*أنديجان أدبي* / عبد الكريم ينينة

عبد الكريم
*أنديجان أدبي* / عبد الكريم ينينة
.
ليشتهر كاتبٌ جزائريٌ عليه أن يلتزم بدفتر شروطِ إحدى جهتين، إحداهما داخل الوطن، وربما ينتهي معها بتضمينه في المقررات المدرسية، وحَشْوِ نصوصه في رؤوس التلاميذ والطلبة، فيصبح رمزا من رموزنا الثقافية، وجهة أخرى خارجية، هي فرنسا، راعية الفرنكوفونية في مستعمراتها السابقة، متخفية وراء هيئات وجوائز وشخصيات ثقافية مرموقة، تجعله يعيش أسعد أيام عمره، يتنقل بين عواصم العالم كشخصية أدبية متطورة من عالَمٍ متخلف، تتقاطع معها في أغلب المبادئ والأفكار، إنْ لم تكن كلها، تماما مثلما هي سيارة "سامبول" الوهرانية.
فالأولى ينحصر نشاطها في كُتّاب العربية، والثانية تهتم بكُتّاب الفرنسية، في صراع ثقافي مستمرٍ، يلعب فيه التاريخُ دورا أساسيا، فالسلطة عندنا لا ترى الأدبَ إلا في ما يمجد قيم الثورة ورموزَها وتاريخها، وهذا خطأ استراتيجي فادح على مستوى القيم الإنسانية والثقافية، تستغله الجهةُ الثانيةُ بالعمل وسط فئة من الكُتاب، متذمرةٍ أو معاديةٍ لهذه الرؤية، يتم استغلالُها استغلالا فاحشا لاريب فيه، وبما أن تاريخَ وقيمَ الثورةِ لا ينفصلان عن المعطى والبعد الديني، فإن الجهةَ "المتضررةَ" عندنا غالبا ما تُحركُ آلةَ البروباغندا ضد هؤلاء "المغرّرِ بهم" بحجة طعنهم في مقدسات الأمة.
أنْ تطعن في الثورة ومبادئها، أو تنتقد الإسلامَ من داخل بلد "الكُفريّاتْ والطياحْ" فلا أحد يعبأ بما تكتبه، أمّا أن تفعل ذلك وأنت في فرنسا، فاعلمْ أنك صرتَ فريسةً إيديولوجيةً مكتنزةً، وأنك مهما تَحججْتَ بقيم الحريةِ والحداثةِ، فإنك سَتُستغَل عن آخرك، إلى أن يظهر في الساحة اسمٌ آخر، أشد منك وطأةً وأفصح قيلا، في صراع مازال مستمرا منذ 1962، ثم في النهاية تكتشف أنك لم تكن سوى "بونيول أدبي" آخر، مُعرَّض في بلده للإزدراء الجماعي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح