الفنان التشكيلي ناصر حسين: الفن التشكيلي السوري كالأغنية نغنيها بالطريقة نفسها


الفنان التشكيلي ناصر حسين: الفن التشكيلي السوري كالأغنية نغنيها بالطريقة نفسها

تحتاج اللوحة الفنية إلى حساسية عالية أثناء العمل لأنها تنهل من ذاكرة حياة الفنان ومخزونه البصري ومكنونات نفسه التي لا يظهرها إلا على سطح اللوحة وخاصة أنها تعالج في البداية ما يحمل في داخله من أفكار ومشاعر وأحاسيس ليضفي عليها بعد ذلك لمسات من ريشته بتقنية تميزه عن الآخرين... والفنان ناصر حسين يعد واحدا من هؤلاء الفنانين الذين تستوقفك أعمالهم الفنية للحظات ليحفز مخيلتك بالعديد من الأسئلة عما يجول في خاطره من موضوعات وما يختلج ذاته من مشاعر أيضاً وهو اليوم يقيم معرضه في غاليري الأتاسي ليعرض لنا ما توصل إليه من البحث والتجريب في العمل الفني، ففي هذا المعرض يستند ناصر حسين إلى الشكل الإنساني ضمن مساحات من الفراغ بشكل أكبر بعد ما يخضعه للحذف والاختصار في الخطوط والتفاصيل مشيراً إلى الحياة الجنسية في معظم لوحاته ومانحا إياها معالجة لونية بتقنية أقوى ولاسيما أنه يملك أسلوبه الخاص أثناء العمل على اللوحة الفنية فهو يمنح هاجسه التشكيلي المزيد من التميز والتفرد...
 

 ما الجديد في معرضك هذا؟
أعتقد أن هذا المعرض كان خطوة للأمام لتجربتي وخبرتي الفنية بشكلها العام، فالمساحات كبرت ووجدت الشخص أو الشكل الإنساني الذي أشتغل عليه بمعنى أن مكانه في اللوحة صار يأتي بالموضع الصحيح ومهمته أصبحت أكثر فاعلية في العمل الفني فهو إنسان ضمن مساحة من الفراغ دون وجود أهمية للمكان على الإطلاق بل يقع ضمن عالم من الرغبات والأحلام والوحدة والعزلة، إضافة إلى أن الموضوع عام أتكئ عليه فقط لأنني أهتم بالتشكيل واللون بشكل أكثر من الموضوع ففي هذا المعرض قدمت خمس عشرة لوحة تنوعت بين الشخوص والجداريات الأقرب إلى اللوح والتي أعتمد فيها مد المساحات اللونية ومن ثم أقوم بتحديد الشكل وحذف كل ما قد يسيء إلى اللوحة وكل ما هو غير ضروري...
 

من خلال تجربتك الفنية هل اختلفت معايير اللوحة ومفهومها اليوم عن السابق؟
لا أعتقد أنها تختلف وإنما تتطور تلك العلاقة بشكل أعمق أي أن علاقتي مع اللوحة تتبلور أكثر لتطور علاقتي مع الحياة والكون وتعدد الخبرات التي قد نمر بها من خلال رحلة السنين، لكن اللوحة في النهاية ليست منفصلة عن مفهومي للحياة والذي يراها بالشكل الصحيح يستطيع فهمها وهذا ما أدعوه بالمثقف حياتيا إن صح التعبير فالفنان صاحب التجربة يستطيع اكتشاف اللوحة ذات المفهوم العميق عن اللوحة السطحية..
هل أنت مع تسمية العمل الفني تحت مدرسة أو أسلوب ما؟
في الواقع أعتقد أن أسماء المدارس هو عبارة عن وسيلة أوجدها النقاد لتسهيل عملهم والذي أقدمه هو ذاتي برؤية خاصة وإذا اضطررت إلى تسميته فأجده أنه يندرج عملياً تحت التعبيرية..
 
