كعكة الفساد: هل نحتاج إلى تعريف جديد للمصلحة الوطنية؟ / الدكتور الشاعرعاشور فني
الدكتور الشاعرعاشور فني
كعكة الفساد: هل نحتاج إلى تعريف جديد للمصلحة الوطنية؟
يتجسد النضج السياسي في توصل المجتمع إلى تعريف للمصلحة الوطنية في لحظة معينة وإلى الالتزام بالدفاع عنها والتضحية من أجلها مع قبول إمكانية الاختلاف في تقدير أشكال تحقيق تلك المصلحة. وعلى أساس تلك المصلحة الوطنية يتحدد العلاقات مع الآخرين: الصديق والعدو والحليف ...
أما في المجتمعات التي لم تكتمل فيها مسارات النضج السياسي والثقافي فما تزال النخب تراوح بين ولائها للوطن وولائها للقبيلة والعشيرة وولائها للمصلحة الشخصية. هناك فئات ممن فقدوا هويتهم السياسية وتنكروا لانتمائهم وجاهروا بخيانة وطنهم لا يفرقون بين العدو والصديق ولا الحليف. فعدوهم المبدا والموقف الواضح. وصديقهم القوي الفاعل الإيجابي ولو كان مدمر وهنهم. وحليفهم سيد اللحظة الراهنة. فهم (مع الواقف). لا يحكم مواقفهم مبدا ولا قيمة ولا مصلحة وطنية. المشكلة الان فعلا هي تعريف المصلحة الوطنية. ما الذي يجمعنا؟ ما هي المصلحة التي إذا تحققت كان ذلك "مصلحة وطنية ونكون مستعدين جميعا للتضحية من اجلها؟ الاستقلال الوطني؟ السيادة الوطنية؟ الديمقراطية؟ المواطنة؟ التنمية؟ الانفتاح؟ الإصلاح؟ التغيير؟ الاستقرار؟ هل هذه مترادفات أم متناقضات؟
لا تجري الممارسة السياسية في فضاء مجرد بل في واقع ملموس: تخلف اقتصادي وتبعية سياسية وثقافية وانحطاط حضاري وأخلاقي وتضارب في المصالح الاجتماعية: في بلدان أخرى تشكلت طبقات منتجة ومتصارعة حول الإنتاج فهي تحكمها في صراعها مصالح عقلانية: الكفاءة والعمل قيمتان أساسيتنا في المجتمع الصناعي. اما في بلدان العالم المتخلف فنشات التناقضات حول مصالح ريعية مصدرها السلطة. فأصبحت السياسة والثقافة أيضا نوعا من الممارسة التجارية للحصول على خبز غير نظيف: الولاء والرداءة قيمتان أساسيتان في مجتمع الفساد الريعي. ولا حدود للانحطاط ولا للفساد ففي كل يوم نرى شكلا جديدا من أشكال الفساد ويظهر جيل جديد من الفاسدين يمددون الصراع إلى مجالات جديدة كانت تبدو في منآى عن الصراع وامتدت الاختلافات إلى مبادئ كانت تبدو في منجى من الاختلاف .
لقد زادت التناقضات بين أبناء الوطن الواحد وتعمقت التناقضات وظهرت إلى السطح نزعات وأفكار تعيد النظر في المسلمات التي شكلت الأساس الذي قامت عليه الدولة المستقلة: وحدة الشعب- وحدة الوطن - سلامة التراب الوطني.
هناك فئة من السياسيين تولت أعلى المناصب في الدولة ومارست من موقعها ذلك كل أشكال الخيانة والغدر وهي تتمتع بكل الحماية والجاه الذي يمكنها من الاستمرار في ممارساتها على مرآى ومسمع من الجميع.
هناك فئة من الطامعين تسعى إلى الوصول إلى ما وصلت غليه الفئة الأولى وهي مستعدة للقيام بأكثر مما قامت به. وتستعمل كل الوسائل والسبل للحصول على "حقها" والاستحواذ على نصيبها من "كعكة الفساد".
هناك فئة جديدة تزعم انها تنتمي لعالم الثقافة لكنها في الواقع من عالم التجار: الفرق أن التجار يمارسون مهنتهم بشرف. أما هؤلاء فهم نتاج تعميم ظاهرة الفساد في مجال السياسة والثقافة. تعويم قيم الفساد أنتج فئة مجرمة تمتدح الخيانة وتمجد الغدر والسرقة وتقدم خدماتها لهيمنة الفساد والمفسدين برعاية كبار المفسدين على المستوى العالمي. هم في حالة احتلال مسبق. لكن تأخر الغزاة ولا يبدو أنهم سيأتون لنجدتهم -بإعلان احتلالهم- إلا بشروط.
اقتسام كعكة الفساد قاسم مشترك بين هؤلاء جميعا.لكن أية "مصلحة وطينة" تجمع كل هذه الفئات؟ أية مصلحة وطنية يجتمع عليها هؤلاء ويمكنهم التضحية من اجلها بمصالحهم الشخصية؟
هل نحتاج إلى تعريف جديد لمحتوى مفهوم المصلحة الوطنية؟
تعليقات
إرسال تعليق