كامو ..فانون معكوسا، عن الخيار الكاموي و غربة المثقف الجزائري / د. عبد القادر رابحي
كامو ..فانون معكوسا، عن الخيار الكاموي و غربة المثقف الجزائري
د. عبد القادر رابحي
-1-
ربما بدا الحديث عن مفهوم (القابلية للاستعمار) على غير صلةٍ تماما بعنوان هذا المقال،أو ضرباً من المزايدة المجانية من طرف من يحاولون ربطه بمناقشة موضوع حاضرٍ غائبٍ دائما في مخيال العديد من المثقفين الجزائريين الطامحين دوما- و لعل ذلك من حقهم- إلى إيجاد نوع من الانسجام بين نظرة ألبير كامو لجزائر ما بعد كولونيالية كما تصورها طيلة دفاعه عن فكرة 'الجزأرة'(Algérianisme) التي كانت تؤرقه و التي لم يكن سارتر ليفهمها من الزاوية نفسها، و بين ما يعتلج في نفوس هؤلاء المثقفين الجزائريين من تخوفات جوهرية إزاء ما يشوب فكرة الدولة الوطنية المعاصرة من مُغمضات تأسيسية لا يوفر لها الحراك الضارب أطنابه شرقا و غربا أدنى شروط الموضوعية التي تؤدي بها إلى تحقيق استتبابٍ ما لمفاهيم الحرية و الاستقلال في عالم أصبحت أبرز سمات استقراره هي (الغثيان).
و لعل المشكلة ليست في ما كان بين سارتر و مالرو من خلاف فلسفي و عقائدي متعلّق بتوجهاتهما السياسية و الإيديولوجية في فترة حساسة من تاريخ أوروبا و العالم و هي فترة النصف الأول من القرن العشرين و ما بعدها بقليل، و لكن في ما وفره الشرط الكولونيالي، في الحالة الجزائرية خاصة، من حقلٍ تطبيقيٍ لهذين الكاتبين اللذين استطاعا أن يبلورا من خلال استغلال إفرازاته المأساوية آلياتٍ للحجاج كانت تخدم بالدرجة الأولى رؤيتهما الفكرية و التزامهما الإيديولوجي.كما استطاعا أن يُسخِّرا هذه "الحالة الجزائرية" كمُنْتَجٍ فلسفي يوفر القرينة الدالة على صلاحية الأطروحات التي يؤمنان بها بطريقة مختلفة، و التي شكلت وقودا مستديما استطاعا أن يبنيا به صورةً أصبحت راسخة عنهما في أذهان المثقفين في العالم أجمع، نظرا لندرتها و تميّز ظرفها التاريخي، و لكن كذلك في أذهان المثقفين الجزائريين خاصةً، و هم يستعيدون بنوعٍ من الغرابة إشكالية الصراع بين هذين الرجلين في كل مناسبة تدعو إلى فتح العلاقة السُّريّة التي لا زالت تربط كتابات كامو و سارتر الفكرية و الإبداعية بالتصور الذي كانا يحملانهِ عن القضية الجزائرية، و انعكاس غموض موقفيهما أو وضوحه منها على مخيال أجيال متعاقبة من هؤلاء المثقفين الجزائريين.
