اعترافات: "الواقعية القذرة" / حبيب مونسي

حبيب مونسي

اعترافات: "الواقعية القذرة" / حبيب مونسي
اعترافات...
قد يشيب الإنسان وهو لا يفارق قناعاته الأولى..
وحينما يجبر على مراجعتها يشعر بالألم والأسف...
هكذا كنت أنظر للأديب...

كتبه حبيب مونسي..
====
ربما لن أكون بدعا من أبناء جيلي ممن فتن بالأدب شعرا ونثرا، وأنفق من ساعات الشباب أعذبها في قراءة رواية، أو التلذذ بقصيدة، أو متابعة فكرة في كتاب من الكتب.. كنت أجد الأديب فتحا في الغيب يطل بقدرته الخارقة على النوايا، ويفتح مغاليق الصدور وينشر المستور من الأحاسيس والإحن، ويخرج خبء الأفئدة.. كنت أراه يحول الصمت المطبق من حولي إلى ضجيج تسكنه الهمسات والصرخات، وتعمره الحركات والاضطرابات، وكأنه يجري قلمه السحري في موات الخيال فينتفض حياة، ويدق أبواب التخيل فتنفتح على مدن وأرياف وفلوات وفجاج، وبحار وصحارى.. فلم أشك يوما أنه يغترف من معين قدسي صاف رقراق لا تشوبه شائبة من زيف الدنيا وباطلها، ولا يناله من درنها ووضرها شيء، وأنه في طهره قادر على أن يحدثك عن لوثات العالم بكل أصنافها وألوانها، وأنه بسط بين يديه كبد الدنيا فعرف أدواءها... كانت هذه الصورة تحيا وتتجدد مع جبران والرافعي والمنفلوطي..مع نجيب محفوظ ورضا حوحو مع الشابي وإلياس أبي شبكة وأبي ريشة... وغيرهم مما أجد اليوم حنيني إليه يبلغ مداه فأهرول إلى المكتبة أخرج ديوانه لأتفقد صوته وسمته.. وأعود إلى مجلسي وأنا أحمل في قلبي دفء الكلمة ودفء الخيال...
أما اليوم يرغمني كتاب الجيل الجديد على مراجعة هذا الاعتقاد الجميل، ليقول لي أحدهم بابتسامته الساخرة: يجب أن يكون الأديب قذرا، شاذا، وسخا، خائنا، منافقا، صاحب ضغائن وأحقاد،... إذا أراد أن يكتب أدبا صادقا.. وكل الذين قرأتَ لهم وشغفتَ بأدبهم كانوا كذلك.. إقرأ سيرهم ستجد ذلك واضحا جليا في كل سطر... قلت بمرارة نعم..نعم..إنهم بشر... ولكنهم لم ينشروا أمراضهم في نصوصهم.. كانت نصوصهم نصوص فأل.. نصوص حلم.. نصوصا حاولوا من خلالها تجاوز ما هم فيه إلى ما يصبون إليه.. كان الطهر يدعوهم في كل عبارة ليتطهروا عبر الكتابة ويغتسلوا في نهرها الدافق.. أما أنتم فتلوثون الكتابة بعهركم وأوصابكم.. ثم يبتسم مرة أخرى ويقول: النص الذي لا يجرح مثل الحديدة الصدئة ليس بنص.. الذي يترك جرحا لا يندمل.. جرحا يتعفن باستمرار... حينها تذكرت أنني كتب شيئا عن اتجاه يسمى "الواقعية القذرة" ولم أنشره بعد... وسيأتي..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح

آعـظـم 100 كتاب فـي تـاريخ الـبشريـة ... (جميعها جاهزة للتحميل)