الشاعر والفنان التشكيلي المغربي فؤاد شردودي: أرسم قصائد ملونة



الشاعر والفنان التشكيلي المغربي فؤاد شردودي: أرسم قصائد ملونة 

2012-11-28

  

حاوره نزار كربوط


الشاعر والفنان التشكيلي المغربي فؤاد شردودي، من مواليد 1978 خريج كلية الآداب بالرباط، صدر له ديوان 'السماء تغادر المحطة' عن دار زاوية للنشر، أقام العديد من المعارض التشكيلية في المغرب، الجزائر، فرنسا، اسبانيا وايطاليا. تعتبر تجربته الفنية من بين التجارب المغربية القليلة التي تشق طريقها بثبات على إيقاعات تثير الدهشة. 
*إذا تأملنا عملك الشعري الأول 'السماء تغادر المحطة' عن دار زاوية بالرباط نلمس في هذا العنوان نوعا من الاستفزاز لعناوين كلاسيكية أصبحت في خبر كان؟
*إذا رجعنا إلى العنوان نجده عتبة أو قصيدة أولى لقراءة النص لاني أحاول دائما أن أضع القارئ في مفترق طرق وأوزعه بين مشاهد متعددة، 'السماء تغادر المحطة'. قد يوحي هذا العنوان إلى نقيضين أو إلى المسافة التي تفرق الأرض عن السماء. رغبة مني في أن ادفع المتلقي إلى السؤال والتأمل، طبعا هذا رهان يمكن إن يرتبط بطريقة مباشرة بخلق الصورة الشعرية في حد ذاتها، وخلق تناقضات جميلة تجعل البحر ينحني تحت قدمي الصحراء، والليل يطوي في ذاته صباحات، هكذا يمكن أن نكتب شعرا بكل المقاييس الجمالية الحديثة.
*في قراءة أولية لديوانك، لاحظت عالما خاصا بك، وقصائدك تشترك في كثير من الأشياء وتختلف في أخرى إلا أن لغتك تتميز بمطبات كيف تنظر إلى حساسية اللغة ضمن القصيدة؟ 
*طبعا كغيري من الشعراء الجدد قرأت الكثير من المؤلفات والكتابات النقدية حول اللغة وبداية من بنية اللغة الشعرية لجون كوهن إلى كتابات ادونيس حول اللغة الشعرية، باختصار شديد اللغة بالنسبة لي لا تقف عند حدود المعجم، بل هي لعبة وجود لدى الشاعر إما أن يكون أو لا يكون لأن اللغة بالنسبة للقصيدة هي وجودها، وبالتالي عندما يستطيع الشاعر أن يحبك لغته ويبلورها بالطريقة التي يريد كمحاولة منه لخلق الجمال حينها يمكن أن نقول انه كتب نصا. أما المطبات التي تناولتها في سؤالك هي بمثابة الورود الحمراء التي تزين حديقة ما وتجعل المتلقي في لحظة تأملية أمام القصيدة لأن رهان الشاعر الكبير هو لغته.
*في العديد من قصائد الديوان وجدت حضور المدينة بطريقة تثير الفضول، أليس للمدينة مكانة خاصة في شعرك؟
*بصفة عامة الفضاء هو كتاب مفتوح، اقلبه وأحط الرحال في صفحاته الجميلة متى أشاء، الفضاء هو هذا الحاضن والقلب النابض، المدينة جزء لا يتجزأ من المكان. كانت نشأتي في ضواحي مدينة سلا، كنت دائما أرى المدينة بأضوائها وزخمها مكانا مستفزا للتأمل والبحث أخاطبه وابحث فيه عن ما يشبهني وما لا يشبهني، محاولا كشف ما وراء ستار الأضواء، وقارئا للعديد من التفاصيل التي ننظر إليها يوميا دون أن نعيرها الاهتمام الذي يليق بها.
*بصفتك شاعرا ينتمي إلى جيل التسعينيات كيف تنظر إلى الحساسية الشعرية الجديدة في المغرب؟
*الحساسية الشعرية الجديدة في المغرب علامة استفهام كبرى، إنها تقف على رهانات فردية لا غير. وسيكون مفلسا من يعتقد على أن الحساسية الشعرية الجديدة في المغرب قادرة أن تخلق رهانات شعرية جماعية جديدة. في الحقيقة هي امتداد لتجارب شعرية سابقة، فيها القليل من الأصوات التي استطاعت أن تفرض نفسها في الساحة الثقافية وتجعلنا نرفع لها القبعة، أما البقية فما زالت تبحث عن صوتها ونسقها الخاص. إذن لا بد من عمل نقدي بناء وبنيوي يعيد خلخلة الكائن في التجربة الشعرية الجديدة. محاولة منه رد الاعتبار للذات الشعرية العميقة
*كيف تقيم المستوى الذي وصلت إليه التجربة النقدية خاصة تلك المتعلقة بالشعر؟
*جرت العادة أن العمل النقدي يأتي تابعا للمتن، وللعمل الشعري، التجربة النقدية في المغرب برغم تراكمها الورقي واختلاف التجارب الشعرية المغربية فهي لا تزال عاجزة ويمكن أن نشبه الأمر' بسهرة داخل البيت والنقد لم يدخله بعد' أرى أن بعض الكتابات النقدية وكأنها تمشي على هامش الواقع الأدبي، لم تستطع مواكبة الزخم في إنتاج النصوص بكل أشكالها، البعض يكتب عن أسماء مسوقة إعلاميا، أما الأسماء الشعرية الحقيقية يضربون بها عرض الحائط.
*أصبح اسم فؤاد شردودي يتداول بكثرة في مجال الفن التشكيلي، هل للقصيدة وقع على تجربتك الفنية؟
*بطبيعة الحال قصيدتي لها علاقة حميمية مع اللوحة، وإذا صح التعبير هي توأمة حقيقية. كل من قرأ نصوصي يقارب بينها وبين لوحاتي. وآخرهم صاحب احد الأروقة في باريس، عندما زارني في مرسمي قال لي إن أعمالي هي عبارة عن قصائد ملونة.
شخصيا اعتبر أن التشكيل والشعر ينتميان إلى شجرة واحدة وتجربتي هي كالطائر بجناحين جناح للقصيدة والثاني للوحة. فإذا كانت للقصيدة لغة كذلك للوحة قوامها وألوانها، والبحث في اللغة كالبحث في اللون والشكل.
*عندما تقف أمام بياض اللوحة كيف تفكر في ملئه والغوص في ثناياه؟
*اعتبر نفسي أمام البياض فلاحا أمام قطعة أرض، ولن أقول أنني أمام أنثى لأن هذه الجملة أصبحت مستهلكة جدا. الفلاح أمام قطعة ارض لا مصير له ولا خيار له إلا أن يحفرها ويعطيها، لتعطيه، أن يجعل جسده وروحه يتسللان تحت تربتها. وفي هذا العمل الوجودي والدقيق تصنع اللوحة. البياض لا أعتبره سطحيا بل اعتبره مغارة فيها العديد من المتاهات. وبالتالي عندما ادخل هذا البياض أحس بنفسي مسافرا متجاوزا معنى الحدود والمكان، إذن هي مغامرة فلسفية رمزية تبدأ وليس بالضرورة أن تنتهي.
*هل ترسم لوحاتك في مخيلتك قبل أن تجسدها على ارض الواقع أم انك تدخل في مغارة البياض من دون أي تشكيل مسبق لما سترسمه؟
*أريد أن أضيف حرفا واحدا إذا سمحت على كلمة مغارة انه الميم لتصبح المغارة مغامرة.
اللوحة هي مغامرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حين أغوص في لوحاتي أتجرد من كل شيء إلا من اللغة التي أحاور بها هذا البياض. مثل سفر في المجهول، في أماكن وأفكار وشخصيات مجهولة إلى حد ما. وبطبيعة الحال هناك دائما علاقة بين الواقعي والتجريدي، إذ أن الواقعي ينعكس على التجريدي والعكس صحيح. أريد أن أشير إلى نقطة مهمة هي أن الوصول إلى المعنى الحقيقي للأشياء هو نهاية التجربة في كل لوحة وحينما تصل إلى معنى ما تقول هنا سأتوقف. وسؤال التوقف نسبي يمكن أن ينفتح على عدة احتمالات وكثير من الأسئلة الجديدة.
*هل بإمكاننا اعتبار أن كل اللوحات التي رسمت هي نصف مكتملة ؟
*هي ليست نصف مكتملة. هي لم تكتمل قط، إنها لعبة الإبداع أن ابحث باستمرار عن أشياء فضاءات جديدة داخل لوحاتي.
*إذا انطلقنا من معرضك الأخير 'أيادي الظلال' برواق الباب الكبير في مقارنة بينه وبين لوحاتك الأخيرة، نلاحظ انك بدأت تختزل الألوان وتبحث في تشكيلات جديدة أليس في هذا فلسفة خاصة تخلق حوارات جديدة في تجربتك الفنية؟
*سأبدأ جوابي بالتجربة الشعرية. يمكن أن تقرأ قصيدة وتحس أن فيها لغة مباشرة حينها تقول هذا الشاعر لم ينضج بعد، نفس الشيء ينطبق على التشكيل. الإغراق في الألوان الكثيرة تفضح العمل التشكيلي وتضعه في المباشرة، أنا الآن في التجربة الأخيرة ابحث عن أللا لون أحاول اختزال الألوان وأضعها في ما وراء اللوحة محاولة مني أن اخلص اللون من كل تمثلاته الواقعية فأجعله لونا تجريديا وهذا صعب جدا ومغامرة غير محمودة العواقب، أن تصنع من اللون الواقعي لونا رمزيا تلبسه سؤالا ما، وتعطيه القدرة على أن يقف شامخا متجردا واضعا المتلقي أمام علامات استفهام عديدة. وإذا رجعت بك إلى لوحاتي الأخيرة، ستجد أن الألوان تقف في الصف الأخير أما ما يقف إمامك فهو الشغب واللعب والخربشات الطفولية التي تفتح اللوحة على قراءات متعددة فتتحول إلى مرآة.
*في نظرك إلى أين وصلت التجربة التشكيلية المغربية مقارنة مع التجربة العالمية؟
*إلى حد ما التجربة التشكيلية المغربية برؤية بانورامية، ما زالت تبحث عن نسقها الخاص، لأنها مزيج من تفرعات عن التجربة العالمية. إذ نجد بعض التجارب المحدودة والمعدودة على رؤوس الأصابع هي التي استطاعت أن تتجه نحو العالمية وأعتقد أن الفنان فؤاد بلامين يمثل هذا الاستثناء الكبير ربما لأن التشكيل في بلدنا يخضع لأشياء لا علاقة لها بالفن ولهذا علينا أن نشتغل أولا على شيء مهم جدا، انه جانب التلقي.
بناء ثقافة ووعي بصري يجعل من الإنسان قارئا جيدا للفضاء وعلى المبدع أيضا أن يسمو بأعماله الفنية بعيدا عن الماديات. ففي نظري التشكيل في المغرب، لا يزال مفتوحا على قراءات عديدة ومتجددة.
ـــــــــــــــــــ
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data\2012\11\11-28\28qpt898.htm

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهدم البنّاء و مفهوم الزائل في الفن المعاصر لمحراب التشكيل / محمد فارس

الصورة في الفن المعاصر بين الإدراك و التأويل / محمد فارس تونس

أعلام الموسيقى والغناء في العالم العربي الشيخ العربي بن صاري (1863-1964) / محمد بن عبد الرحمن بن صالح