-2-
ذلك أنه لا يمكننا أن نتصور ميشيل أومفري ، فيلسوف اليسار الفرنسي الجديد و أحد باعثي كامو في آنية المساءلة الفلسفية الغربية من خلال كتاب ضخم بمناسبة مئوية ميلاده أو بدونها، بوصفه ممثلا للعنعنة الفلسفية الجديدة التي تعيد إنتاج نفسها وفق المعايير الكولونيالية التي يفرزها القرن الجديد في ما يمثله من دخول في ألفية الهيمنة النهائية للمركز على الأطراف، بعيدا عن ضجيج الحراك المضاد للعولمة (Alter mondialisme)، أن يقف ضد ما كان يحمله ألبير كامو من نسغٍ كولونياليٍّ طالما عبّرت عنه الحالة الوجودية للإنسان الغربي في مرحلة ما بين الحربين خاصة، عندما أصبح المُسْتَعْمِرُ (الفرنسي) يستنجد بالمُستعْمَر (الجزائري و غيره) من أجل إنقاذه من مُستعمِرٍ (نازي ألمانيٍّ) أخضع هذا المستعمِر الفرنسي إلى فكرة الإذلال المنهجي التي كان و لا يزال يسلطها على مستعمريهِ طيلة ما كان يسميه سارتر بـ(الأزمنة المعاصرة) المتواصلة في غيبوبة فهم المُسْتَعْمَرِ المرحلي لفكرة (الحرية) لا بوصفها شرطا وجوديا كما يحلو لهذين الكاتبين التأكيد عليه في كتاباتهما التنظيرية (الوجود و العدم) و الإبداعية (الغريب) على سبيل المثال لا الحصر، و لكن بوصفها 'شهادة أيزو' محدودة الصلاحية تستوعب المدّ الثوري لمؤسسي الدولة(الدول) الوطنية، و تُعلّب مساراته التهليلية في ما يفرضه الاقتصاد- آلة الحرب الأكثر فاعلية- من محددات تقلص من كلّ طموحٍ واهمٍ لذوي المشاعر الوطنية المشتعلة.
و هي، من خلال استيعابها للمدّ الثوري و تعليبها لمساراته، إنما تسعى إلى تحجيم ميلاد كلّ تصوّر فلسفي ما بعد كولونيالي داخل المنظورات الحداثية المشغولة بالتقليم النظري لكل جنوحٍ فهمٍ مختلفٍ و أصيلٍ لفكرة (الحرية) كما أحسّ بها هذان الكاتبان و هما يخضعان للاستعمار الألماني النازي بما يشكله الخضوع من وقعٍ على الذات المُفكِّرَة ساعة حدوثه، و بما يمثله من اختراق للمعنى الفلسفي الذي تدل عليه كلمة "احتلال الأرض".
-3-
ذلك أن ميشيل أومفري، و هو يبحث عن كامو في ( بطن الفلاسفة) الغربيين طبعا من أجل إعادة إدراجه ضمن حساسية اللحظة الآنية كما يراها الغرب (نظرا لتشابه المسارات الحياتية بينهما على الرغم من اختلاف زمنيهما)، لا يمكنه بأية حال من الأحوال أن يخرج من منظومة التفكير التي أنتجته هو و غيره من المفكرين الغربيين في ما تحدده المسطرة الفلسفية الغربية من آفاق معرفية لا تضع في أولوياتها أبدا فكرة التحرر من الشرط الاستعماري الجديد بوصفه وسيلة للإخضاع المنهجي للأطراف القابلة، بصورة أو بأخرى، بواقع الحال الغربي بوصفه معطى وجودياً أثبت الزمن أنه أحسن بكثير في جانبه التنموي الشكلي من واقع حال هذه الأطراف و هي تعيش حالة 'الدولة الوطنية' العائدة بها - بسبب سوء تسيير فكرة الحرية - إلى مرحلة ما قبل الكولونيالية، أي مرحلة الاستعداد الوجودي لكولونياليةٍ جديدة، و لكن هذه المرّة بوعيٍ يندرج في ما حققه الشرط الكولونيالي السابق من مسوّغات معرفية لأجيال المثقفين الجدد طيلة ما يفوق نصف قرن من الزمن لم تكن فيها فكرة التحرر غير ملهاة شكسبيرية لم تحسن الشعوب المتحررة تمثيلها في الركح الوطني للاستقلال نظرا لاختلاف مستويات فهم الظاهرة الكولونيالية عند هؤلاء المثقفين، و بسبب عدم وضوح الأنموذج التحديثي المقترح من طرفهم على المجتمعات التي نشئوا فيها و كذلك نظرا لعدم وضوح محدداته و مآلاته الإيديولوجية.
و لعله لهذا السبب، نستطيع أن نتصور أنه لا يمكن لميشيل أومفري –كما لغيره من المثقفين الفرنسيين المعاصرين بمختلف توجهاتهم الإيديولوجية كذلك- أن ينادي من خلال الدرس الكاموي أو بدونه، الشعوبَ التي لم تبلغ بعد 'مرحلة الثورة' و التي لا زالت تعيش حالة من التغييب المتعمد عن الوجود بالمفهوم الكاموي في ما يسمى بـ"مستعمرات ما وراء البحار" إلى حالة 'عصيان وجودي' يكون من خلالها وفيا لبعض ما يعتقد الكثير من المتعلقين بالفكر الكاموي أنه فكر تحرّريٌّ من المنظور الوجودي لفكرة التحرر.
ذلك أن ميشيل أومفري لا يستطيع أن يفهم، حتى و لو لم يكن يمينيا– تماما كما كامو - ،الشرطَ الكولونيالي في أقسى ما يمكن أن يحققه بالنظر إلى الذات/ الأنا، و هو مَحْقُ الآخر بصورة نهائية من المعطى الوجودي للعالم الحرّ من خلال ترسيخ فكرة 'القابلية للاستعمار' نسغاً دائما يبني عليه المُسْتَعْمَرُ حضوره في واقع المُسْتَعْمِر (ربما كان مثال اللغة أحسن مثال) عن طريق الربط اللاشعوري بين حالة الصراع النجومي المدفوع بـ(الأنا المضخمة) لكاتبين ( سارتر/ كامو) ينتميان لمدرسة فلسفية غربية، و بين( الأنا المحجمة) لبعض المثقفين الجزائريين في بحثهم الدءوب عن صورة هذه (الأنا) في مرآة الآخر من دون أن يجدوا في هذه المرآة ما يرغبون في رؤيته من فاعلية يعتقدون أن كامو لم يطرحها بالمستوى الذي يليق بها في أعماله الأدبية، و في رواية الغريب خاصة، حتى ليبدو أن هذا (الآخر ) الكاموي تعمد ألا يفصح عن صورة (الآخر) التي طالما حاول أن يمزجها بصورة (الأنا) في معادلة فلسفية لم يستطع أن يُفعّل كلّ معطياتها الحضارية لتسريع ما كان يراه حريّا بالجزائر أن تفعله لكي تكون كما يريدها هو.
-4-
ذلك أن فكرة 'القابلية للاستعمار' ربما تجد صورتها الأكثر التصاقا بالواقع و الأكثر تعبيرا عن الانمحاء في الحالة العاكسة لمستوى ما يمكن تسميته بـ"الذوبان في المُسْتَعْمِر"الذي أصبح قاعدة ثابتة في تمديد مفهوم الكولونيالية الذي يضن العديد من مفكري الشعوب المتحررة أو مفكري الشعوب الطامحة إلى التحرر أنهم تجاوزوه من الناحية النظرية على الأقل بما سميّ بفكر ما بعد الكولونيالية، و الذي لم تعكسه 'الحالة الجزائرية' التي جذبت إليها شطحات ألبير كامو،و تنظيرات بيير بورديو، و تحليلات فرانز فانون، و لكن بنوع من التناقض الرهيب الذي يبرهن عليه سوء الفهم المستديم للحالة الكاموية عند العديد من المثقفين الجزائريين. و هو سوء فهم ناتج في تقديرنا عن حدة التبئير الذي يمارسونه على ألبير كامو دون غيره من المثقفين الغربيين الذين اعتنوا بالحالة الجزائرية أو وَضَعَهُم التاريخ في طريقها.
"كيف يمكن مداواة المُسْتَعْمَرِ من تبعيّتِهِ..؟"..ذلك هو السؤال الوجودي الذي كان يؤرق فرانز فانون في تحليلاته المستفيضة لحالة الإنسان الجزائري خلال فترة خضوعه للشرط الاستعماري، و الذي لم يكن درسا نادرا في القدرة المعرفية على إخضاع الفكر الكولونيالي إلى وجهة النظر التي يحملها المستعمَر (المارتينيكي-الجزائري) عن مُسْتَعمَرِهِ (الفرنسي) فحسب، و لكنه كان كذلك رؤيةَ مواجهةٍ للتصوّر الكاموي في آنية انشغاله المخيف بالذات الغربية طيلة كل المعارك الفكرية التي خاضها في أوروبا، و هي تحاول أن تتحرر من صورتها المثقلة بأعباء ما بعد الحرب التي لم تعد هذه الذات قادرة على تحملها أمام المدّ الثوري القادم من شرق القارة العجوز و من يسار الفكرة المُقَوْلَبَة في تصوّر جديد لرأسمالٍ مساواتيٍّ يضع الجميع على قدم المساواة أمام آلة الإنتاج.
و ربما كان ذلك السؤال دليلا قاطعا للبرهنة على قدرة المثقف المُسْتَعْمَرِ ( فانون) عَلَى ملاحقة المثقف المُسْتعمِر(كامو)، من خلال الصورة التي أرادها التاريخ لكل واحد منهما، في عقر (الدار الجزائرية) التي كان الفعل الكولونيالي يريد من خلالها أن يحقق ما يمكن تسميته بالضربة القاضية للمخيال التحرري الناشئ في مركز الفعل الثوري الأكثر قابلية للانفجار، و ذلك من أجل الوقوف الحقيقي في وجه الرؤية الغربية للتحرر كما يريد أن يسوّقها التصوّر الكاموي، حتى ليبدو للمتمعن في خط مسيرة كل واحد منهما، و هو خط متشابه في الزمنية و متعاكس في الفكرة، أن فانون هو كامو معكوسا من شدّة ما يقترحه الأول المارتينيكي من نسغٍ ثوريّ مستمد من المعرفة العقلانية الغربية الواعية بشرط (معذبو الأرض) الذي يدلّ على الانتماء بوصفه بِشرةً، وبين ما يقترحه الثاني(الفرنسي) من تصوّر باهت لفكرة (الشرط الإنساني) كما يريدها أن تتحقق تلبيةً لرغبته الجامحة في التميّز عن الأطروحات السارترية الأكثر التزاما بمبدأ 'الالتزام' الذي أخذ كل بعده في الأدب خاصة بسطوع نجم سارتر.. حتى لكأن ثمة تراشقا معرفيا لم يُدْرس بدرجة كافية من طرف الباحثين بين فرانز فانون و ألبير كامو على "جزائرية ما" يريد كل منهما أن يحققها في مساره الفلسفي، و هما ليسا من أصول جزائرية حتى و إن كان كامو قد ولد في الجزائر و مات في فرنسا، و حتى و إن كان فانون ولد في مستعمرة فرنسية هي وطنه الأصلي (المارتينيك) الخاضع دائما للكولونيالية، و لكنه مات و دفن في الجزائر.
و يبدو ذلك من خلال التأكيد على فكرة الاندراج في الفعل الثوري بوصفه فعلا وحيدا محركا للذات في سعيها للحرية بالنسبة لفرانز فانون و هو يعاين الشرط الكولونيالي من وجهة نظر الطبيب النفسي الفاحصة لحالة الإنسان الجزائري في أقسى ما يمكن أن يُسلّط عليه من مَحْقٍ وجودي كان بيير بورديو قد عاينه كذلك خلال دراسته للمجتمع القبائلي تماما كما عاينه كامو قبله من جهة، و من خلال التأكيد على فكرة الاندماج في النسق الوجودي لراهن الذات الجزائرية في حالتها الشبه-كولونيالية بالنسبة لألبير كامو، و ذلك بمعزل عما كان يراه من منغصات إيديولوجية سواء كانت ليبيرالية أو ثورية بإمكانها أن تقف حجر عثرة في وجه فكرته الفلسفية التي بقيت غير مفهومة في تأكيدها على أسبقية استتباب فكرة الوجود على فكرة تحقيق الوجود عن طريق الفعل الثوري من جهة أخرى..
