كمال داود"،"عبد الفتاح حمداش، "عثمان سعدي" مظاهر هوية مُمَزَّقة / عامر مخلوف



كمال داود"،"عبد الفتاح حمداش، "عثمان سعدي" مظاهر هوية مُمَزَّقة 

Amer Makhlouf
عامر مخلوف
25 ديسمبر  2014

كتب د."واسيني الأعرج" مقالا بعنوان (محاكم التفتيش المقدس تستيقظ في الجزائر) نشر في القدس العربي  ورَدَّ د."عثمان سعدي" بمقال من إحدى عشرة نقطة يخلص فيه إلى أن "كمال داود" يحتقر الإسلام ويكره العرب والعربية فهو يعتدي على الجزائريين ويقف ضد القضية الفلسطينية وتُحرِّكه أياد صهيونية.

 فأما د."عثمان سعدي" فهو من العرب الذين عرَّبهم الإسلام كما هو الشعار المعروف. يقول:

(( كمال داود وواسيني الأعرج من عرب الجزائر، أنا عثمان سعدي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية وهي قبيلة اللمامشة المشهورة، لكن الأمازيغ الأحرار يؤمنون بأنهم عرب وأن العربية لغتهم)).  ويصف أمثال "كاتب ياسين"و"محمد ذيب" بأنهم مستلبون. وكأن الذي يريد أن يُحوِّل الأمازيغ إلى عرب- رغماً عنهم- هو الجزائري الأصيل الذي ليس مُسْتلباً.

صحيح أن من يقرأ  مقالات "كمال داود" لا يجد في القضية الفلسطينية ولا في تدمير غزة سوى حدث عابر بالنسبة إليه. وأنه يتحدث عن إسرائيل وما يكنُّه الناس من حقد تجاه اليهود وكأن إسرائيل هي الشعب اليهودي ولا فرق بينهما.  ويصمت عن الاحتلال وعمَّا يعانيه الفلسطينيون تحت الاحتلال، علماً بأن إسرائيل التي هي آخر استعمار في العالم وأبشعه، ليست سوى آلة صهيونية لا علاقة لها بالديانة اليهودية إلا من باب استعمالها كما يُستعمل الإسلام ولا يُقدم  للرأي العام إلا من خلال ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)).

لكن "كمال داود" لا يريد أن يشير إلى الصهيونية.ربما لأنها في باريس وغيرها من القلاع وتتحكم في المفاصل التي توصله إلى مبتغاه.

ولا يخفى على السيد"عثمان سعدي" وهو الذي شارك في حرب التحرير، تضامن الأجانب- ومنهم يهود- مع الثورة الجزائرية.كما يعارض يهودٌ أيضاً الاحتلال الإسرائيلي اليوم. لكن الفكر القومي الذي يفخر بالانتماء إليه قدَّم خدمة لإسرائيل يوم طرُد اليهود من بعض البلدان العربية.

هذا المدعو "حمداش" هو في نظر د/"عثمان سعدي"شيخ، إنه يمنحه هذه الصفة التي صارت تُوزَّع يميناً وشمالا على كل جاهل تعوَّد أن يكرِّر ما يُنتجه الآخرون. وينتهي إلى الدفاع عن "حمداش" بدعوى أنه لم يقصد التحريض على قتله.فيقول :((الشيخ حمداش لم يهدر دم كمال داود مثلما أُشبع، وإنما طلب من الحكومة الجزائرية أن تحاكمه ورأى أن يكون الحكم عليه بالإعدام لأنه حقَّر القرآن والإسلام). فماذا  يعنى إهدار الدم بعد المطالبة بإعدامه؟

هذه هي عقلية الشيخ الذي يبرِّئه السيد "عثمان سعدي " إذْ لا يكتفي بالتوجُّه إلى الحكومة الجزائرية، بل يُمْلي عليها الحكم الواجب تنفيذه وهو الإعدام.

والحقيقة أن الكلام ليس موجَّهاً للحكومة الجزائرية. فالشيخ في قرارة نفسه لا يعيرها أي وزن.إنما يتوجَّه إلى حكومة الوحوش الذين يلوذون بالجبال والكهوف ويلتقطون ما يصرِّح به هؤلاء "الشيوخ". فهُم ْأَدْرى من غيرهم بأن النظام من الهشاشة بحيث يقدم لهم التنازلات المتتالية ولقد كوفئوا على ما اقترفوه من جرائم عن طريق المصالحة والتوبة والوئام والغفران وأصبحوا يُطلُّون عليْنا من الشاشات براياتهم السوداء، سَوادَ قلوبهم المطبوعة بحقد القرون الوسطى.

فأما أن يزور "صنصال"أو غيره، إسرائيل فلعلَّه أهْوَن من قناة الجزيرة التي أدخلت الإسرائليين الصهاينة إلى بيوتنا ولم نكن نعرف وجوههم من قبل. ولا نسمع من أعداء إسرائيل انتقاداً للجزيرة، لأن إمارة قطر الإخوانية تحتضن القواعد الأمريكية وتُنسِّق مع الصهاينة تحت الطاولة.

ثمَّ ماذا جنيْنا من عروبة السيد "عثمان سعدي" الذي ظل طيلة حياته جزءا من السلطة في الجزائر يستمع إلى الخطاب القوْمي/ البعثي أكثر مما يستمع إلى رنين الجزائر؟ وماذا جنى العراق من سياسة"صدام "الذي كان بالنسبة إليه رمز العروبة وفارسها المغوار؟ تُحركه المخابرات الأجنبية من حيث يدري أو لا يدري، فيُدخل شعبه في حرب ضد إيران ثم يغزو الكويت، ولما أشرف على السقوط استنجد بـ "الله أكبر" فأضافها إلى العَلَم الوطني العراقي وهو الذي قضى كل حياته لا يؤمن بها إطلاقاً.

لماذا لم يَصْرخ السيد"عثمان سعدي " في وجه القاضي الأول في البلاد وهو يخاطب مواطنيه بالفرنسية وقد جاراه في ذلك كل المسؤولين؟  ألم يكن في هذا شيْء من"كمال داود" وأكثر؟

صحيح أن "كمال داود" يبصق على جبهة التحرير من غير تمييز بين ماضيها وحاضرها ويتناسى أولئك الذين قدَّموا صدورهم للرصاص الفرنسي وهم في ريْعان الشباب حين يقول:

.  ((Le FLN  n’est pas mon Père. Il ne sera jamais mon fils. Je ne raconte plus son histoire à mes enfants. Je me détourne de ses traces, salles, slogans)).

وإن كنت لا أدري إلى أي مدى ناضل "كمال داود" داخل الوطن ضد الممارسات التي ينتقدها، ولكن ألم يُحوِّلْ حزب جبهة التحرير النهر عن مجراه؟ وداس على  تضحيات الشهداء والمبادئ المقدسة؟ واستمر أعضاؤه ينهبون البلاد ويحتقرون العباد باسم الشرعية التاريخية؟ وكان السيد "عثمان سعدي" طيلة حياته واحداً من أبرز قادته.وهل يدرك بأن أطفالنا لم يعودوا يعرفون هذا الخطاب وإذا عرفوه يتنكَّرون له؟

بسبب أن أقلية من المجاهدين الأنقياء حافظوا على نقاوتهم، بينما استوْلى آخرون على مكاسب تفوق ما قدموه لهذا الوطن. وإن كثيرين من الذين تحمَّسوا للتعريب بعثوا أبناءهم للدراسة خارج الجزائر، ولم تكن لهم أية علاقة بالعربية إلا من حيث هي مطية يركبونها كلما ازدادت مطامعهم.

إن قضية "كمال داود" إذا كانت تفيدنا شيئا، فإنما تنبِّهنا إلى أننا مازلنا نركض للبحث عن هوية مفقودة. هذه الهوية يبدو أن د."عثمان سعدي" قد حسمها منذ زمان حين حصرها في إيديولوجية بعثية أثبتت فشلها الذَّريع. بينما راح "كمال داود" يبحث لنفسه عن موقع في الجهة الأخرى وقد لا تهمه الهوية أصلاً.

فهو يسعى إلى أن يصبح اسماً عالمياً بسرعة جنونية على طريقة"سلمان رشدي". تحدث في مقالاته بطريقة استفزازية عن فلسطين والعروبة والإسلام وليس في ذهنه إلا هدف واحد أن يحقق نجاحاً بإرضاء اللوبي الذي يمكِّنه إعلامياً من الوصول.

فليس "حمداش" وحده هو الذي يقدم خدمة لـ"كمال داود" ، وإنما"كمال داود" بطرُّفه واستفزازه يقدم خدمة أكبر للشيوخ، وما يظهر في مقالاته من "شجاعة" موْهومة لا يعدو أن يكون لغة شعبوية تستغفل  القراء.

"عثمان سعدي"كما" كمال داود"كلاهما يرضع من ثدْي مختلف، لكن الثَّدْييْن كليْهما ليسا متأصِّليْن في صدر الجزائر.

في حين يرضع حمداش أو"حمداعش" من ثَدْي توحَّش منذ القرون الوسطى يدعو إلى الجريمة جهاراً نهاراً . لأنه وأمثاله يدركون هشاشة هذا النظام الموْبوء. وهم سعداء بما قَدَّم لهم من تنازلات وسعداء أنْ غفر لهم كل ما ارتكبوه من مجازر وأصبحوا يطلون علينا من الشاشات ليعيدونا إلى القرون الوسطى.

فالسيد"عثمان سعدي" وهو يتشبَّث بقناعته البعثية، إنما يسلب الإنسان الجزائري خصوصيتة التاريخية والوجودية ولو كان يعبر عن ذلك بما يراه روحاً وطنية صادقة.

 و"كمال داود" وهو يتفنَّن في أساليب السبِّ والشتم من غير تحليل رزين، إنما يسعى لإرضاء الآخر عن طريق الإثارة الرخيصة، لكن الاستفزاز لا يصنع كاتباً. وكل ما يمكن أن يجنيه أن يحوز وثائق تضمن له الإقامة أو ربحاً مادياً زائلا، كما حصل مع كثيرين قبله.

بينما "حمداعش" يقول لكم لو أن الأمر كان بيده لما تردَّد في قتل "كمال داود" ومَنْ شابَهَه. ما يثبت أن التسامح الديني لديْه ليس سوى كذبة خلت من قبلها الأكاذيب. وأن الذي يؤمن بالحقيقة المطلقة ويأمل أن يسود الكوْن كُلَّه باسم الإسلام- ذات يوم- يستحيل أن يصبح ديمقراطياً. 

إن القضية –في جوْهرها- تتعلَّق بهوية ظلَّت تتنازعها أحزاب تُشكِّل في مجملها تنويعات صوتية على واجهة النظام، تمارس التعددية وتوهِم بالديمقراطية. وفي غياب مشروع مجتمعي محدَّد المعالم أصبح جائزاً أن يغنِّي كل واحد على ليْلاه. إنهم يحضرون حين تغيب الجزائر.إنهم يطوِّقون الهوية ليمزِّقوها. وهو أنسب مناخ تعشِّش فيه الانتهازية والوصولية.

إنهم يشكِّلون مظاهر هوية ،بل فريسة مُوزَّعة ، كل ينهش من جهة.
 تُرى لو حصل مثل هذا لمواطن جزائري لا يعرف إلا العربية، ويقيم داخل الوطن، ونشر ما هو أعمق وأكثر تنويراً ،هل ستحدث كل هذه الضجَّة؟

إنـي أشك في ذلك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح