هل وجدت ما وعد ربك حقاً ياقذافي ؟؟ / أحمد بورتيمة
هل وجدت ما وعد ربك حقاً ياقذافي ؟؟ / أحمد بورتيمة
وقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بئر القليب في أعقاب غزوة بدر وخاطب جثث سادة قريش الذين قتلوا في ذلك اليوم فقال لهم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا». ؟؟
هناك لحظات تاريخية ممتلئة بالعبرات والعظات يتجلى فيها الله لخلقه بقدرته وعظمته حتى تخشع قلوبهم..لكن أكثر الناس عن هذه الآيات غافلون..
المشهد ليس للفرح والتشفي والشماتة، لكنه مشهد يرت...جف القلب فيه وجلاً وهو يرى آيات الله تتجلى أمامه فلا يسع قلب المؤمن إلا أن يخشع لله ويجله ويعظمه..
التاريخ حافل بالعبر والعظات، وفي كل يوم نرى عبرةً وعظةً جديدةً، لكن الإنسان بعنجهيته وغطرسته وكبره يكرر نفس الأخطاء منذ آلاف السنين بغباء عجيب دون أن يعتبر ممن قبله، وكلما جاءت أمة ظنوا أنهم سبقوا، وأنهم حالة استثنائية من التاريخ، وأنهم يمتلكون من القدرات الخارقة والذكاء ما لم يمتلكه آباؤهم الأولون فيتمادوا في طغيانهم وقد ظنوا أن الله غافل عما يعملون، ويظلون في سكرتهم يعمهون حتى يبغتهم العذاب فجأةً ويحيق بهم ما كانوا يكسبون..
لقد صدق آينشتاين حين قال إن شيئين لا حدود لهما الكون وغباء الإنسان..
في العشرين من أكتوبر 2011 طويت صفحة أخرى من صفحات الطغاة عبر التاريخ..اثنان وأربعون عاماً من القتل والإفساد والاستعلاء في الأرض..كانت أعواماً ثقيلةً على الذين يرزحون تحت حكمه..اثنان وأربعون عاماً ولدت فيها أجيال وهلكت أجيال أخرى..اثنان وأربعون عاماً أملى له الرب الجبار فظن أن هذا الإمهال خير لنفسه، فتمادى في طغيانه، وظن أن الله قد نسيه فطغى في البلاد فأكثر فيها الفساد..
لكن سنة الله عجيبة في الظالمين فهو لا يتعجل بعجلة أحد، يمهل لهم حتى يظنوا أنه قد نسيهم فيتمادوا ويزدادوا إثماً ويستيئس المستضعفون فيقولون متى نصر الله، لكن الله عز وجل يعد لهم عداً "فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عداً"..تخيلوا أن عداداً تنازلياً بالسنين والأيام والساعات والثواني يحسب على الطاغية منذ يبدأ في طغيانه، وهو غافل عما يخبئ له القدر فيتوغل في الظلم والإفساد أكثر وأكثر وهو لا يدري أنه يجري باتجاه مصيره المحتوم الذي ينتظره في نهاية الطريق..
منذ اثنين وأربعين عاماً والعداد التنازلي يحسب بأيامه وساعاته وثوانيه حتى إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون..
اثنان وأربعون عاماً هي الآن لحظة عابرة في مقياس التاريخ "أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون".. مضت وكأنها لم تكن "كأن لم يغنوا فيها"..، لم يغن عنه ملكه ولا سلطانه، ولا عشرات المليارات المودعة في حساباته "ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه". كل هذه الأعوام الطويلة الثقيلة سيذكرها التاريخ في سطر صغير: يحكى أن طاغيةً حكم البلاد اثنين وأربعين عاماً ثم انتهى قتيلاً..
هناك علاقة عجيبة بين حياة كثيرين من الطغاة وبين طريقة نهايتهم.. كان يصف شعبه بالجرذان فشاءت الأقدار أن تكون نهايته مهينةً في مجرى صرف صحي!!
ترى ما هو حاله الآن وقد كشف عنه الغطاء فبصره اليوم حديد، رجع إلى ربه وحيداً كما خلقه أول مرة ليس له من دونه ولي ولا نصير، انفض عنه الأشياع والأعوان، وهلك عنه السلطان..الآن يعلم أن الله هو وحده الإله المتعالي، الآن فقط يعلم أنه كان يعيش في وهم كبير "ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً"..
بماذا سيجيب المولى الحق حين يستوقفه ليسأله عن كل صغيرة وكبيرة..لم يكتف بالعودة إلى ربه بأحماله ولكنه حمل معه أوزار الملايين الذين ظلمهم سيتشبثون بعنقه في حضرة المولى العظيم وهم يطلبون حقهم.. سيمسك بعنقه عشرات الآلاف من الذين أزهق أرواحهم وهم يطلبون القصاص من الله عز وجل.. لن يستطيع أن يفتدي نفسه بعشرات المليارات التي امتلكها في الدنيا، ولو كان له ما في الأرض جميعاً، فالوزن يومئذ الحق، وعملة التداول هي الحسنات والسيئات فيؤخذ من سيئات كل هؤلاء وتطرح عليه "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم"..هل سيطيق أن يحمل كل هذه الأثقال..كم هو مسكين الإنسان حين تغره نفسه فيغفل عن مصيره المظلم..
لقد خلت أمامه المثلات طوال سنوات حكمه، فكان قادراً على الاتعاظ من درس شاه إيران أو طاغية رومانيا تشاوشيسكو، وغيرهم كثيرون، لكن ماذا تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون..يظن كل واحد أنه أفطن ممن سبقه، وهو واهم في ذلك فسنة الله واحدة "سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً"..ومن لم يستفد من عظة غيره غدا هو عظةً لغيره، فهل سيستفيد الطغاة الآخرون الذين يمارسون طغيانهم الآن أو الذين لم يأتوا بعد من هذه الآية أم أنهم بدورهم سيمارسون نفس الأخطاء والحماقات حتى يبلغوا نفس النهاية..
التاريخ يقول لنا إن أقل القليل من البشر هم فقط الذين يصغون لموعظته "ولكن أكثر الناس لا يؤمنون".. هذا هو الإنسان "إنه كان ظلوماً جهولاً"..
إنها أيام يتجلى لنا الله فيها بقدرته فلنصغ السمع لكلمة الله "ألا من كان له أذنان للسمع فليسمع"..
"وإلى الله تصير الأمور"..
مقال اكثر من رائع اشكرك
ردحذف