من اليمين: التشكيلي مصطفى علي، الخطاط والتشكيلي منير شعراني، الفنان ناصر حسين، التشكيلي يوسف عبدلكي

وما رأيك بالنقد الفني في سورية؟
لدينا أسماء لامعة في النقد الفني لكنها قليلة جداً وأما البقية هم عبارة عن صحفيين غير مختصين ففي أحد الأيام تراهم يكتبون في الاقتصاد مثلا ومن ثم تراهم يحللون معرضا ما أو عملا فنياً لفنان تشكيلي لذا أراهم يكتبون لمكاسب شخصية قد تتعلق بالمال أو بمصالح أخرى، لذا أرى أنه لا يوجد هذا التخصص في بلادنا وبالتالي لا يوجد نقد فني تشكيلي وأعتقد أن هذا يدمر الفن والثقافة...
إذا.. ماذا ينقصنا فنيا؟
من حيث المتلقي ينقصه الكثير من الاطلاع على التجارب الفنية العالمية والعربية والمحلية والاهتمام بشكل أكبر بالإرث الفني المحلي فمثلا المتحف الوطني لا يزوره إلا المختص والسائح كما أننا لا نملك ثقافة فنية بالشكل العام أي أننا لا نأخذ أطفالنا لزيارة المتحف ولا نعرّفهم على إرثهم الحضاري الفني وبالتالي هذا سيساهم في تدني الذوق الفني وفي المقابل إذا حاولنا فتح هذا المجال ودعمه أكثر من خلال تربية فنية صحيحة في المدارس سيظهر لدينا مجموعة من الفنانين والتشكيلين الذين سيولدون مجموعة أخرى أكبر وهكذا.. وهذا موجود في ألمانيا فلا يوجد طفل في المدرسة لا يعرف إيميل لوندا مثلا أو بازاليتس أو لم يشاهد لوحات كبار الفنانين عندهم في الوقت الذي لا يعرف أطفالنا شيئاً عن فاتح المدرس رغم أهميته الكبيرة ومرسمه تحول إلى بلاط ملمع وللأسف لا يوجد أيضاً عندنا مكان خاص نرجع فيه إلى إرث نزار قباني الشعري مثلا.. ، وفي السنة الماضية وفي ندوة فنية قال إلياس زيات جملة مفيدة جداً مفادها إن فاتح المدرس قال في أحد الأيام إننا إذا أردنا الانتصار على إسرائيل لا بد من أن نصطحبهم إلى المتحف بمعنى أن لدينا إرثاً كبيراً يجب الاهتمام به..


Photo : ‎من أعمال الفنان السوري ناصر حسين‎




وبالنسبة إلى الفنانين..؟
أعتقد أن الفن السوري هو مثل الأغنية تماما نسميها دائماً بنفس الطريقة أي أنه مكرر ويقع تحت عنوان الخ... الخ.. الخ..- والخ عنوان قصيدة للشاعر محمود درويش-، أي إلى آخره ولا شيء جديداً... إضافة إلى أنه يوجد العديد من الفنانين غير المطلعين على التجارب الفنية العالمية لأن فرصة السفر لم تتح لهم لكن يوجد أيضاً العديد من الفنانين الذي سافروا وعادوا ولم يغيروا شيئاً من أسلوبهم لاعتقادهم أن ما يملكونه هو الأهم وأرى أنهم منغلقون وغير قادرين على التجديد والطريف في الأمر قسم من هذه الأسماء هي نجوم لكنهم لا يزورون حتى المعارض التي تقام في دمشق لذا أرى أنه عندما يصنف الفنان نفسه ضمن هذه اللائحة فهو يقتلها فنيا..
لكن الفنان فان كوخ ظل يرسم ورد عباد الشمس مثلا..
نعم لكن هناك أسماء كثيرة بقيت عشرين سنة ولم تغير من شخوصها وألوانها وأشكالها فمثلا من الممكن أن أرسم لمدة مئة عام الشكل الإنساني لكن لابد أن يطرأ شيء جديد على لوني ولمستي للريشة ومعالجتي للوحة والتعامل معها أيضاً..
هل تأثرت بالمدارس الألمانية أم حافظت على الخصوصية الشرقية؟
من خلال دراستي بألمانيا استفدت من التكنيك وتعلمت كيف أشتغل على اللوحة وأتعامل مع اللون لكنني بقيت محافظا على الخصوصية الشرقية أي إن الموضوع الأساسي في لوحاتي أخذته من هنا وفي المقابل أعتقد أن اللوحة لوحة لا شرقية ولا غربية، لكن أحياناً يوجد مفردات تشكيلية شرقية وغربية والمفردة التي أشتغل عليها هي مفردة إنسانية موجودة في كل بقاع العالم.. لذا لابد أن نحافظ على خصوصيتنا ونعمل على تطويرها بوسائل عدة عن طريق رؤية تجارب الآخرين من دون وضع جدار بيننا وبينهم..


