الخطاط الأردني ابراهيم أبو طوق .. من أشهر مبدعي الخط العربي الحديث / وليد سليمان



الخطاط الأردني ابراهيم أبو طوق من أشهر مبدعي الخط العربي الحديث / وليد سليمان

رغم كل التطورات والتقدم التقني والآلات والمخترعات ما زال الخط العربي يعيش حالة الابداع والتقدم الفني في تراكيبه الجديدة التي تعيش ضمن النسيج الاجتماعي والحياتي المعاصر.
يقول الخطاط الاردني المعروف عربياً ابراهيم ابو طوق متحدياً نفسه وفن الخط: «ان الخطاط ما لم يكن مبدعاً ومبتكراً الشيء الجديد فهو ليس فناناً»!!.
منذ سنوات كنا نلاحظ بعض الخطوط العربية الكلاسيكية خلف الاوراق اليومية الصغيرة التي ينزع منها القارىء كل يوم ورقة من اوراق التقويم الاردني الهاشمي وهي للخطاط الأردني ابراهيم ابو طوق.. لكنه مؤخراً سار في درب آخر مع عالم الخط العربي والاسلامي بعد ان قرر التميز في هذا الفن الخطي العريق.
وكيف كان ذلك؟! يشرح هنا لنا الخطاط ابو طوق مسيرته الطويلة مع الخط منذ الصغر قائلاً لأبواب الرأي ما يلي:
الخط بملقط الغسيل
كنت أدرس في المرحلة الثانوية بكلية الحسين ومدرسة رغدان حيث عرف الزملاء والمدرسون حُسن خطي وكنت اساعد بكتابة وتخطيط بعض اللوحات المدرسية.. لكنني ومن جانب آخر اخذت أقلد خطوط العناوين الرئيسة في الصحف الاردنية وبعض عناوين المنشورات والكتب.. مجرد تقليد ولا اعرف أسس وقواعد الخط العربي جيداً.. وذات يوم كسرت ملقط غسيل خشبي وعملت منه أشبه بريشة خط وبدأت أخطط وسررت جداً بهذا الاكتشاف.
لكنني عندما انتسبت لكلية وادي السير في السبعينات تعرفت على أستاذي محمود القرو وكان يدرسنا مادة الاظهار المعماري وكان خطاطاً بسيطاً لكنه يعرف أدوات الخط.. فاعطاني ما لديه من خبرة واوصلني الى نائب المدير وكان هذا خطاطاً جيداً حيث أخذ بيدي واهداني مجموعة من اقلام الخط و(2) لتر من الحبر الصيني الاحمر - ما ازال احتفظ بشيء منه حتى الآن - وكانت هذه اول مرحلة ايجابية لي لدخول قلعة فن الخط العربي.
التعرف على الخطاطين في عمان
وحاولت بعد ذلك الاستفادة من صناع الاعلانات الخطاطين في عمان لان لديهم خبرات عملية مع فن الخط.. لكن مع كل الاسف كان الصد من قبلهم كونهم يتعاملون مع مهنة وليس مع فن.. وخشية انتقال اسرار مهنة الخط منهم لهذا الدخيل الجديد وحتى لا انافسهم ربما.. الا ان المرحوم ابراهيم ثابت وكان يعمل خطاطاً موظفاً عند الخطاط ياسين افادني بما تسمح له ظروفه!!.
واذكر انني ذهبت ذات مرة ايضاً الى خطاط كبير في العبدلي فقام بتجاهلي ورفض اعطائي أية معلومة او مساعدة او فكرة عن فن الخط العربي.
شحنات تشجيع
وبعد تخرجي في نهاية السبعينات من كلية وادي السير عملت مع المهندس المدني كريم بواب وكان هذا الشخص المشجع الذي مدني بشحنات من التشجيع والاستمرار ومواصلة مساري الفني.. وقد عرفني على مفاتيح الفن بشكل عام من خط ورسم وموسيقى مثل الموسيقى الكلاسيكية لبتهوفن وموزارت وهايدن.. الخ.
وفي تلك الفترة كذلك تعرفت على الفنان محمود طه في العام 1980 وكان من أعلام فن الخط العربي في الاردن.. فقد التقيت به من خلال محترفه في جبل اللويبدة.. وكان الاستاذ محمود طه منشغلاً بايجاد اسلوب فني جديد بادخال الخط العربي من خلال الاعمال الخزفية.
الهندسة وليس الخط
وفي مرحلة الثمانينات يبتعد قليلاً أو كثيراً الفنان ابراهيم ابو طوق عن ممارسة الخط العربي وذلك بسبب العمل ولقمة العيش حيث انشغل من خلال وظيفته في بعض الشركات والمؤسسات بالاعمال الفنية المعمارية.. ثم يذهب الى العمل في مجال آخر لكنه فني هندسي كأعمال الديكور ورسوم الاثاث مع بعض الشركات.. وطلب منه أيضاً ان يساعد في انجاز الاعمال الفنية لدى دار المشرق وكانت قديماً شركة اعلانات وخدمات فنية وجرافيكية معروفة.
ويلتقي أيضاً مع آخرين من دارسي فنون تصميم الجرافيك مثل رندة الجبجي واسماعيل كشت حيث استفاد منهم وعرف تفاصيل واسرار هذا الفن.. وذهب الى السعودية كرئيس قسم للتصميم في احدى مطابع الدمام.. ويأخذ من كل ذلك خبرات ومعارف جديدة على صعيد الطباعة وفنون الاعلان والفن الاداري.. لكن كل هذا كان بعيداً عن ممارسته لفن الخط العربي.
الخط الكلاسيكي
وعند عودته الى عمان في أوائل التسعينات يعود ابراهيم ابو طوق بشحنات ادارية كمدير تنفيذي في عدة مطابع في عمان.. وفي ذلك الزمن تتأجج محبة فن الخط ليقوم بالاشتراك في معارض جماعية للخط العربي منها ما كان في جامعة الزيتونة, والجامعة الاردنية, والجامعة الاهلية وفي الاسبوع الثقافي الاردني بسلطنة عمان.
وفي العام 2002 يتعرف ابو طوق على الخطاط (جمال الترك) ويرافقه مدة 3 سنوات ويتعلم منه الكثير في مجال الخطوط العربية وبالذات خط النسخ!! ولماذا خط النسخ!! لأنه خط الجرائد وخط الانترنت وخط القرآن ولأنه الاكثر حضوراً في الحياة اليومية لدى الناس.
وهناك أيضاً من المهندسين والخطاطين الذين احتك بهم واخذ عنهم الخبرات والتشجيع والبحث مثل خالد الكردي الذي كان يملك أصولاً وأسراراً للخط العربي, وكذلك المهندس محمد وليد العك الذي كانت لديه رؤيا وفهم لأسرار الفنون الاسلامية عامة والخط العربي خاصة.. بالاضافة الى زملاء أضافوا الى خبراته مثل الخطاط شحادة هارون, ورياض طبال.
أن أكون متميزا
وفي العام 2002 يقول الخطاط ابراهيم ابو طوق: حصل معي زلزال عنيف حيث توفيت ابنتي الكبيرة وفقدت عملي وحياتي الاجتماعية اصابها نوع من الفوضى والاضطراب وبعد انقطاع دام 6 اشهر عن ممارسة كل الفنون وكنت معتزلا خطا ورسما وموسيقى وكانت النتيجة انني قررت ما يلي : اما ان اكون خطاطا متميزا وصاحب طريقة واسلوب غير مسبوق او ان اترك الخط العربي نهائيا لغيري
رحلة التحدي
فقد قال المنفلوطي قديما عبارة رائعة تبنيتها فيما بعد وهي : ما لم تضف شيئا على هذه الدنيا فانت زائد عليها لذلك فانني وقفت افكر ورحت في رحلة من التحدي في دراسة الموروث الفني العربي من فنون العمارة والفنون التشكيلية وفنون الموسيقى والخط العربي من جديد .
ويوضح الفنان ابو طوق قائلا : وللامانة فانني قمت بتفكيك الموروث الخطي العربي الاسلامي واعادة تركيبه من جديد وذلك قبل ان اتعرف على نظرية جاك دريدا الجزائري الفرنسي (التفكيكية) لذا بعد بحث ودراسة وتعب فقد بدأت تظهر لدي بذور فن خطي جديد وذلك من خلال تتبعي لاعمال المهندسة زها حديد العراقية التي تعيش في لندن واعمال الاسباني سنتياغو كالاترافا واعمال الايطالي بنغازينا واقول ان الموسيقى والنحت والعمارة كانت هي المحاور الثلاثة التي بنيت عليها تجربتي الجديدة في فن الخط العربي.
احترام للانترنت
ويوضح ابو طوق: انني اكن كل التقدير والاحترام لمخترع الانترنت كونه عرفني شخصياعلى كثير من الاعمال العالمية سواء كانت عمارة فن تشكيلي تصميم صناعي الخ.. مما لم يكن متاحا ذلك قبل ثورة وانتشار الانترنت وتعرفت من خلاله كذلك اعمال الفنان التونسي نجا مهداوي ورشيد قريشي الجزائري واذهلني ايضا الخط الصيني والياباني وطريقة تعاملهم التجريدية مع حروف لغتهم وكل هذه كان حافزا لي في ظهور نمط جديد للخط العربي رأى النور اول مرة في عامي 2006 – 2007