-5-
و لعله من ضمن كل الأطروحات المابعد كولونيالية، بما فيها التي حاولت أن تفكك الفكر الاستشراقي بوصفه قاعدة تنظيرية لتَحَقُّقِ الاستعمار كما هو الحال عند إدوارد سعيد و عند غيره من دارسي مرحلة ما بعد الكولونيالية، تبدو فكرة "القابلية للاستعمار" و كأنها الفكرة الوحيدة التي استطاعت أن تصف حالة الكولونيالية في ديمومة اندراجها في أنساق الشعوب المُستعمَرة و توغلها الزمني في طرائق تفكيرات هذه الشعوب. و ذلك نظرا لأنها، دون غيرها من الأفكار المكتوبة تحت تأثير الثورات التي شهدها القرن العشرين، و التي أدت إلى التحرر الذي حقق مبدأ تسلط الرؤية الثورية على الصياغة المستقبلية لفكرة الحرية كما كان من المفروض أن تعيشها الشعوب الخارجة من الشرط الاستعماري، قد انتبهت إلى فكرة أساسية لم تنتبه إليها تفكيرات الطرح الكولونيالي و هو يحاول أن يضفي البعد الإنساني المُخطّئ على أنساقه الفكرية ، ألا و هي فكرة 'الانصياع' التي تحملها بنية التخلف كما تتجلى لدى الشعوب المستعمَرة في انشدادها الدائم إلى (تقليد الغالب) وفق التعبير الخلدوني، و إلى استعلاء حضوره في المخيال و في الواقع كما تعبر عنه فكرة 'القابلية للاستعمار' لدى مالك بن نبيّ.
و من المؤكد أن فكرة 'الانصياع' هذه هي التي ضمنت مدة أطول للمستعمِر لكي يبقى في البلاد المستعمَرة، و أعطته، بناء على ذلك، فرصة توطيد وجوده في المخيال من خلال تأكيد فكرة ضرورة حضوره لتنظيم الوعي بوجوده في أذهان الشعوب الفاقدة للحرية و الفاقدة لمستلزمات صيرورتها في الوجود و في الزمن. و لعلها الفكرة نفسها التي انتهى إليها كامو، و ربما أعطته بحكم الأقدمية، المكانة اللازمة التي يقفها المثقف التراجيدي في المنزلة بين المنزلتين في مرحلة حساسة من تاريخ الصراع الإنساني الذي عبّر عنه في (أسطورة سيزيف) و هو يحمل أعباء الإنسان التائق دوما إلى الحرية.. لا هو بالمثقف العضوي في ماركسية اقتناعاته العنيفة، و لا هو بالمثقف الليبيرالي في بورجوازية تماهياته مع الوضع الراهن كما يتجلى في تعقيداته المتولدة عن المخلفات الفظيعة للحرب العالمية الثانية.
-6-
يبدو من خلال ما تفرزه الحالة الكاموية من تفاعلات في أوساط المثقفين الجزائريين ، أن هذه المنزلة بين المنزلتين قد جلبت لألبير كامو كثيرا من الخصوم المناوئين لأطروحاته الشبه كولونيالية، بقدر ما جلبت له كثيرا من المحبين الذين لا زالوا يرون فيه أروع ما يمكن للفكر الفرنسي أن ينتجه من عبقرية هي أشبه بالحالة الميتا- ثقافية التي لا يمكن أن تدر على فرنسا المُشِعَّة بثقافتها و بأسبقية إنتاجها للأفكار الحديثة إلا الإعجاب و الاحترام و التقدير لأنه كان يعرف، على خلاف سارتر المزعج، و الذي تحبه فرنسا كذلك و لكن من زاوية أخرى، ماذا يختار في اللحظة الحرجة لو خُيّر بين أمه و العدالة.
غير أن الخدمة الكبرى التي أسداها ألبير كامو لأمه، ربما يكون قد قدم بعضا من إفرازاتها إلى المثقفين الجزائريين الحائرين في تصنيفه، بحيث أنه بخياره هذا، لم يترك لمناوئيه كما لمحبيه أحقية الادعاء بإدراجه ضمن هذه الدائرة أو تلك من دائرتي التصنيف المعروفتين، لأنه اختار هو ، تماما كما فرانز فانون و لكن في اتجاهٍ معاكسٍ، ما هو أقرب إلى قناعاته الباطنة بكل حرية ومسئولية.
تعليقات
إرسال تعليق