(( لقد تقمَّصك ِالحمار )) / فاديا عيسى قراجه
فاديا عيسى قراجه
هنيئاً لك ِ فقد حصلت المعجزة , وخرجتِ من عباءة التكرار , لقد سجلتِ نصراً على ذاتك , فها هو الحمار بكل ما لديه من سكينة , وهدوء يحلُّ ضيفاً مرحّباً به على روحك المتمردة .. فبعد بحوث ودراسات , وبعد مراقبة يومية , وتسجيل بيانات ضخمة , وبعد تحليل وتمحيص , وأخذ ٍ ورد ها هو الحمار يتربع فوق سطورك ليمسك زمام أي مبادرة قد تعيدك إلى جنون الحرف الذي لم يورثك سوى العداوة تلو الأخرى مع مجتمع خاب ظنه فيك , وتفنن بقدحك بكل ألوان الكلمات السرية والعلنية , فأنت مغضوب عليك إلى يوم الدين ..
اهدأي أيتها القاصة .. فقد أصبحت نمطية بفضل روح الحمير التي تنهق بداخلك , وتهدي خطوك, مصوبة عثراتك , ومصححة وقفاتك ..ومقومة اعوجاجك ..
تباركي بهذا النعيم أيتها القاصة المعزولة عن العالم , ماذا يعني كل ما قلته وما معنى نباحك على موائد الإبداع التي لم تُخلق لأمثالك.. ما معنى هذا العواء والمواء الكريه أمام مزابل الحرف , ومستنقعات القصة ؟؟
الآن وليس غداً أنت سيدة القصة الحميرية بلا منازع .. لقد حررت الحمير من براثن عزيز نيسين , وقضيت على حشرة كافكا قضاء مبرماً.. وذبحت عنزة المهاتما العظيم , وشويت لحمها على نار الغيرة التي يحترق بها من لم يجرب الكتابة عن الحمير.. لقد ملكت الشرق والغرب , ووضعت يدك على منابع الثروة الحميرية, بل أكثر من ذلك لقد صفيت جسدياً (الأربعين حرامي) الذين يحرسونها, ثم يسرقونها ..
فخسئ من ينتقدك أو يشير إليك بقرف , أو من يفكر مجرد تفكير باضطهادك
فأنت كاتبة الحمير الجميلة .. أنت من سيرفع من شأن هذا الحيوان الساحر الذي يمشي في الأزقة غير مبال بأحد .. الحمار الذي يحفظ طريقه دون أي خطأ .. الحمار البهي الذي يسمح للجميع بامتطائه , بل ورفسه وركله , وضربه بالسوط دون أن يقول آه واحده , فهو في ملكوته يفكر ويفكر , ولا بد أن يأتي اليوم الذي سينفذ فيه مخططاته , ويقلب الطاولة علينا , ويغدو سيدنا المطاع , وولي نعمتنا الهمام الشهم .. والويل كل الويل لمن سخر أو تهكم أو تندّر عليك أيها الحمار , لا تستهينوا به فقد كشفت قاصّتنا أسراره , ونكاية بنا لن تخبرنا عن تلك الأسرار
لقد آنت ساعتك أيتها القاصة , وحان الوقت لمحاكمتك فأنت وعشيرة الحمير سواء , ومنكم وبكم يأتي الشر ..
وهناك سر سخيف يجب أن يعرفه القرّاء, لقد تقمَّصك الحمار حتى ببلادته , حتى بسكينته , فلم يعد يهزك شيء , لقد امتطى قصصك كل الفرسان الحميريين , وركلتك الحروف الحميرية, وجلدتك السطور بنهيقها المتكرر حتى أدمعت عيناك .. فأين أنت ذاهبة , وما نهاية هذا التقمص الحميري الذي وصل إلى بلاد البهار والنهار , واكتشف سره القاصي والداني..
حاولت بداية أن تتقمصي الزرقاء بكل وعيها ونضوجها , وكتبت عن جنود يختبئون وراء الأكمات الألكترونية , ووصفتي أشكالهم , وأعدادهم , وألوانهم , ونوع أسلحتهم التي يحملون, وأقسمت بأغلظ الأيمان أنهم قادمون وسيحرقون الأخضر واليابس, لكن الجميع شتمك وكفّرك وأفتى بقتلك , فالتجأت إلى مكان لا يراك به أحد , وتابعتي سيرك الحثيث وأنت تقولين : الجيش المعادي يقترب يا ناس , الأسلحة على أتم الجهوزية ,الخرائط ينتهكها جند بكل الألوان..... لكن الناس واصلوا بدورهم قذفك وشتمك , فلم تجدي سوى الحمار صديقاً حنوناً, ومستمعاً صبوراً ومتحدثاً لبقاً, يستمع إليك ويبادلك الشكوى فكم من مرة كان نهيقه يوقظ الناس الذين تُسرق محاصيلهم ,وتُحرق بيادرهم , فلا يفعلون أي شيء سوى رجمه وجلده ..
كنتما روحاً واحدة في جسدين .. لقد اندغمت بالحالة الحميرية لدرجة الوله , فلونه الأحمر هو إلهامك , ونظراته ذات الرموش الطويلة هي غزلك , وقامته الفريدة هي نبع إبداعك , فمن له هذا المجد غيرك؟
بفضل حميرك التفت إليك النقاد , وأصبحت أشهر من نار على علم , وقد أُعدت أكثر من رسالة لنيل شرف الدكتوراه من خلال تناول الحالة الحميرية التي تنهق بداخلك ..وليس هذا وحسب فقد كثر عرسانك, وعشاقك وأصبحت الزوجة الحلم لكل رجل ملّ من نقيق زوجته , فأنت هادئة كحمارك , جميلة كسكينته , مطواعة كمشيته .....
بل ليس هذا وحسب فقد تم انتخابك لتكوني رئيسة الكتَّاب وسفيرة النوايا الحميرية إلى العالم الغربي الذي أعدَ لك التبن وهو الآن ينتظر وصولك بفارغ الصبر ..
افرحي يا سيدة القصة فقد أعاد الحمير إليك الاعتبار , وأصبحت أهم من نجوم الكراسي والفن والرياضة .. وكل ذلك بفضل حمار أحمر هادئ يفكر, ويفكر وسوف يأتي التنفيذ قريباً جداً .. جداً ..جداً .
23 أيلول 2011
الخامسة صباحاً
تعليقات
إرسال تعليق