الخط قديما وحديثا
وعندما سألنا الخطاط ابراهيم ابو طوق عن تعريفه للخط العربي قديما وحديثا قال الخط العربي قديما ارتبط بالوظيفة على اعتبار ان الوظيفة كان لها تقاطع ايجابي مع الدين الاسلامي فلقد تم استنباط اشكال جديدة للكتابة على ايدي العباسيين والاتراك فيما بعد لتناسب كتابة القرآن الكريم والكتب الادبية والعلمية.
وبالتالي اخذ الخط العربي بعداً جماليا جديداً بعد ان اشبع وظيفيا وكان للاتراك والايرانيين الفضل الكبير في صياغة وتهذيب اشكال ونسب الحروف التي نراها الان وعليه كان الخطاط قديما مبدعا.
اما حديثا فنقول ان الخط العربي ومن يعمل به فقد الكثير من جماليات التكوين والبناء وهنا اقول ان المشكلة هي فيمن يمارسون الخط العربي وليس في الخط العربي نفسه لقد كان الخط العربي يعيش حالة ازدهار في الفترة التي انشئ فيها ولقد كان منسجما مع العمارة والموسيقى والفنون الاخرى.
السيارة والكمبيوتر
الان وبعد دخول عناصر جديدة على حياتنا اليومية مثل السيارة والطائرة والكمبيوتر وبعدما اصبحت هذه العناصر شريكا للانسان في المرجعية الفنية حيث ان هذه العناصر لم تكن موجودة قبل العام 1920 كان الانسان في نسبه الجمالية والمثالية هو المرجع لكل من عمل بالفنون بشكل عام والخط العربي بشكل خاص.
والان وبعد دخول هذه العناصر الحياتية في عصرنا الحاضر اصبح الخط العربي يعيش غربة وبالتالي كان لا بد لي من الانطلاق من عدة مفاهيم اولها : ان الثابت الوحيد في هذا الكون هو المتحرك وثانيا : انه لا يوجد فن بلا رسالة فكل المدارس الفنية سواء كانت تشكيلية ام خطية يجب ان تحمل رسالة للاجيال القادمة والا فهي ليست فناً.
ولقد حمل الخط العربي رسائل باعتراف بيكاسو عندما قال : لم افكر في تجريد شيء الا وجدت الخط العربي قد سبقني اليه !!
الخط كائن حي
ويؤكد الفنان ابو طوق : ان الخط العربي هو كائن حي ونحن الان من نحاول تحنيطه ليبقى داخل ادراج المتاحف وبيوت الاثرياء وان من يمارس الخط العربي الان لا يحمل صفة الابداع او الفن بل على العكس هو الان حرفة وليس فناً.
ومن هنا كانت المدخلات العصرية التكنولوجية وفهم ابعاد هذه العناصر مدعاة لي لدراسة انماط جديدة من الخط العربي تعيش ضمن النسيج المعاصر بشكل حيوي وان الاتكاء على الموروث الخطي ليس فنا حيث ان الموروث الخطي هو ملك لمن ابدعوه.
ومن مميزات لوحة الخط الحديث لدى ابراهيم ابو طوق انه ادخل مفهوم البعد الثالث على لوحات خطه التي ترتبط بشكل كبير مع فن النحت ثم الاحتفاظ قدر الامكان على تتابع النص المكتوب سواء كان شعرا او نصاً دينيا او حكما.
مشاركات الفنان
وكان الفنان مؤخرا قد شارك بلوحات خطه الجديدة في معارض جماعية في عدد من الدول العربية منها الشارقة والسعودية والجزائر وايران وتركيا ودول اسلامية اخرى ونال العديد من جوائز التكريم والتقدير في هذه المهرجانات الدولية الخاصة بالخط العربي الاسلامي كان اخرها في مدينة تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية لهذا العام 2011.


http://www.alrai.com/pages.php?news_id=413740

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

حوار الخامات وولادة الأثر، قراءة في تجربة سامي بن عامر / رياض بنالحاج أحمد: باحث جامعي