 


هل للفن السوري اسمه العريق في ألمانيا؟
الفنان السوري ليس له وجود إعلامي هناك فمثلا الفنان مروان قصاب باشي له اسمه الفني في برلين وهناك بعض النخبة في ألمانيا إضافة إلى أن الفنان العالمي هناك دخل في ثقافة الشعوب فمثلا بيكاسو عالمي لأننا نرى أعماله في كل متاحف العالم ومعارضها لذا لا يوجد طالب في العالم لا يعرف لوحاتهم أما الفن السوري فلم يصل بعد إلى تلك المرحلة والفنان الوحيد السوري العالمي هو أدونيس..
ما تأثير الغربة في الإبداع؟
في الحقيقة لم أشعر بالغربة في ألمانيا لأنني وجدت مناخاً فنياً جيداً حيث اطلعت على العديد من التجارب وزرت متاحف كثيرة إضافة إلى أنني استفدت من الأكاديمية التي درست فيها، لذا أعتقد أن السفر مهم جداً للفنان وكذلك الاندماج بالمجتمعات الإنسانية لأنه يغنينا إنسانيا وهذا يؤثر بالتالي في عملنا بشكل أوتوماتيكي...
هل تشعر بالاغتراب في بلدك سورية..؟
أعاني الاغتراب في بلدي لمشاكل يعاني منها الفنان في سورية والمشكلة المادية ليست الأساسية فيها لأنها موجودة في كل البلدان وإنما وضع الفنان نفسه وموهبته وعلاقته الشخصية ومسائل عديدة، لكن لا يوجد عندنا المناخ الفني والثقافي وإنما حالات فنية وثقافية وهذا لا يخلق فناً أو ثقافة..
واليوم ما رأيك بتطور الحركة التشكيلية الملحوظة وخاصة بعد ظهور صالات فنية جديدة..؟
كان هناك أسماء فنية مهمة نراها قليلا أو نادراً أما اليوم صرنا نشهد لها العديد من الأعمال والمعارض إضافة إلى أنها ساهمت بانتعاش بعض الفنانين ماديا مع أنني لست مع بيع اللوحة بسعر عال جداً لأن الفنان الذي يبيع بهذا السعر هو نجم بكل أوروبا وأرى أن الفنان السوري لم يبلغ هذه الدرجة من النجومية... لكن أتمنى من هذه الغاليريهات أن تهتم بالشأن الثقافي أكثر كأن تقيم محاضرات وندوات على هامش المعرض لأننا لا نملك نقداً فنياً صحيحاً...




لمحة عن الفنان
تخرج الفنان ناصر حسين في كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1997 ودرس في جامعة زيغن بألمانيا عام 2003-2004 كما درس أيضاً في أكاديمية الفن في دوسلدورف، بألمانيا 2004-2006 وأقام العديد من المعارض الفردية كمعرضه في صالة عشتار عام 2001 ومتحف مدينة بيرلبورغ 2004 ومعرض فردي آخر ضمن نشاطات دائرة الثقافة في بون بألمانيا 2004 ومعرض فردي آخر في غاليري مصطفى علي للفنون التشكيلية بدمشق 2006 كما شارك في بينالي القاهرة واللاذقية عام 2001 وله مشاركات عديدة في كل من حلب ودمشق وعمان واسطنبول وبون وكولن ودوسلدورف وبروكسل...
ـــــــــــــــــــــــــــ
 http://www.moc.gov.sy/index.php?d=68&id=5252

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح