح الجمال ويسارعون إلى إلصاقها بالأخلاق..
غير أن الأخلاق بريئة منها إذا عرضت المسألة في باب الفن.
لذلك نقول:
إن الجميل والقبيح بديلان يتبادلان الدور في الموضوع الواحد، ومعنى ذلك أن
الموضوع إذا نظر إليه من زاوية طريقة عرضه، وأنواع الانسجام فيه، وكيفية
اقترابه من وعي المتلقي، وتلونه بين يديه.. يقدم في "جملته" جماليته الخاصة
فيكون جميلا بهذه الوحدة التي تصنع طبيعته.. فإذا فقد ذلك الاتزان، وفقد
شيئا من ذلك الترابط، واعتراه الخلل بين يديه ومن خلفه، واهتز بناؤه وتهلهل
نسجه، فإنه ساعتها يعرض قبحه على المتلقي..
من هنا ندرك أن الموضوع
لن يكون قبيحا بقبح تيمته، ولا جميلا بجمال موضوعته، وإنما الجمال فيه شارة
على التمام في الإخراج والعرض والتقديم، حيث يكون المظهر خادما للمخبر
ودالا عليه، يغري القارئ بالمتابعة ويمنيه بالمتعة والفائدة.
لذلك تكون
"المأساة" بكل مواضيعها الشائنة في قمم الجمال حينما تكشف عن مبدإ الصراع
الذي يسكن الحياة ويدفع بها إلى الخير أو الشر، ويملأها بالألم والأمل،
ويدفعها إلى تجارب الذوات لتكون زيادة في حياة الآخرين يتمددون عبرها
فيعيشوا حيوات كثيرة متعددة...
إن القبح المحض لا يتجسد إلا في
"الحشو" كما يتجسد الترهل في أطراف الجسم التي أثقلها الشحم فشوه حقيقتها..
وكأن الترهل غاية في حد ذاته..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح