انا عراقية / هيفاء الشمري


انا عراقية / هيفاء الشمري

في صمت الاغتراب تتزاحم حقائق في الذهن رغم ان البوح مقموع مأسور التعبير مختنق الحنجرة وبالتالي من جراء ذالك يتطهر الجسد من ضوضاء الشوائب وزحمة كثر الكلام فتنتقي الروح ما هو يصح معرفته وما يصح قوله ويسود العدل ذالك الانسان حتى يصل الى معرفة متفوقة فاللسكينة والهدوء اصلاح للذات وعلى هذا الأساس يتم النظر بعين ثاقبة ٠٠ في احد مواقع الاغتراب وقفت عند محل كُتب عليه ( بابيلون) لبيع الاكسسوارات الفضية والأحجار الكريمة وبعض المسبحات الاسلامية بخرز ملونة وأعمال اخرى يدوية تدل على ذوق صاحب المتجر وانا امراة خرافية تحب ألوان التركواز وحجر الشذر والطلاسم التي تنقش على الخواتم ٠ وإذا به عراقي يدعى ابراهيم سلمت عليه بكلمة مرحباً ردها بقول وعليكم السلام كان رجل حرفي في تجارته كبير تدل هيئته على انه يمتهن تلك التجارة سنين طويلة رحب بي وبأبنتي كونها من رواد تلك الأمكنة وأصبحت معروفة بفنها واجتهادها وذوقها الغريب وأندماجها الشجاع الماكر دون إنكار للأصل بولاء واعي ومدرك ٠ جلست على احد الكراسي وهم بضيافتي بشرب قهوة انا والسبوءة فغلبته سبأ بكرمها كالعادة التي تربت عليها داخل البيت وذهبت لأحد المقاهي المجاورة وجلبت القهوة على عجل 

Photo : By Edith Wawrowska

٠٠ بعدها دخلوا زبائن الى ذالك المتجر وانشغلت انا بمهاتفة تلفونية تكلمت بها لغتي العراقية ٠ وعندها سمعت صوت رجل يقف ليس بقريب مني مساحة (مساء الخير انتي عراقية ) ابتسمت بعفويتي المعهودة نعم انا عراقية ٠ كان رجل شاب يرتدي ملابس سوداء وطاقية سوداء وبدا على وجه صمت عظيم وأيقنت بعدها انه فنان تشكيلي من طراز متميز حرفيته سيراميك مزجج ورسم خيول وشناشيل بحس عجيب وتصميم ديكورات مدارسه عربية وأوروبية واتضح لي انه قد عادل شهادته العراقية بدراسة أوربية حاصلاً على تلك الشهادة كي تؤهله للعيش في اغترابه بشكل كريم ٠ رايته حزين فيه ندم كبير على ماهو عليه من حال رغم نجاحته في أعماله ٠ عندها قال ابراهيم صاحب المتجر ما أسعدني أجتمع عندي العراقيين الطيبين الذين عهدتم ما أسعدني حين يجتمع بقربي المبدعين والاخيار هذا هو العراق وهذا هو الانسان العراقي مثقف ومبدع شاعر وفنان ٠ وفرحنا جميعاً بتلك الصدفة الجميلة التي جمعتنا حيث تناولنا كأس الاغتراب قهوة عربية بعد مشاهدة بعض من اعمال الفنان ذاته على جهازه النقال ٠ سألت ذالك الفنان هل حصلت على الجنسية للاستيطان الجديد قال نعم وقد تنازلت عن جنسيتي العراقية لأنني وبصراحة لحقني الويل والثبور من تلك الهوية وضياع الارض العراقية مابين صفوية وعثمانية حتى امتلأت بغداد عاصمة السلام ببشر من سلالة هولاكو وجنكيز خان وانا الان لست بعراقي ٠٠ ابتسمت ابتسامة صفراء وقلت العراق عظيم وليس ملك هؤولاء المرتزقة ولا بقعة للصوصية والأجرام انها وعكة وطن حالما ستزال فافتخر إِنَّكَ عراقي وابن ام عراقية عظيمة حتماً وأب عراقي فيه الخير فالولا عراقيتك الحقيقية ما كنت انت الفنان والمبدع بأعمال كلها فولكلور وتاريخ بغدادي وسحر بلاد الف ليلة وليلة ولولا لم تكن عراقيا ماكنت ذالك المتعلم المهذب والصابر٠ أنتَ العراقي الذي يجب ان يعترف بعراقيته ويثأر لعزة الانسان المغبون في ذالك البلد الدامي وهذا السيد ابراهيم عراقي وهذه انا عراقية وهذه ابنتي تحارب العنصرية بصبر جميل وبعزة نفس وعفة تسابق اهل البلد نجاحاتهم لا خمر ولاتدخين ٠٠ماغاب عني قمر العراق ولا نخيله ولا جداوله ولا نهرانه كتبت لدجلة والفرات بعثت لهم رسائل حنين بقناني من زجاج وَشاورتّْ الحمائم والعصافير ان يقرئوا للبلابل التي تقف على شجرة السدرة وقمرية العنب في دار ابي قصيدة ٠ انا عراقية لا افهم في الطوائف والأديان لا فرق عندي شيعياً كان او سنياً ماهمني الدين مسلم مسيحي صابئي او يهودياً ماهمني تكالب الساسة والخونة والطامعين من بقاع لايعرف من هم وما اصلهم مايهمني انه بلد الطبيعة والحقيقة والتاريخ والميثولوجيا سيد الحضارات مايهمني انه بلد النماء والثروات مايهمني شماله ووسطه وجنوبه وأصالة شعبه مايهمني اني انتمي لاشور وبابل وعشتار ٠ والله انا عراقية فديتك بروحي ياعراق واني لن أفارق تلك الهوية وآخر صيحة في عمري اني عراقية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح